رغم حرارة الجو المرتفعة، فقد كنت أشعر بسعادة غامرة تحف بي من كل جانب.. سعادة لم يُعرف لها سبب. جلست وتناولت صحيفة كانت ملقاة أمامي على أحد المقاعد، ورحت وأنا أرتشف كوبا من الشاي أمرر نظري على عناوينها الرئيسة، حيث قرأت:

«الحاكم العام للوطن العربي يقرر رفع الحظر العسكري والتكنولوجي عن دول شرق آسيا، ويحذرها من مغبة العودة إلى انتهاك حقوق الإنسان هناك».

وثمة خبر آخر يقول: «وزير مالية العالم العربي يرفع إلى مجلس الوزراء وثيقة ويحدد بموجبها قيمة المساعدات السنوية لبعض دول العالم الفقيرة، ويعلن أن هذه المساعدات لن تُدرج في ميزانية هذا العام 2032 لأنها اقتُطعت من فائض الزكاة لمسلمي الدولة».

تنهدت بعمق، وأشعلت سيجارة ثم أخذت نفَسا عميقا ونفثته في الهواء، حيث أخذ الدخان المتصاعد يشكل حلقات متتابعة لا تلبث أن تتلاشى. ارتشفت قليلا من الشاي وتابعت في وسط الصحيفة خبرا آخر يقول: «مجلس الأمن يرفض التوسط لدى وزارة الفضاء العربية».

شدّني الخبر كثيرا مما دفعني لمتابعة تفاصيله.. وهنا، تململت قليلا وعدلت من جلستي ورحت أتابع كل بشغف:

«رفض مجلس الأمن طلبا تقدمت به عدد من الولايات التي انفصلت عما كان يسمى (الولايات المتحدة الأميركية) سابقا للتوسط لدى وزارة الفضاء العربية من أجل السماح لهذه الدول بجمع ما تبقى لها من مركبات وأقمار فضائية هائمة على وجهها منذ العام 2027، وذلك عقب انتهاء الحرب الكونية الثالثة، وقد جاء الرفض على لسان السيد حمدان المرابعي رئيس المجلس، وذلك في مؤتمر صحفي عقده في مقر المجلس في مقديشو أمس. حيث أوضح أن الرفض جاء على خلفية أن الطلب لم يقدَّم باللغة العربية وهي اللغة الرسمية الوحيدة في جميع الهيئات الدولية". انتهى الخبر.

الحقيقة، أنني لم أصدق كل ما قرأت.. رفعت نظري إلى أعلى الصحيفة لأتأكد من اسمها، لكنني فوجئت بأنه لم يكن هناك اسم، بل ولم يعد هناك أي خبر أو عنوان مما قرأت، فقد تلاشت واختفت تماما كحلقات الدخان تلك.

بغيظٍ شديد رحت أمزق الأوراق واحدة تلو الأخرى، وأنا أصرخ: «هذا كذب.. هذا كذب»، إلى أن صحوت من نومي وأنا ممسك بغطاء السرير وأصرخ: «هذا كذب.. هذا كذب». حينها تأكدت أن ما قرأته لم يكن سوى أضغاث أحلام، أو بالأحرى حلقات من الدخان تلاشت واختفتْ، وعدتُ إلى طبيعتي متجهم الوجه عاقد الحاجبين.

شريف سالم