العدد 9 - دولي | ||||||||||||||
لم تخل الانتخابات الأميركية يوماً من عنصر الإثارة، ولكن الانتخابات الحالية استثناء كبير في هذا المجال، فقد بلغت الإثارة ذروة كبرى حتى قبل حلول موعد مثل هذه الذروات. ففي يوم الجمعة الماضي استيقظ الأميركيون على أمر لم يكونوا قد أولوه ما يستحق من الاهتمام منذ بدء السباق نحو الترشح للرئاسة، وهو الارتفاع الهائل في نسبة التصويت واحتمال أن يدخل البيت الأبيض رئيس أسود، وإن حدث ذلك وكما توقع كثيرون فسوف يكون خلال عام وليس أكثر. على أن هيلاري كلينتون لم تلبث أمس الاربعاء أن استعادت بعض ما خسرته وذلك بتقدمها في المحطة الثانية من السباق في نيو هامشاير بثلاث نقاط على اوباما. صنع الذروة الاولى فوز المرشح ذي الأصل الكيني باراك أوباما على كل من جون إدواردز وهيلاري كلينتون، حين اختارته اللجنة الانتخابية لولاية أيوا للترشح عن الحزب الديمقراطي في سباق الرئاسة الأميركية. واكتملت الذروة على الجانب الآخر من السباق الجاري بين مرشحي الحزب الجمهوري بفوز مايك هيكابي، التابع للكنيسة الإنجيلية على كل من جون ماكين وميت رومني. عنصر الإثارة في فوز أوباما يكمن في أنه مسلم ينحدر من أب مسلم وجدته لأبيه مسلمة وما زالت حية ترزق وقد تفوق على هيلاري كلينتون، التي خاضت الانتخابات على أساس أنها أول سيدة تقترب إلى هذه الدرجة من البيت الأبيض، فوجدت أمامها مرشحاً أسود يسبقها في الطريق إلى كرسي الرئاسة. أما بالنسبة لانتخابات الجمهوريين، فينبع عنصر الإثارة في أن ميت رومني الذي كان يرغب في أن يكون أول مرشح ينتمي إلى الطائفة المورمونية يدخل البيت الأبيض، قد وجد أمامه قساً إنجيلياً "غير متفرغ" يسبقه إلى هناك. لكن هذين ليسا سوى عنصرين من عناصر الإثارة في هذه الحملة الانتخابية التي ما تزال في بداياتها على أي حال، فالمرشحون هنا يتنافسون على منصب مرشح الحزب في الانتخابات في سباق سوف يستمر حتى تشرين الثاني المقبل حين يخلو الميدان للمرشحين اللذين اختارتهما اللجان الانتخابية في الولايات الأميركية المختلفة ليتنافسا على منصب الرئيس. وتكمن أهمية ترشيحات ولاية أيوا في أنها أشبه ببوابة لعبور المرشحين الذين تختارهم اللجان الانتخابية في الولاية إلى الفوز بالترشح عن أحد الحزبين. غير أن هذه ليست قاعدة، فقد هزم المرشح الجمهوري بوب دول منافسه جورج بوش الأب في سباق العام 1988 على الترشح للرئاسة في هذه الولاية، غير أن بوش هو الذي فاز في النهاية، وهذا مجرد مثال من أمثلة أخرى كانت استثناء لما يعتبره بعض المراقبين قاعدة انتخابية. ذروة الإثارة في انتخابات يوم الجمعة الماضي جاءت من فوز أوباما تحديداً على هيلاري كلينتون التي حلت في المركز الثالث بعده هو وجون إدواردز، أما عناصر الإثارة الأخرى فعديدة، منها أنه هزمها بأصوات الشباب الذين كانت تراهن عليهم، وكذلك بأصوات النساء اللواتي كن هدفها الرئيسي في حملتها الانتخابية. حدث ذلك رغم أن شعاره الانتخابي لا يختلف عن شعارها، فكلاهما يطرح نفسه بوصفه مرشح التغيير، ولكنه يضيف أنه مرشح الأمل. أي سحر، إذن، يكمن في هذا المرشح الملون المولود عام 1962 لأب كيني وأم أميركية من ولاية أركنسو، والذي نشأ في هاواي، بنحوله اللافت للنظر واسمه المضحك، كما يصف نفسه، وباسمه الذي يتناغم بالإنجليزية على الأقل، مع اسم لا يحبه الأميركيون كثيراً هو “أسامة”. ومن لا ينتبه إلى هذا التناغم الصوتي، فسوف يلفت نظره أنه يشترك من حيث اسم الأب مع شخص آخر حظي بكراهيتهم هو صدام حسين، فاسمه الثلاثي هو باراك حسين أوباما. فما السر الذي جعله بكل هذه “السلبيات”، من وجهة النظر الأميركية، يتفوق على هيلاري كلينتون؟ بعض المحللين عزا ذلك إلى برنامجه الانتخابي الذي يتضمن الدعوة إلى الانسحاب من العراق، واعتماد أسلوب الحوار مع دول مثل: كوبا، وكوريا الشمالية، وإيران، واتخاذ موقف متشدد من الدول الحليفة للولايات المتحدة التي تنتهك حقوق الإنسان، ويدعو إلى مظلة واسعة للضمان الاجتماعي، ورعاية صحية تشمل العالم، وتخفيف الضرائب عن الفقراء، ورفعها عن الأثرياء بعد أن منحها لهم بوش. وإن تكن مثل هذه الدعوات موجودة، بشكل متناثر، في برامج مرشحين آخرين، فإن مراقبين ميزوا في حملته أسلوبه الخطابي الخاص الذي ذكرهم بأسلوب الراحل روبرت كنيدي، شقيق جون كنيدي الذي قتل خلال الحملة الانتخابية للعام 1968 على يد الفلسطيني سرحان سرحان. فعلى الرغم من أن المال هو العنصر الأكثر أهمية في الانتخابات الأميركية، فإنه لم يساعد مليونيراً مثل ميت رومني الذي أنفق نحو 17 مليون دولار على حملته الانتخابية حتى الآن، منها نحو 230 ألف دولار على حملته في ولاية أيوا التي هزم فيها. أما الخطابة، فهي عنصر لا يقل أهمية. وينقل محرر الشؤون الأميركية في صحيفة الغارديان اللندنية مايكل توماسكي، عن سياسي أميركي يدعى ماريو كويومو قوله “أنت تقوم بحملاتك الانتخابية بالشعر، ولكنك تحكم بالنثر.” والشعر بالنسبة لأوباما هو الخطابة التي جعلت المرشح الجمهوري مايك هيكابي لا يتردد في تبني لغة أوباما المميزة، وذلك قبل أن يبدأ، هو الذي نجح بأصوات الإنجيليين في ولاية أيوا، في تغيير لهجة خطاباته التي سيلقيها في ولاية نيوهامبشاير، وهي المحطة المقبلة في السباق، بحيث تتضمن جانباً اقتصادياً هو الذي يهم الجمهور هناك. غير أن الخطابة ليست طارئة على المشهد الانتخابي الأميركي، ففي العام 1988 فشلت الحملة الانتخابية للمرشح الديمقراطي جو بايدن، الذي ترشح للانتخابات آن ذاك ثم انسحب، لأن خصومه اكتشفوا أنه قد انتحل خطاباً لزعيم حزب العمال البريطاني الأسبق نيل كينوك. وها هو ينسحب هذه المرة ولكن لأسباب تتعلق بضعف حظوظه بالمنافسة. المحطة التانية في هذا السباق هي ولاية نيوهامبشاير التي يستعد أوباما وهيلاري للنزال فيها. |
|
|||||||||||||