العدد 55 - استهلاكي
 

نسمات من الهواء البارد، بائع ألعاب أطفال، وعائلة خليجية مع طفل واحد، هي كل ما ومَن يمرّ بشارع الوكالات في الصويفية. الوقت ليس متأخراً، والمحلات غير مغلقة، لكن الشارع خاوٍ من مرتاديه.

التوقيت هنا هو المفاجئ، لأن الساعة السادسة من مساء «ليلة وقفة» عيد الأضحى تكون عادةً من ساعات الذروة، حيث من المفترَض - والمتوقَّع- أن تمتلئ المحال بالراغبين بشراء مستلزمات العيد «في اللحظة الأخيرة» قبل بدء العطلة.

أحد الباعة يقف ليساعد زبوناً في «تجريب» حذاء جديد. بعد أن يغادر الزبون دون أن يبتاع أي شيء بعد نحو نصف ساعة من قياس موديلات عدة وتجريبها، يبتسم البائع ويقول: «لا نعرف إلى أين ذهب الناس. يبدو أنهم قرروا ملازمة بيوتهم، أو لربما ذهبوا إلى المولات التي قطعت عيشنا».

«مكة مول»، الذي يبعد مسافة دقائق قليلة عن شارع الوكالات الذي تم تخصيصه بالكامل للمشاة العام الماضي، لا يختلف الأمر فيه كثيراً هو الآخر.

الزائر يلاحظ ازدحاماً واضحاً منذ اللحظة الأولى لدخول المول. لكن الغريب أن الناس يتواجدون بكثافة في الممرات وفي طابق المطاعم، لكن المحلات شبه خالية، وكثير من الباعة يقفون بعدم اكتراث على الأبواب يراقبون المشاة يمخرون ممرات المول لا يحملون أكياساً، ويكتفون بالمشي هناك لتمضية الوقت لا أكثر.

يقول أحمد، وهو شاب يعمل في أحد محلات بيع ملابس من ماركة عالمية، إنه احتفل بـ"مبيع أول قطعة اليوم في الساعة الثامنة مساء".

يضيف: «نظرة واحدة على المشهد كافية لتقول الكثير. قلّما يحمل أحدهم كيساً بيده. يبدو أنهم جاءوا هنا ليتسلّوا».

رغم أن إدارة المحل الذي يعمل فيه أحمد قررت إعلان تخفيضات من 20 إلى 50 في المئة قبل العيد، إلا أن ذلك لم يفلح في جذب مشترين للتشكيلة الجديدة التي طرحها المحل.

«ليس من العادة أن نقوم بالإعلان عن أي تنزيلات قبل العيد، لكننا كنا بحاجة لما يشجع الناس على الشراء، ويا ليتنا نجحنا في ذلك»، يقول أحمد.

الحال بعد العيد ليست مختلفة، بل يرى تجار أن «الحركة تراجعت أكثر»، وأن مبيعاتهم تقترب من مستويات منخفضة جدا يصبح معها الاستمرار في تحقيق أرباح أو حتى إبقاء محلاتهم مفتوحة «شبه مستحيل».

أبو شوكت، صاحب أحد المحلات في منطقة تلاع العلي، التي عادة ما تعج بمشترين راغبين في قطع ملابس ذات نوعية جيدة بأسعار منخفضة، أو ما يطلق عليها «محلات التصفية»، يقول إن مبيعاته كانت «معقولة» قبل العيد، لكنه مصدوم من الكساد الذي «ضرب» مبيعاته بعد العيد.

يضيف: «عادة ما يأتي الناس بعد العيد لابتياع ملابس من نقود العيديّات. لكنني أغلقت محلي مرتين هذا الأسبوع دون بيع أي قطعة، وهذا ما لم أعهده من قبل».

لإنقاذ مبيعاته، يؤكد صاحب المحل أنه سيضطر إلى «حرق الأسعار» لاجتذاب زبائن «ما بعد العيد»، فيما يتوقع أن محله سيشهد «بعض الإقبال» في فترة الأعياد المجيدة ورأس السنة الميلادية.

إحدى المتسوقات، والتي عرّفت نفسها بـ«أم أنس»، قالت إنها تنتظر مولودا جديدا، لذا فإنها تقوم بشراء حاجيات جديدة. ولكنّ ابنَيّ أم أنس الآخرَين لم يحظيا بأي ملابس جديدة خلال العيد.

«هذه الأيام نحن خائفون من الكساد، لذلك نقوم بالتوفير قليلا. زوجي خائف كثيرا أن تغلق الشركة التي يعمل فيها لأنها فرع محلي لشركة أميركية»، تقول أم أنس.

أزمة الاقتصاد العالمية تركت آثارا سلبية في الشركات في جميع أنحاء العالم، وبخاصة في الولايات المتحدة الأميركية. ورغم تصريحات مسؤولين حكوميين أن تأثر الأردن بالأزمة قد يكون طفيفا إلا أن محللين اقتصاديين يؤكدون أن لا دولة ستفلت من عواقب الأزمة.

مدير عام صندوق النقد الدولي الفرنسي دومينيك ستروس قال إن الأزمة المالية «ترتدي طابعا عالميا»، وستكون في العام 2009 أسوأ مما هي عليه في هذا العام، ولن يفلت منها أي بلد.

وأضاف ستروس في مؤتمر صحفي مشترك مع رئيس كوستاريكا أوسكار ارياس أن «العام 2008 كان عاماً صعباً بالنسبة للاقتصاد العالمي، ولكن لن نتمكن في أي حال من الأحوال أن نأمل بأن يكون العام 2009 أفضل».

المستهلكون يتوجهون في أيام الركود الاقتصادي إلى التوفير عوضا عن الإنفاق، بحسب المحلل الاقتصادي يوسف منصور الذي أكد أنه من الطبيعي للناس أن يقوموا بتقليص إنفاقهم في ظل حالة من عدم الاطمئنان تؤثر بالتالي في قراراتهم الاستهلاكية.

بينما تعاني شركات العالم الكبرى أزمة التمويل العالمية، يقبع أبو شوكت في محله بانتظار مشترين. يقول: «ليس لي إلا الانتظار، وقول: لا حول ولا قوة إلا بالله».

تجار يشْكون ركود “ما بعد العيد”
 
14-Dec-2008
 
العدد 55