العدد 9 - اقتصادي
 

التوجه الحكومي الوشيك لتحرير قطاع الطاقة أمر له مدلولات إيجابية على الاقتصاد الأردني، بشقيه الإنتاجي والاستهلاكي. لكن اقتراح بعضهم بوضع ضريبة شبيهة بضريبة المبيعات وبالنسبة نفسها على أنواع البنزين سيكون له أثر سلبي على أسعار الطاقة والإنتاج والتضخم.

بحسب أرقام مستقاة من ورقة أعدتها غرفة صناعة الأردن، يفوق سعر الوقود الثقيل في الأردن مثيله في مصر بما يزيد على 12 ضعفاً، 3 أضعاف عن السعودية و1,6 ضعف السعر في تركيا، ما يضع عبئاً على تنافسية أسعار الصناعات الأردنية التي يشكّل الوقود 10بالمئة من كلفة إنتاجها.

اثر الارتفاع يتفاوت من صناعة إلى أخرى، وبحسب مبادئ الاقتصاد، فإن أثر أي سياسة اقتصادية يقاس لكل صناعة على حدة، ولا يأخذ الأثر بالمتوسط فقط، حيث أن المتوسط أو المعدل الحسابي يخبئ الكثير من الحقائق.

كما أن أثر الخطط الاقتصادية يكون دائماً ومستمراً على بعضهم، بمعنى أن صاحب المصنع الذي يغلق بسبب عدم القدرة على المنافسة قد لا يستطيع أن يعود لتشغيله إذا ما انخفضت الأسعار لاحقاً.

ما تؤكده الأرقام والدراسات أن فتح باب استيراد الوقود الثقيل والسولار، سيخفض أسعارها، ليتراجع سعر الوقود إلى الثلث و للسولار بالمقدار نفسه، وكلاهما مهم للمنتج والمستهلك على السواء.

السؤال، لماذا لا يسمح بالاستيراد لجهات مختلفة قادرة على تخزين الوقود، خصوصا وأن فترة احتكار المصفاة التي قاربت خمسة عقود انتهت فعلياً، ولم يعد هناك عائق قانوني لتحرير السوق.

أحد أسباب ارتفاع أسعار المشتقات النفطية في الأردن أن دولاً أخرى كالاتحاد الأوروبي وغيره استفادت من هبوط الدولار، بعكس الأردن الذي يفتقد هذه الميزة بسبب ارتباط الدينار بالدولار، وعلى المستوى ذاته منذ 1995.

المطلوب هو إعادة تقييم الدينار، ورفع قيمته مقابل الدولار ليصبح سعر صرف الدولار أقل من 70 قرشاً، لتهبط تكلفة الطاقة على الأردن، لا سيما وأن الدولار هبط 42 بالمئة مقابل اليورو في الأعوام الخمسة الماضية.

ومن ناحية أخرى، اقترحت مؤسسة مالية منذ أكثر من عام فرض ضريبة نوعية نسبتها 16بالمئة على الغاز الطبيعي، وتطالب الآن باستيفاء هذه الضريبة أيضاً على أصناف البنزين الثلاثة لتعويض الخزينة عن الإيرادات التي فقدتها نتيجة رفع الدعم عن المشتقات النفطية.

مثل هذا التوجه مرفوض من ناحيتين: بموجب الاتفاقيات الدولية لا يجوز فرض ضريبة مبيعات على مشتقات النفط، تحت أي مسمى كالضريبة النوعية أو الخاصة، فذلك لا يلغي أثرها الضار على الاقتصاد.

أيضاً، هذه ضريبة استهلاكية، تعاقب المستهلك، وتضر بشكل أكبر بالمنتجين كالمصانع ومراكز الإنتاج.

كما أن تحصيل هذه الضريبة سيضر بالفقير، كون ضريبة المبيعات ليست تصاعدية، تؤثر أكثر في الفقير الذي يستهلك جزءا أكبر من دخله على المواد الاستهلاكية مقارنة بالغني.

الأفضل في هذه الحالة تقديم الحوافز على ترشيد استهلاك الطاقة من خلال توفير نظام نقل لائق والحوافز الضريبية للمنتجين وغيره، لا المعاقبة فقط من دون وجود البدائل.

النقطة المهمة في إقرار هذه الضريبة أنها تحدد كنسبة مئوية من السعر، ما يعني أن دخل الحكومة يرتفع مع ازدياد السعر، وبذلك تكون الحكومة هي المستفيد من ارتفاع أسعار النفط، بينما يتكبد الخسائر القطاع الخاص ليكون المتضرر الأكبر، كما أن سهولة تحصيل الإيراد بهذه الطريقة يحد من قيام الحكومة بالبحث عن مصادر أفضل وأرخص لتوفير الطاقة.

من جهة أخرى، يتنافى مثل هذا المقترح مع التوجه القائل بتخفيض الأعباء الضريبية على المواطن ومع السياسة العامة المعلنة للحكومة والبرلمان الجديدين.

المرحلة الصعبة والظروف الاقتصادية الاستثنائية تتطلبان أمرين مهمين: عدم فرض ضرائب إضافية على القطاع الذي سترتفع أسعاره نتيجة رفع الدعم، ومطلوب أيضا استكمال تحرير القطاع من خلال تشجيع التخزين، وإنشاء مصاف للبترول لتنافس المصفاة القائمة بهدف تخفيض تكلفة الإنتاج وتحسين مستوياته.

الترخيص لمصاف جديدة، سيزيد الاستثمار، إيرادات الخزينة، دخل المواطن، الإنتاجية وتنافسية الاقتصاد، وهو السيناريو المطلوب، والأفضل.

ضريبة على المشتقات النفطية؟ - د.يوسف منصور
 
10-Jan-2008
 
العدد 9