العدد 55 - ثقافي | ||||||||||||||
نادر رنتيسي يبدو أن الضجة التي أثارها مسلسل "أسمهان" الذي عُرض على الشاشات العربية خلال شهر رمضان الفائت، دفعت منتج العمل السوري فراس إبراهيم إلى البحث، مبكرا، عن دراما سيروية جديدة تُبقي منتَجه في دائرة الجدل. إبراهيم، وهو ممثل أيضا، أعلن نيته إنتاج مسلسل يتناول حياة الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش، والأكثر غرابة من ظهور عمل يتناول درويش في وقت قياسي بُعيد وفاته آب/أغسطس الماضي، هو خشية المنتج، أن يسبقه أحد لإنجازه. تثير فكرة "التسابق" تلك القلق على العمل المفترض، وبالأساس على سيرة الشاعر الراحل، وتقديمها بشكل ناقص، على مقاس "الثلاثين حلقة"، بخاصة أن حياة درويش لم تدوَّن في كتاب نثري بسيط الملامح، على غرار "الأيام" لطه حسين التي تحولت إلى عمل درامي منتصف الثمانينيات، وأدّاها باقتدار الفنان الراحل أحمد زكي. كتب درويش سيرته، مجازا، في العديد من قصائده، محطاتها الأولى تجلت في ديوانه اللافت "لماذا تركتَ الحصان وحيدا"، وأجزاء منها تبعثرت على "سرير الغريبة"، إلى أن واجه الأزمة الصحية الشديدة التي تعرّض لها نهاية التسعينيات بعودته إلى "البئر الأولى" والكتابة منطلقا من الذات، فأثمر ذلك عن "الجدارية" قبل أن ينثر بما يبتعد كثيرا عن النثر، ويقترب أكثر من الشعر، سيرته التي تضمّنها كتابه "في حضرة الغياب". بيد أن الشاعر الراحل، حتى لحظات حياته الأخيرة التي انهمك خلالها في مراجعة تجربته، الحياتية والأدبية، بقصائد، ذهب بعضها حد الرثاء المسبق وإشهار الخطايا بألوانها الخفيفة أو الشديدة، على غرار قصيدته الأخيرة "لاعب النرد".. هذا الشاعر لم يغادر المجاز، ولم يقل كلاماً تقريريا يمكن الاستناد إليه في توثيق أيامه، وتسلسلها. تفرض تلك المعطيات التساؤل عن قدرة سيناريست محترف، مجهول إلى الآن، يستطيع تفكيك المعادلات المجازية، إلى حوار سهل، وقصة بسيطة بمتناول جمهور الدراما المتراخي في شهر رمضان، الباحث، في سواده الأعظم، عن حبكة مشوقة، وخيوط ميلودرامية لا يحفل بها الشعر. تبرز في مقارنة قريبة، تجربة تحويل سيرة الشاعر السوري الراحل نزار قباني إلى مسلسل درامي قبل أربع سنوات، حيث استند العمل إلى كتب نثرية للشاعر، وقصائد تمت قراءتها على أنها سيروية، ليخرج المنتج على هيئة "مختارات" شعرية بصرية لم يحسن المخرج، باسل الخطيب، تذويبها دراميا، فكان أن واجه العمل عزوفا جماهيريا، ومواجهات قضائية مع أسرة الشاعر. يبدو المنتج فراس إبراهيم مراهنا على "نجومية" درويش التي لا تقل حجما عن تلك التي يحظى بها المشاهير من سياسيين وعسكريين وفنانين تناولت الدراما والسينما حيواتهم، استنادا إلى فضول المشاهدين بمعرفتهم من قرب، لكنها تبقى محفوفة بالشك، بالنظر إلى ذهنية "السلق" ولحاق الموسم الدرامي، وحرق "الفكرة" بطرحها إلى "السوق" في وقت قياسي. قبل سنتين حدث شيء كهذا؛ فكان أن أعلنت قناة MBC نيتها إنجاز مسلسل يتطرق إلى حياة الفنانة المصرية الراحلة سعاد حسني، وقامت بالكشف عن فكرة إجراء مسابقة لاختيار منْ تجسد دور "السندريلاّ"، على غرار برنامج أجرته القناة نفسها لاختيار "شبيه" جسّد دور المطرب المصري عبد الحليم حافظ. لكن قناة LBC قطعت الطريق بإنتاج مسلسل "سريع" تناول حياة سعاد حسني بكثير من "الجدل" الذي أثار حفيظة عائلة الفنانة الراحلة. بات معروفا أن دراما السيرة الذتية تستفيد كثيرا من العواصف التي تسبق إنجاز تلك الأعمال التي يثيرها الورثة عادةً، إلى جانب تضارب الروايات والحقائق، ما يجعل فضول المشاهد في ذروته بحثا عن معلومات جديدة، أو مثيرة لم يتم كشفها، أو تأكيدها. على ما يبدو أن المنتج إبراهيم يعوّل على نجاح مسلسل " أسمهان" وفق الافتراضين السابقين، حيث عُدّ العمل الأكثر نجاحا، جماهيريا وفنيا، في الموسم الرمضاني الماضي. المسلسل استند، وفق إبراهيم ، إلى أكثر من عشرة مراجع في ما يتعلق بسيرة أسمهان، وإن كانت مقدمة العمل أشارت إلى أن المؤلفين استندوا إلى كتاب "أسمهان لعبة الحب والمخابرات"، فالسيرة التاريخية للأميرة حملت أسئلة كثيرة عن حياتها وأسباب رحيلها المفاجئ، وهي من العوامل المشوقة التي دفعت الجمهور إلى "ملاحقة" مواعيد عرض المسلسل على أكثر من فضائية. حياة درويش، في المقابل، لا تقل صخبا، ومماته أيضا لا تنقصه التراجيديا، إلا أن "تميزه" يكمن في مجازه الذي طوّع من خلاله ذائقة قرائه، حتى أصبحوا بحجم مريدي القادة والفنانين المؤثرين. وهو مجاز صعب، يحتاج أناة وروية.. من موسم رمضاني. |
|
|||||||||||||