العدد 54 - أردني
 

حسين أبو رمّان

المناقشات الماراثونية التقليدية لمشروع قانون الموازنة، شجعت النواب على تبني مقترح رئيس المجلس بحصر مدة كلمات أعضاء الكتل النيابية الشخصية بخمس دقائق، مقابل وقت غير محدد للكلمات التي تمثل الكتل الأربع، فيما منح المستقلون الراغبون في الحديث 15 دقيقة.

مع ذلك، فإن المحصلة الأبرز كانت: هدراً في الوقت، واستنزافاً لواجبات الوظيفة النيابية، و"ضحكاً" على الذات وعلى ذقون الناخبين، هذا ما استمرأ نواب كثر ممارسته لدى مناقشة قانون الموازنة العامة للسنة المالية 2009، بتسجيل قائمة طويلة من المطالب، يتلونها تحت القبة للظهور بمظهر الحريص على تلبية احتياجات دوائرهم الانتخابية.

وبرغم أن الحكومة تجاهلت في ردها على مناقشات النواب مطالبهم الجهوية، إلا أن الموازنة حازت على ثقة عالية، إذ صوّت إلى جانبها (77) نائباً، وصوّت ضدها (9)، وامتنع (3) عن التصويت، وذلك من أصل (89) نائباً حضروا جلسة التصويت. بينما غاب عنها 21 نائباً، 13 منهم دون عذر.

السبب الجوهري الذي يبدد قدرة النواب على التأثير على اتجاهات الموازنة هو المحدد الدستوري لقانون الموازنة العامة من ناحية، وحقيقة أن النواب يناقشون الموازنة بعد استكمال بنائها من ناحية ثانية. هذان العنصران يقيدان حركة مجلس النواب، ولا يبيحان له عملياً سوى التدخل لجهة خفض النفقات.

المادة (112)، فقرة (3)، من الدستور تنص على أنه "لا يجوز نقل أي مبلغ في قسم النفقات من الموازنة العامة من فصل إلى آخر إلا بقانون". وتنص الفقرة (4)من المادة نفسها «لمجلس الأمة عند المناقشة في مشروع قانون الموازنة العامة أن ينقص من النفقات في الفصول بحسب ما يراه موافقاً للمصلحة العامة وليس له أن يزيد في تلك النفقات، لا بطريقة التعديل ولا بطريقة الاقتراح المقدم على حدة، على أنه يجوز بعد انتهاء المناقشة أن يقترح وضع قوانين لأحداث نفقات جديدة».

هذا النص الدستوري يحوّل النواب إلى لاعب ثانوي لا حول له ولا قوة. وحتى عندما مارس النواب ما هو متاح لهم ،من حيث خفض ما نسبته 10 في المئة من النفقات الجارية مستثنى منها الرواتب والأجور، فقد أدخلهم ذلك في متاهة التصويت على بنود غير محددة الأرقام، لأن أمر توزيع النسبة ترك لتقدير الحكومة بعد أن وافق المجلس على استثناء وزارتي الدفاع والداخلية ونفقات الأمان الاجتماعي من التخفيض.

وقد وصف الكاتب والخبير الاقتصادي فهد الفانك تحويل التوصية النيابية بخفض النفقات الجارية بسبة 10 في المئة إلى جزء من القانون بأنه «ينسف الموازنة ويخلق مأزقاً قانونياً ومالياً» (الرأي 1 /12).

كذلك أكد عدد من النواب أهمية زيادة موازنة وزارة الزراعة حتى تتمكن من النهوض بمسؤولياتها في ظل الشعار الذي أطلقه الملك عبدالله الثاني مؤخراً «2009 عام للزراعة»، إلا أنهم وجدوا الباب موصداً أمام مقترحهم، ما دام أن المجال المتاح أمامهم هو خفض الموازنة وليس رفعها أو إجراء مناقلات بين البنود.

وبما أن المجلس النيابي يجب أن يكون شريكاً حقيقياً في تقرير اتجاهات الموازنة، فإنه بانتظار إجراء تعديل دستوري يسمح بذلك، لا بد من إجراء تعديلات على النظام الداخلي لمجلس النواب ترتقي بدور المجلس في مناقشة وإقرار الموازنة، ومن ذلك فصل اللجنة المالية والاقتصادية إلى لجنة مالية وأخرى اقتصادية، وهناك مقترحات نيابية لدى المجلس في هذا الاتجاه.

كذلك ينبغي أن يتاح للجنة المالية وممثلي الكتل النيابية أن تتطلع على مسوّدة مشروع الموازنة قبل إحالته رسمياً إلى مجلس الأمة في صيغة مشروع قانون، وذلك للتفاوض مع الحكومة في وقت مبكر حول اتجاهات التعديل التي تراها اللجنة المالية وممثلو الكتل مُلحة وضرورية. علاوة على أن اللجنة المالية ستكون بحاجة إلى أن يوضع تحت تصرفها طاقم مناسب من الخبراء، القادرين على تزويد المجلس النيابي بالمعرفة اللازمة للتأثير في صياغة موازنة الدولة بما يتفق والمصلحة الوطنية العليا.

كلما تم الاقتراب من هذا التوجه، يتحول الدور النيابي في مناقشة وإقرار الموازنة إلى دور فاعل، والمهم أن يتاح للمجلس التدخل في الوقت المناسب. ولعل من شأن ذلك أن ينهي التقليد البائس الذي يضع النواب في موقع المستجدي لخدمات وأعطيات حكومية، لا في موقع الشريك في اتخاذ القرار.

باستعراض مجموع المطالب النيابية الخدمية، فإن تحقيقها يحتاج إلى موازنة ضخمة. هذا أمر يدركه النواب، لكنه أصبح في مرتبة العرف والعادة. تتفق النائبة آمنة الغراغير مع هذا الرأي، إذ قالت في مناقشتها للموازنة إنها لو أوردت كل مطالب دائرتها «لاحتاجت إلى موازنة بحالها». لكن معرفتها بذلك لم تثنها عن تقديم قائمة مطالب تضم (16) بنداً.

مطالب النواب لدوائرهم شديدة التنوع، وتشمل كل أنواع الخدمات التعليمية والصحية والبنية التحتية والتنموية، تبدأ بشق طريق زراعية، وتعبيد شارع، وإقامة مركز صحي أو ترفيعه إلى مركز شامل، وتنتهي بالمطالبة بحصة من المناصب العليا في الدولة، وإنشاء مستشفى، وفتح مدرسة، وإقامة جامعة أو كلية جامعية.

مطالب النواب الخدمية غير قابلة للتحقيق. مع ذلك، فإن «العرف والعادة» يشدهم إلى إعداد قائمة بها، وتلاوتها أمام المجلس. وها هو النائب ياسين الزعبي يستدرك بعد أن شرع في تقديم مطالب دائرته بالقول إنه «على يقين بأنه بعد اعتماد الموازنة لا مجال للإضافة إلا بقانون».

نائب آخر، عواد الزوايدة، كان أكثر واقعية، فاكتفى بالقول إن قائمة مطالب أبناء دائرته طويلة، وسردها يحتاج «لساعات»، ثم يخاطب زملاءه وكأنه يلتمس العذر لنفسه، مؤكداً أنه إن فعل فلن يغيّر في الواقع قيد أنملة، فقد «وضعت الحكومة موازنتها وحسمت أمر أولويات إنفاقها».

لكن النائب الإسلامي حمزة منصور، كان الأكثر وضوحاً، إذ أكد في مداخلته الشخصية أنه سيتصل بالوزراء المعنيين لتنفيذ ما هو معتمد من مطالب دائرته في الخطط ، و«لإدراج ما لم يدرج في الموازنة القادمة».

وبرغم ذلك يلجأ نواب للشكوى من نتائج «تجاهل» الحكومة المعتاد لمطالبهم الجهوية، رغم أنهم قدموها في محطات سابقة، دون أن يلتفتوا إلى أنهم يقدمون مطالبهم في وقت وظرف غير مناسبين. فالنائب ناجح المومني شكا مثلاً من أن المطالب التي تحتاجها محافظة عجلون «هي المطالب ذاتها» التي تحدث عنها قبل حوالي سنة، ولم يتحقق منها شيء، معلقاً بنوع من التهكم «كأننا نطالب باحتياجات لمنطقة خارج حدود الدولة». وبالمثل شكا النائب محمد الحاج من أن «لواء الرصيفة تتكرر مطالبه دون أن تتحقق».

المطالب الرئيسية التي استجابت لها الحكومة لم تكن مطالب جهوية، بل مطالب وطنية عامة، أهمها ورد في توصيات اللجنة المالية والاقتصادية، وأكدت عليها أغلبية نيابية واسعة.

البديل عن حشد المطالب الخدمية للدوائر والمناطق الانتخابية هو مناقشة السياسات العامة للحكومة ما دام أن النواب يدركون أن موازنة الدولة للسنة المالية اللاحقة هي وثيقة سياسات اقتصادية واجتماعية. وفي هذا الإطار، هناك مطالب وطنية عامة عندما تلقى دعماً من عدد كبير من النواب، فإن الحكومة تضطر للاستجابة إليها بدرجة أو أخرى.

وحتى نبقى في إطار السياسات، فإن عدداً من النواب شن هجوماً على وزراء أشاروا إليهم بأسمائهم أو بمناصبهم أو بقرائن تدل عليهم. هؤلاء النواب هم: ناريمان الروسان، وكانت كلمتها الأكثر تطرفاً وخلواً من اللياقة، يليها بسام المناصير ثم موسى الزواهرة ومبارك أبو يامين. أما الوزراء فهم وزراء البيئة، الأوقاف، الزراعة، العمل، المياه، والخارجية.

ومثلما أن نواباً ينتقدون وزراء بعينهم، فإن آخرين يثنون أيضاً على وزراء بعينهم، وفي كلتا الحالتين، فإذا كان النائب يقصد المصلحة العامة من وراء النقد أو الثناء، فإن واجبه أن يحدد ما هي السياسة أو الإجراءات التي يختلف معها وتستحق النقد، أو ما هي السياسة أو الإجراءات التي يتفق معها وتستحق الإشادة. وما عدا ذلك، فإن توزيع النقد والثناء على عواهنه، لا يمكن تفسيره إلا بصفته استغلالاً للمنبر النيابي لتصفية حسابات شخصية أو للعلاقات العامة.

يضع النواب في موقع الشريك لا المستجدي: نحو إصلاح الإطار التشريعي لمناقشة موازنة الدولة
 
04-Dec-2008
 
العدد 54