العدد 55 - اقتصادي | ||||||||||||||
محمد علاونة لم يتوقع المصرفي خالد أن يعيش مخاوف من فقدان عمله الذي اجتهد فيه، كما يقول، على مدار الأعوام الخمسة الماضية، لدى ورود أنباء من الشركة الأم لفرعه المحلي مفادها وجود خطة لتسريح عدد من العاملين في مواجهة تداعيات الأزمة المالية العالمية. ومن خلال متابعاته للإعلانات المتتالية عن توجه خفض مؤسسات أجنبية مصرفية و تجارية وصناعية لها مكاتب عاملة في الأردن لعدد العاملين فيها، يتخوف خالد من قرارات مفاجئة بفصله من عمله لتقليص النفقات، كما حدث في مناطق عديدة من العالم. وبما أن حال خالد حال كثيرين يعملون في فروع شركات أجنبية في الأردن؛ بنوك وشركات محلية، لم يساورهم مثل ذلك الشعور من قبل، فإنهم يستندون في مشاعرهم هذه إلى المعارضة الشديدة التي ستلاقيها تلك الإجراءات في ظل الظروف المعيشية الصعبة التي تعيشها الطبقات العاملة مع موجة الغلاء التي تجتاح البلاد. وكانت تلك المخاوف قد بدأت مع إعلان البنك الأميركي سيتى غروب الشهر الجاري عن تسريح 53000 موظف جديد، في إطار عملية اختزال لنحو 20 في المئة من إجمالي العاملين، والذين يبلغ عددهم 300 ألفا في جميع أنحاء العالم، كما سرحت بنوك أجنبية عاملة في دبي من بينها بنك ستاندرد تشارترد عددا من موظفيها بهدف ضغط النفقات. وقد انعكست تلك الأنباء محليا على شركات كبرى محلية قد تقوم بتقليص أعمالها والتقليل من أعداد العاملين فيها في خطوة لمواجهة تداعيات محتملة للأزمة المالية العالمية، ووسط حاجتها لسيولة بات من الصعب تحصيلها في ظل إجراءات بنكية مشددة. وأثير أخيرا عجز مؤسسات عريقة عن مواصلة انجاز مشاريعها الكبرى بسبب شح التمويل الذي تديره البنوك من خلال توفير التسهيلات، وتحكمه أدوات البنك المركزي من خلال قرارات الاحتياطيات وأسعار الفائدة التي تلعب دورا رئيسيا في تغيرات معدلات التضخم وتداول الأوراق النقدية. نائب رئيس الوزارء السابق جواد العناني يرى أن كثيرا من الشركات المساهمة العامة يمكن أن تتأثر نتيجة حاجتها للتمويل اللازم لإنجاز المشاريع، إضافة إلى ما اسماه بالتمويل الجاري، وهو حاجة تلك الشركات لسيولة مستدامة لتسيير أعمالها. واعتبر العناني أن الإجراءات المشددة المتبعة من قبل البنوك وتضافرها مع ظروف خارجية تتمثل في تحفظات لمستثمرين أجانب بسبب تداعيات الأزمة العالمية يمكن أن تجتمع لتشكل انكماشا يعاني منه الاقتصاد ككل. ورغم الضغوط التي تتعرض لها قطاعات متعددة نتيجة تشدد البنوك، بشهادات متعاملين من أصحاب مشاريع عقارية وتجار ومصرفيين، يؤكد قانوني لأحد الشركات العقارية الكبرى أن الشركة تسير وفق خططها التي وضعتها منذ عامين. ولا يخفي القانوني، الذي طلب عدم ذكر اسمه وجود نقص في السيولة بسبب ما وصفه بـ «الحذر المفرط» من قبل البنوك إزاء التسهيلات، إضافة إلى ما اعتبره تحذير من قبل البنك المركزي للبنوك بأن تكون أكثر تشددا في المرحلة المقبلة. وبين القانوني المستشار لشركة تقيم مشاريع تقدر ببلايين الدنانير بأنه شهد عمليات تسريح لعاملين في شركات بدول الخليج مثل الإمارات وقطر، لكنه استبعد أن يحدث ذلك في الأردن، وذلك على رغم عدم تفاؤله بأداء الشركات في المرحلة القريبة المقبلة. ويأتي حديث القانوني تزامنا مع إعلان «سما دبي» التابعة لشركة دبي القابضة الإماراتية الشهر الجاري أنها تدرس خفض العمالة ومراجعة المشاريع التي تعتزم الدخول فيها وسط أزمة الائتمان العالمية التي ضربت دبي، المركز التجاري في الخليج، وتعد «سما دبي» ثالث شركة تخفض عمالتها بعد «داماك» و»إعمار». ولم يستبعد القانوني المستشار في إحدى أكبر شركات التطوير العقاري في الأردن وهي شركة مدرجة في البورصة، الحد من بعض الخطط التوسعية بسبب مخاوف من عدم تمكنها من الحصول على التمويل اللازم لبعض مشاريعها بسبب الأزمة المالية العالمية. وشرح العناني أهمية سوق الائتمان للشركات المحلية بقوله «إنها مهمة مع التطورات السريعة التي شهدتها الشركات الأردنية الصغيرة لتصبح مساهمة عامة لديها التزاماتها الضخمة واعمالها التوسعية». بيد أن رئيس مجلس إدارة أحد البنوك المحلية أكد أن المصارف والشركات الأجنبية العاملة في الأردن تزيد من قاعدة عملياتها، وذلك بعكس ما يشاع بأنها تسعى لتقليص دورها. وأوضح رئيس البنك الذي يدير عددا من الشركات الصناعية والتجارية بأن أحد البنوك الأجنبية قام بزيادة عدد الموظفين لديه أخيرا نتيجة خطط مستقبلية وضعها البنك للنهوض بعملياته التشغيلية في الأردن. وأقر المسؤول المصرفي الذي طلب عدم نشر اسمه بوجود إجراءات مشددة من قبل البنوك في منح التسهيلات للمشاريع الكبرى سواء كانت عقارية أو تجارية، واضعا ذلك في إطار تحوط طبيعي تتخذه المصارف في وجود مخاوف اقتصادية عالمية يمكن أن تكون لها انعكاسات محلية. وكان هذا ما ذهب إليه العناني بتأكيده أهمية إعادة النظر في سياسة البنك المركزي تجاه الائتمان، وقد أبدى تفاؤلا فيما يتعلق بخفض جديد للفوائد يمكن أن يقره البنك مع بداية عام 2009 على ابعد تقدير، أسوة بالبنك الاحتياطي الأميركي، والذي من شأنه أن يقلل من حدة تداعيات الأزمة المالية العالمية. واعتبر خفض الفوائد مصلحة أولى للاقتصاد والبنوك مع زيادة العائد على الدينار مقارنة بالدولار، وحتى بالعملات الأخرى ليزيد من حجم ودائع العملة المحلية. واعتبر المصرفي أن قرارات البنك المركزي الأخيرة والمتعلقة بخفض الفوائد واحتياطات البنوك على الودائع ايجابية مؤكدا أنها ستعالج جزءا من شح السيولة الملموس حاليا، لكن ذلك كما يرى، يحتاج مزيدا من الوقت. وتضم بنوك الأردن نحو 8 فروع لبنوك أجنبية هي: ستاندرد تشارترد، البنك العقاري المصري العربي، إتش اس بي سي، الشرق الأوسط المحدود، سيتي بنك إن.أي، مصرف الرافدين، بنك الكويت الوطني، بنك لبنان والمهجر وبنك عودة. وكشف المصرفي عن أن البنك المركزي بصدد إجراء تخفيضات أخرى في الوقت القريب والذي من شأنه أن يزيد من الثقة المتبادلة ما بين البنوك والمتعاملين معها والتي تقلصت أخيرا. أرقام تسجيل الشركات الأجنبية التي لديها مكاتب عاملة وغير عاملة في الأردن تشير إلى تحول جذري في تنقل رؤوس أموال تلك الشركات، فتبين أنها تتجه وبقوة إلى قطاعي المقاولات والخدمات، بينما يتراجع بحدة حجم التسجيل في قطاع والزراعة. وتبين الأرقام أن حجم رؤوس أموال الشركات التي تم تسجيلها في قطاعي المقاولات والخدمات منذ بداية العام الجاري وحتى نهاية شهر تشرين الثاني/نوفمبر الماضي بلغ 76.2 مليون دينار 121.6 مليون دينار على التوالي مقارنة بنحو 10.8 و 88 مليون دينار على التوالي للفترة نفسها من العام 2007، بينما تراجعت رؤوس الأموال المسجلة في قطاع الزراعة من 145.5 إلى 66.9 مليون دينار لنفس الفترة من عام 2007. ورد مصرفي بارز، في حديث أدلى به للسجل التحول في رؤوس الأموال إلى أن الشركات الأجنبية تعيد حساباتها وتضع في سلم أولوياتها مسائل الأرباح والعوائد في إطار خطط غير إستراتيجية وغالبا ما تكون قصيرة المدة لذلك تتحرك بسرعة بعكس الشركات المحلية التي تتحلى بالصبر والتأني حتى في حال حدوث تغيرات جذرية في معدلات السيولة والأعمال. أما بالنسبة لحجم رؤوس أموال الشركات المسجلة بكافة أنواعها في الأردن خلال الأحد عشر شهرا الأولى من العام الجاري فقد تراجع بنسبة 16.5 في المئة حيث بلغ 712 مليون دينار مقارنة مع 854 مليون دينار لنفس الفترة من عام 2007. وحسب أرقام رسمية صادرة دائرة مراقبة الشركات بلغ عدد الشركات المسجلة حتى تشرين الثاني / نوفمبر 7736 شركة مقارنة بـ 7521 شركة خلال نفس الفترة من العام الماضي, وبنسبة نمو بلغت حوالي 2.8 %. |
|
|||||||||||||