العدد 54 - أردني
 

نهاد الجريري

«يمكن الدور علينا»، كان آخر ما سمعته من عجوزين وقفا ببوابة مستشفى الأمير حمزة، بعد أن سألتهما السّجل عما إذا كانا شعرا باختلاف في أسعار الطبابة في المستشفى.

لوهلة، بدت عليهما علامات الاطمئنان، لأنهما لن يتأثرا بأي ارتفاع في الأسعار، على اعتبار أنهما مشمولان بتأمين وزارة الصحة. لكن السيدة العجوز أسهبت في الحديث عن أخريات فوجئن بالتسعيرة الجديدة، لدرجة أن إحداهن اضطرت لمغادرة المستشفى بحثا عن زوجها ليعطيها ما تزيد به على ربع الدينار الذي كان بحوزتها والذي اعتادت على دفعه؛ فقد طلبت منها المحاسبة 60 قرشا.

داخل المستشفى، جلست أم أحمد مع ابنتها الشابة التي كانت خضعت قبل أسبوع لعملية في عظم ساقها. لم تتردد أم أحمد في إجابة أسئلتنا وبادرتنا بكلمة «نار»؛ هكذا رأت الاختلاف في الأسعار؛ فيوم الثلاثاء الفائت كانت دفعت 6 دنانير أجرة صورة سينية، لكنها اضطرت لدفع 9 دنانير بعد يومين فقط، وللغرض ذاته.

وروت لنا كيف شعرت بدوار في المستشفى وانخفض ضغطها؛ على الأرجح أنها كانت صائمة. فوجئت وقتها عندما اضطرت لدفع 10 دنانير ثمن الكشفية و«التخطيط»، أي بارتفاع 7 دنانير عن فاتورة سابقة وللغرض نفسه.

هذه الشكاوى، بل التخوفات، برزت منذ بدأ العمل بالنظام الخاص الذي طبق في المستشفى اعتبارا من 23 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي. هذا النظام اعتبره الكثيرون «تزويقا» لكلمة الخصخصة.

وزير الصحة صلاح المواجدة، كان أعلن أن تطبيق النظام الخاص في المستشفى الحكومي لن يكون رديفا للخصخصة. وأكد أن المستشفى سيظل في عهدة وزارة الصحة، ولكن بنظام إداري ومالي مستقل.

شخصية إدارية متقدمة في المستشفى، فضل عدم ذكر اسمه لحساسية موقعه، بيّن الفرق بين الخصخصة والنظام الخاص، مشيرا إلى أن الأولى تعني آلية لتحقيق الربح، أما الثانية فتعني آلية لضبط العمل ورفع سوية الخدمات المقدمة للمرضى. لكنه في الوقت نفسه يلفت إلى أن هذا النظام سيسمح للمستشفى بأن ينافس المستشفيات الخاصة!

يزيد هذا الإداري أنه ستتم تغذية الموازنة الخاصة للمستشفى من مصدرين، الأول: فواتير العلاج التي تسددها وزارة الصحة عن المنتفعين بالتأمين. والثاني: أجور الطبابة التي يدفعها غير المؤمّنين. هنا ربما كان مكمن الخلل والجدل في ما جرى بالنسبة لمستشفى الأمير حمزة.

الإداري يؤكد أن «كل شخص غير مؤمّن ليس بالضرورة أن يكون فقيرا»، وهو بالتالي قد يكون قادرا على أن يدفع تكاليف العلاج. ويستدرك «إن كان فقيرا فبإمكانه الحصول على تقرير طبي من المستشفى بدينارين و20 قرشا، وربما يدفع الكشفية، 6 دنانير، ليأخذ هذا التقرير إلى الديوان الملكي مثلا بهدف الحصول على إعفاء».

لكن الطبيب عصام الخواجا، منسق الحملة الوطنية من أجل الخبز والديمقراطية، يتساءل: «لماذا إذلال الناس؟» خاصة وأن أي معاملة إعفاء تستغرق وقتا قد لا يكون في صالح المريض المحتاج للعلاج.

ويزيد أن أكثر من مليون مواطن لا ينتفعون من أي تأمين مهما كان نوعه، لذا، كان مستشفى الأمير حمزة مثله في ذلك مثل باقي المستشفيات الحكومية بمثابة «الملاذ» لهذه الفئات «المعدمة».

الخواجا يصر على أن يسمي النظام الخاص في المستشفى خصخصة، ويرى أن المسؤولين يرفضون تسمية الأشياء بمسمياتها، لأنها جاءت ثمرة «قرارات غير شعبية».

ويستدل الخواجا على هذا الرأي بأمرين. الأول: أن الوزارة لم تنشر إلى الآن لائحة بالأسعار الجديدة في مستشفى الأمير حمزة. والثاني: انخفاض عدد المراجعين في مستشفى الأمير حمزة مقابل زيادة في أعدادهم في مستشفى البشير، وذلك بحسب شهادات شفهية سمعها من الطواقم الطبية في قسم طوارىء البشير.

لكن طبيبا في مستشفى الأمير حمزة، فضل عدم ذكر اسمه، يؤكد عدم وجود «هجرة» للمرضى. لكنه يلفت إلى أن قرارا في اليومين الأولين لتطبيق النظام قضى باستثناء الحالات التي يتم تحويلها من المراكز الصحية، إذ يتم تحويلها إلى مستشفى البشير، واعتبار أن الأطفال دون السادسة غير مؤمّنين. المستشفى تراجع عن هذين القرارين فيما بعد، ما يشير إلى ارتباك في التطبيق، وعاود استقبال الحالات المحولة من المراكز الصحية، شريطة أن يكون هناك تسلسل في تحويلها: فمثلا يتم تلقي العلاج في المركز الصحي، فإن لم يجد، يتم التحويل إلى المركز الصحي الشامل، ومن ثم إلى المستشفى. كما عاود إعفاء الأطفال دون السادسة.

ربما فسّر هذا أي انخفاض في أعداد المراجعين في المستشفى مقابل الزيادة في البشير.

لكن الطبيب لا يبدو «متحمسا» للنظام الجديد، فهو يتساءل: «ولم لا يكون مقدمة لبيع المستشفى فعلا؟ فقد باعوا الماء والكهرباء، فماذا يمنع بيع الصحة؟»

ويشكك الطبيب في إمكانية إنجاح النظام الخاص على أساس أنه إذا كان الهدف هو الدخول في منافسة مع القطاع الخاص، فلا بد من تهيئة البنية التحتية في المستشفى بما يضاهي المشافي الخاصة. وهو بهذا الكلام لا يستثني ضرورة تهيئة الكادر الطبي والتمريضي «للخروج من عقلية القطاع العام» والتعامل مع المرضى كما يتم التعامل معهم في القطاع الخاص. ويلفت إلى أن غالبية الممرضين في المستشفى يعملون في مستشفيات خاصة، وبالتالي فإنهم يعتبرون «ورديتهم» في المستشفى الحكومي «فترة راحة»، فلا يبالون كثيرا بالمرضى إلا بحسب ما تمليه عليه ضمائرهم.

أما ما يتعلق بالأطباء، فيقول إن «الحوافز» الموعودة لهم والتي من دون شك ستحسن أداءهم، كما يتوقع، ليست معتبرة؛ فالطبيب المختص يتلقى زيادة مقدارها 30 في المئة من راتبه، أما المقيم فبالكاد يتلقى 10 في المئة من الراتب.

زيادة على كل هذا، يلفت الطبيب إلى أن الأسعار المعمول بها بموجب النظام الجديد، والتي يُفترض أن يدفعها المقتدرون من غير المؤمّنين، هي أسعار غير منافسة، إذ تقارب أسعار المستشفيات الخاصة، ويقول: «في إمكان أي مريض مقتدر أن يدفع المبلغ نفسه، أو أزيد بخمسة أو عشرة دنانير، وأن يتلقى العلاج في مستشفى خاص بكامل خدماته الفندقية ودماثة طواقمه الطبية والتمريضية»!

الحكومة، أو إدارة المستشفى، تراجعت عن قرارين خلال الأيام العشرة الماضية؛ استثناء التحويلات من المراكز الصحية وإعفاء الأطفال دون السادسة، ما يعني أن وزارة الصحة أخطأت عندما لم تمهد لقرارها بالدرس والإعداد الجيد لخطوة على هذه الدرجة من الخطورة، فهبط على المراجعين والمرضى والأطباء «بالباراشوت»، وأحدث «فوضى» أصبح يخشاها رواد البشير، التوتنجي، والنديم، واللائحة تطول.

النظام الخاص لمستشفى حمزة: خطوة خجولة نحو الخصخصة؟
 
04-Dec-2008
 
العدد 54