العدد 55 - حريات | ||||||||||||||
دلال سلامة إنشاء ديوان للمظالم ليس فكرة جديدة، فهذا النوع من المؤسسات الذي يفتح الباب أمام المواطنين للشكوى من ظلم يرون أنهم تعرضوا له من أجهزة الإدارة العامة المختلفة، فكرة مطبقة عالميا على نطاق واسع. الفكرة ليست جديدة على الأردن. كان هناك تفكير منذ فترة مبكرة لدى حكومات أردنية متعاقبة، لإيجاد صيغة مؤسسية للتعامل مع شكاوى المواطنين وتظلماتهم. اتخذت التوجهات الحكومية أشكالا متعددة، لكن الصيغة الأكثر مؤسسية كانت في العام 1999، عندما أنشئ ما يعرف بـ«دائرة ديوان المظالم» في رئاسة الوزراء. وكانت تستقبل شكاوى المواطنين. أُغلقت الدائرة قبل أن تكمل سنتها الأولى، وسوّغت الحكومة حينئذ إغلاقَها بافتقارها إلى التفويض والاستقلالية اللازمة، ولعدم أهلية الموقع الخاص بالدائرة وجهوزيته، والافتقار إلى نظام وهيكل واضح لإدارة فعاليات الدائرة، إضافة إلى نقص الموارد البشرية المؤهلة. في العام 2004، عقد المؤتمر الإقليمي الأول حول ديوان المظالم، وتم فيه تبني فكرة الاستفادة من تجربة الدنمارك التي تمتلك واحدا من أكفأ دواوين المظالم في العالم. تقدم المشروع في خطوات عملية ساهمت الحكومة الدنماركية في دعمها، حيث تولت تمويل دراسة المشروع، واستقبلت الوفد الأردني الذي اطلع على التجربة هناك، كما قامت الوحدة الفنية الدنماركية في وزارة تطوير القطاع العام، بالإشراف على تنفيذ مشروع الديوان إلى أن رأى النور أخيراً. لكن الجدل الذي سبق إنشاء الديوان، ظل يرافقه وهو يتحول من فكرة إلى حقيقة على أرض الواقع. تمحور الجدل، بشكل أساسي، حول مبدأ تعيين الرئيس من رئاسة الوزراء، الأمر الذي رآه كثيرون منافيا لشرط الاستقلالية. باسم سكجها، رئيس منتدى الشفافية الأردني، وأحد الذين نادوا بإنشاء الديوان، يبدي خيبة أمله من مبدأ التعيين، ويرى أنه أمر لا يبعث على التفاؤل، بخاصة أن الناس يعانون أصلا من أزمة ثقة في أدوات محاربة الفساد في البلد. «في دول العالم، يتم انتخاب الرئيس من مجلس النواب ومجالس الحكم المحلي، وهيئات مجتمع مدني، لذلك فإن التقارير التي يصدرها للبت في القضايا تتمتع بمصداقية وتؤدي إلى تحرك حكومي وشعبي»، يقول سكجها. سالم الخزاعلة رئيس الديوان المعين، يرى أن الاستفادة من التجارب، لا تعني بالضرورة نسخها. يقول: «دواوين المظالم في الدول الغربية نتاج منظومة قانونية تتناسب وظروف مجتمعاتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية. نحن نستفيد من تجارب الآخرين، ولكننا نوائمها لتنسجم مع خصوصية مجتمعنا». الخزاعلة من ناحية أخرى يدعو الذين يشككون في استقلالية الديوان إلى قراءة بنود قانونه. ويضيف: «الرئيس يعينه مجلس الوزراء فعلا، لكن القانون منحه صلاحيات تجعله مستقلاً، فليس هناك ما يعطي أي جهة حكومية الحق في التدخل في عمله وقراراته. وهو بموجب القانون محمي، فلا يمكن إقالته إلا إذا ارتكب جريمة مخلة بالشرف والأخلاق، أو إذا أعاقه وضعه الصحي عن ممارسة صلاحياته». وهو ما يؤكد عليه الناشط في مجال مكافحة قضايا الفساد، مفوض المركز الوطني لحقوق الانسان محيي الدين توق، الذي لا يرى أن التعيين يتعارض مع الاستقلالية، وأن الأمر مرتبط بطبيعة شخصية الرئيس. يقول: «إذا كان للرئيس المعين شخصية قوية، وآمن باستقلالية الديوان وحارب من أجلها، فإنه بالتأكيد سيحصل عليها، بخاصة أنه محمي بموجب القانون». لكن النائب بسام حدادين لا يرى في ذلك أي ضمانة «القانون ليس ضمانة، لأن الحكومة لن تعيّن على رأس الجهاز إلا شخصيات مطواعة لا تخالفها، وتجاربنا غير السارّة مع التعيينات الحكومية بما فيها تعيينات ديوان المحاسبة شاهدة على ذلك». المفارقة أن مشروع القانون الذي عرضته الحكومة على مجلس النواب في كانون الثاني 2008، كان على رأي حدادين «أكثر تقدمية» من الصيغة النهائية التي أقرها مجلس النواب، إذ كان المشروع ينص على أن يقوم ممثلون عن السلطات الثلاث باقتراح ترشيح الرئيس. لكن اللجنة القانونية في المجلس برئاسة عبد الكريم الدغمي، ردت المشروع واعترضت على عدم دستوريته ، انطلاقاً من أنه لا يجوز قانونا أن تشترك السلطة التشريعية في تعيين رئيس لمؤسسة عامة. القانون تم تمريره أخيرا بعد التعديل الذي جعل من الحكومة الجهة الوحيدة المخولة للتعيين. حدادين يرى أنه حتى لو كانت هناك شبهة مخالفة للدستور، فإنه يمكن تعديل المادة في الدستور، لكنه يؤكد على أنه لا خلاف مع الدستور: «عندما نتحدث عن اشتراك السلطة التشريعية في اقتراح اسم الرئيس، فإننا لا نتحدث عن منحها دورا تنفيذيا، بل دورا تشاوريا، وهذا ليس مخالفا للدستور». مع ذلك، فإن توق يرى أن الديوان بصيغته الحالية أفضل الممكن في ظل المعطيات القائمة، وأن ما يجب التركيز عليه في المرحلة الحالية هو التنسيق بين أجهزة مكافحة الفساد المختلفة. يقول: «على الديوان أن يبرم مذكرات تفاهم مع هيئة مكافحة الفساد والمحكمة الإدارية العليا والمركز الوطني لحقوق الإنسان، لتفادي تعارض الصلاحيات». رغم تضارب التوقعات حوله، فإن الجميع متفقون على الانتظار، ومراقبة ما سيؤول إليه الحال، فالديوان الذي أُقر قانونه في نيسان/أبريل 2008، ما زال في مرحلة اتخاذ الخطوات التمهيدية لبناء هيكله وآليات عمله لمباشرة عمله على أرض الواقع. |
|
|||||||||||||