العدد 54 - أردني
 

حسين أبورمّان

بعد عام ونيّف على تشكيل حكومة نادر الذهبي في 25 تشرين الثاني/نوفمبر 2007، فإن تقييم أدائها وإنجازاتها لا يمكن أن يستقيم دون النظر لما وقع من تطور على ملف الإصلاح السياسي باعتباره أحد أهم الملفات الوطنية.

أعطت الحكومة في بداية عهدها انطباعاً إيجابياً، إذ أقدمت على سحب مشروع قانون الجمعيات الخيرية الذي كان قدّم في عهد الحكومة السابقة، وهو مشروع معاد للعمل التطوعي، ووعدت بتقديم مشروع بديل.

لكن على امتداد الفترة اللاحقة، اتسم تعامل الحكومة مع ملفات الإصلاح، بحذر مبالغ فيه، فإما معالجة شكلية أو قاصرة للملف المطروح كما حصل مع قوانين الجمعيات والاجتماعات العامة ونظام تمويل الأحزاب والإعلام، وإما تجاهل كلي للملف كما في قانون الانتخاب.

القطاع الحزبي والسياسي في المملكة "لا يرى في الأداء الحكومي أي نوع من أنواع التنمية السياسية لا من حيث القوانين ولا من حيث الحراك"، هذا ما يراه رئيس المكتب السياسي لحزب الوسط الإسلامي فايز الربيع. ويعتقد الربيع جازماً أن موضوع الإصلاح السياسي مؤجل إلى حين، مفسراً ذلك بعدم وجود أولوية لملف الإصلاح السياسي.

كتاب التكليف الملكي والرد عليه هو المرجعية الأولى لتقييم دور الحكومة إزاء الإصلاح السياسي المنشود. كتاب التكليف الملكي أعطى أولوية حاسمة للشأن الاقتصادي والاجتماعي، لكنه أكد في الوقت نفسه الإرادة الملكية على "الاستمرار في برامج الإصلاح السياسي، وتعزيز المشاركة وتنمية الحياة الحزبية"، ووجه الحكومة للاستنارة بـ "وثيقتي الأجندة الوطنية وكلنا الأردن".

الرئيس الذهبي، المكلف آنذاك بتشكيل الحكومة، وعد في رده على كتاب التكليف بعبارات تنطوي على عزم وتصميم لافت بأن الحكومة ستلتزم بالعمل على "تجذير الإصلاح السياسي بعزم لا يلين وهمة لا تكل" عبر الاستمرار في برامج الإصلاح السياسي وتعزيز المشاركة الشعبية وتنمية الحياة الحزبية.

برغم أن الرئيس "لم يبد اهتماماً كبيراً في موضوع الإصلاح السياسي"، بحسب فهد الخيطان الكاتب الصحفي في صحيفة العرب اليوم، إلا أنه يرى أن حكومته لديها عناصر قوة تؤهلها لاتخاذ "خطوات جذرية في مختلف الملفات الوطنية ومن بينها ملف الإصلاح السياسي"، ويستند الخيطان في تقديره هذا إلى أن الرئيس يتمتع بدعم مراكز القرار في المملكة، وبرصيد شعبي جيد، وهما عنصران "لم يتوفرا بالقوة نفسها لرؤساء وزراء سابقين خلال العقد المنصرم"، يضيف الخيطان الذي يعتقد أن الرهان على حكومة الذهبي "منطقي وموضوعي".

وفي ضوء التوقعات بأن يستمر الذهبي فترة طويلة في الدوار الرابع، فإن من الطبيعي، خسب الخيطان، أن تطالبه القوى والنخب السياسية بعد أن استقرت الأوضاع الاقتصادية "بالتعامل ملف الإصلاح السياسي" دون تأخير.

البيان الوزاري من المفترض أن يأتي مفصلاً للالتزامات الواردة في الرد على كتاب التكليف، إلا أن هذا لم يكن، في حقل الإصلاح السياسي، هو حال البيان الذي قدمته حكومة الذهبي، ونالت الثقة على أساسه. فقد جاء البيان بعبارات فضفاضة، أشارت إلى أن الحكومة ستواصل مسيرة الإصلاح، و"ستضع تشريعات" تعظم الثقافة الديمقراطية، وتكفل حرية الرأي والتعبير وحقوق الإنسان"، وتحدث عن "تنمية وتطوير" الأحزاب السياسية، وإصدار نظام تمويل الأحزاب. وحين اقترب البيان من قانون الانتخاب، ابتعد أكثر عن التحديد، وخلا من أي التزام، مكتفياً بتأكيد أنه سيكون جزءاً من "الحوار الإيجابي المسؤول".

على الصعيد العملي، التزمت الحكومة بتقديم مشروع قانون جمعيات بديل، لكن هذا المشروع لم يشكل تطويراً فعلياً على القانون القديم الصادر عام 1966، لا بل إن القديم أقل تشدداً وتدخلاً في شؤون الجمعيات من الجديد الذي يصادر عملياً استقلالية الجمعيات ويتعامل معها كهيئات ملحقة بدوائر حكومية.

فضلاً عن ذلك أخفقت الحكومة في الاستفادة من مشروع أكثر شمولاً واحتراماً للحقوق الدستورية للمواطنين، أعده ائتلاف من منظمات المجتمع المدني بتشجيع من وزارة التنمية السياسية في عهد الحكومة السابقة، لكنه وئد في ديوان التشريع.

منظمات المجتمع المدني أعربت عن استيائها من القانون الجديد، وطلبت لقاء الملك عبد الله الثاني لوضعه بصورة تحفظاتها عليه. وفي وقت لاحق التقى الرئيس الذهبي مع ممثلين عن منظمات المجتمع المدني، وطلب إليهم تحديد أبرز مقترحاتهم لتعديله، واعداً بإجراء تعديلات عليه.

أما فيما يخص قانون الاجتماعات العامة، وهو من أكثر القوانين أهمية بالنسبة للأحزاب السياسية، فقد جاءت مبادرة تعديله من الملك عبدالله الثاني في عيد الاستقلال بهدف "تيسير الاجتماعات العامة"، لكن التعديلات التي اقترحتها الحكومة جاءت شكلية جداً، ولا تيسر شيئاً.

التزمت الحكومة بإصدار نظام تمويل الأحزاب السياسية، لكن بتأخر أشهر طويلة بدون مبرر، وكان من نتيجة ذلك حرمان الأحزاب السياسي من تقاضي الدفعة الأولى من الدعم عن عام 2008 وهي بقيمة 25 ألف دينار. لكن الأكثر أهمية هي أن هذا النظام تجاهل المسألة الأكثر جوهرية وهي وجوب النص على تمويل الحكومة للانتخابات النيابية والبلدية للأحزاب السياسية وتحديد معايير ذلك. ولعل من شأن ذلك أن يعزز ثقة المواطنين بالعمل الحزبي، وتشجيعهم على الانتساب للأحزاب.

يشكك القيادي الحزبي فايز الربيع بجدية موقف المسؤولين الحكوميين من العمل الحزبي والأحزاب. ويرى في ذلك، سلوكاً استقصائياً متوارثاً عن عقلية الأيام الغابرة. ويعتقد الربيع أن هذا الموقف السلبي من الأحزاب يغلق أفق التنمية السياسية، و"يعزز الشخصنة في العمل الحزبي مثل مثيلتها في الحكومات".

أما الإعلام الرسمي، فقد سجلاً تراجعاً ملحوظاً في أدائه وفي الإطار الناظم لعمله. عضو سابق في المجلس الأعلى للإعلام طلب عدم ذكر اسمه ، وصف تنصيب وزير الإعلام والاتصال رئيساً لمجالس إدارات مؤسسة الإذاعة والتلفزيون ووكالة الأنباء الأردنية "بترا"، بأنه يمثل عشر خطوات إلى الخلف، معتبراً أن "تنظيم القبضة الأحادية على الإعلام عملية غير مؤسسية تخدم أشخاصاً فحسب". وفي هذه الأثناء فإن كل الآمال المعلقة على استقلالية وسائل الإعلام الرسمية وشفافيتها ذهبت أدراج الرياح.

إجراء إصلاح سياسي في الأردن، يواجه إلى جانب التلكؤ الحكومي في فتح ملفاته، عقبات مجتمعية رئيسية يأتي في مقدمتها: الوضع الديمغرافي في البلاد وارتباطه مع الحل النهائي للقضية الفلسطينية ومخاطر الوطن البديل، اختلال التوازن الحزبي الداخلي بشكل كاسح لصالح الإخوان المسلمين، ووجود قوى شد عكسي ذات نفوذ تعارض الإصلاح دفاعاً علن مصالحها الفئوية.

تجاوز هذه العقبات أمر ممكن وفي متناول اليد، حسب ما يرى موسى المعايطة مدير مركز دراسات البديل، مؤكداً أن ما يتطلبه ذلك "هو توافق النخب السياسية مع الحكم على البدء بمشروع إصلاح تدريجي وتوافقي لا يثير مخاوف أي من المكونات الرئيسية للمجتمع الأردني".

المعايطة يحدد مقومات المشروع الإصلاحي بثلاثة عناصر رئيسية، تشمل: أولاً، التوافق على أن الحل الوحيد المقبول للصراع الفلسطيني الإسرائيلي هو قيام دولة وطنية فلسطينية مستقلة. ويستتبع ذلك أن شكل العلاقة المستقبلية بين الشعبين الشقيقين الأردني والفلسطيني ينبغي أن تبحث بين دولتين مستقلتين، ما يستوجب التمسك بحق العودة للاجئين الفلسطينيين ومقاومة مخاطر الوطن البديل على المستويين الرسمي والشعبي.

ثانياً، تحضير المناخ للنهوض ببناء الدولة الأردنية باعتبارها دولة قانون ومؤسسات، توفر للمواطن العدل والمساواة وتكافؤ الفرص أمام أجهزة ومؤسسات الدولة الأردنية تجسيداً لحقوق المواطنة.

ثالثاً: العمل على خلق إمكانيات تحديث الدولة وتجديد النخب السياسية عن طريق توسيع المشاركة في القرار السياسي من خلال النهوض بالحياة الديمقراطية والحزبية، ما يستلزم تعديل قوانين البناء الديمقراطي مع مراعاة التوازن بين التقدم على جبهة الإصلاح السياسي وبين المحافظة على حق العودة.

الإصلاح السياسي هدف مطلوب بحد ذاته وليس لتحسين معادلة المحاصصة أو استبدال جهة متنفذة بأخرى، لذلك ينبغي العمل على تبني قانون انتخاب جديد يساعد في تطوير حياة سياسية وحزبية تعددية، وفي الارتقاء بنوعية العمل السياسي في مؤسسات الدولة من برلمان وغيره. أما نظام الانتخاب الذي من شأنه أن يلبي هذا التوجه، فهو النظام المختلط الذي توصلت إليه الأجندة الوطنية والذي يجمع ما بين التمثيل النسبي والتمثيل الفردي.

برغم أنه ليس أولوية حكومية: الإصلاح السياسي حاجة وطنية ملحة
 
04-Dec-2008
 
العدد 54