العدد 54 - أردني | ||||||||||||||
السّجل - خاص الصورة الإيجابية التي تحظى بها حكومة المهندس نادر الذهبي لدى الرأي العام الأردني بمستوييه الشعبي والنخبوي، بعد عام على تشكيلها، لا تعني أن الرأي العام الأردني قد أعطي الحكومة الثقة المطلقة، ولا تعني أن الحكومات القادمة ستتمتع بذات الصورة لدى الرأي العام والنخبة، ولا تعني كذلك أن فجوة الثقة بين الحكومات والمجتمع قد تلاشت أو بدأت بالتلاشي. ثمة مجموعة من القضايا المستعصية التي لا زال الرأي العام يرى بأن هذه الحكومة والحكومات السابقة غير قادرة على حلها وهي الوضع الاقتصادي بشكل عام، بما في ذلك ارتفاع الأسعار والبطالة والفقر، فعلى الرغم من أن تقييم أداء هذه الحكومة في هذه المجالات كان أفضل من سابقاتها، عموماً، فإن الاختلاف هو اختلاف في درجة التقييم وليس في نوعه، أي أن التوقعات بنجاح الحكومات عادة ما تكون قائمة على التفاؤل بقدرة الحكومات على النجاح، ولكن التفاؤل ما يلبث أن يبدأ في التضاؤل إلى أن يتحول إلى تشاؤم. على الرغم من ارتفاع نسبة الذين يرون أن أداء الحكومة قد تحسن بعد عام على تشكيلها مقارنة بأول مئتي يوم من ولايتها، فإن ثقة الرأي العام الأردني بقدرة "مؤسسة الحكومة" على النجاح تتصف بالتراجع المستمر، وذلك على الرغم من التذبذبات ودرجات التفاوت بين حكومة وأخرى، كما يوضح الشكل المرفق الذي يعرض للتوقعات من الحكومات و تقييم الرأي العام الأردني لأدائها منذ عام 1996 وحتى الآن. ومن الجلي في استطلاع تقييم أداء الحكومة بعد عام على التشكيل، أن تقييم العينة الوطنية لأداء هذه الحكومة لم يتبع النمط العام لتقييم حكومات سابقة. ففي حالة الحكومات السابقة كان تقييم أداء الحكومة ينخفض في استطلاع المائة يوم مقارنة مع التشكيل، ليستقر في الانخفاض أو يتحسن بشكل طفيف في استطلاع المائتي يوم واستطلاع العام. غير أن الحكومة الحالية حافظت في استطلاع المائة يوم على النسب نفسها تقريباً التي حصلت عليها في استطلاع التشكيل، ثم ما لبث أن انخفض تقييم الأداء بشكل ملحوظ في استطلاع المائتي يوم، قبل أن تعود إلى الارتفاع إلى نسب قريبة من التوقعات التي سجلت في استطلاع التشكيل. إلا أن الملفت للنظر هو ثبات آراء النخبة الأردنية بشكل مستمر منذ عام 1996 وحتى الآن. فبمقارنة نتائج جميع الاستطلاعات منذ عام 1996، يتبين أن النخبة الأردنية (كبار رجال وسيدات الدولة من وزراء سابقون وأعيان ونواب، أساتذة الجامعات، ورجال وسيدات الأعمال، الكتاب والصحفيون والفنانون الكتاب والأدباء، المهنيون من محامين وأطباء ومهندسين، والقيادات النقابية والعمالية، والمجالس المحلية المنتخبة والقيادات الإجتماعية)، يتبين أن التغيرات التي تحصل في آراء النخبة بين حكومة وأخرى لا تغير من الاتجاه العام المحافظ لآراء النخبة الأردنية. ويمكن فهم هذا بأن النخبة الأردنية محدودة إلى حد ما، ولا تتخذ مواقف واضحة متباعدة بين حكومة وأخرى. ولكن الملفت للنظر هو نمو الفجوة بين الرأي العام من جهة والنخبة والحكومات من جهة أخرى. ففي الوقت الذي تتراجع فيه ثقة العامة بقدرة الحكومات على الإنجاز وحل المشاكل التي يعتبرها الناس من الأولويات التي يجب على الحكومات معالجتها، لم يطرأ تغير على آراء النخبة تجاه الحكومات كما تشير الاستطلاعات المتعاقبة (32 استطلاعا حول الحكومات حتى الآن). وعلى الرغم من تقييم عينة قادة الرأي لأداء الحكومة، الرئيس، والفريق الوزاري في استطلاع مرور عام على التشكيل، بأنه أعلى، مقارنة باستطلاع المائتي يوم، وأنه جاء قريبا من توقعات عينة قادة الرأي بنجاح الحكومة في استطلاع التشكيل، فإن تقييم أداء الرئيس من قبل النخبة فاق جميع الرؤساء السابقين. ويمكن تفسير هذا التطور بعدة عوامل تشترك فيها النخبة والرأي العام، أهمها انخفاض أسعار المحروقات، التي وصلت حدودا قياسية، ووعد الحكومة بمراجعتها لتتماشى مع الأسعار العالمية للنفط. وأوفت الحكومة بما تعهدت به، ما ساهم في دعم صدقيتها أمام الناس. إلا أن هذا الحال غير ثابت وقد يتغير. أي أن الرأي العام، في تقييمه لأداء الحكومات، لا ينطلق من اعتبارات ثابتة، بل يعبر عن استجابة لما يستجد، ما يعني أن هذا سينعكس على رؤيته للحكومة وتقييمه لأدائها. لذا، سيعتمد تقييم أداء الحكومة في استطلاعات لاحقة على تعاملها مع الأولويات كما يراها الناس. ومن الجلي أن الرأي العام ينتظر من الحكومة أن تستخدم أدواتها المباشرة وغير المباشرة في إحداث توازن في السوق يؤدي إلى مزيد من ضبط الأسعار. إضافة إلى انخفاض أسعار المحروقات، هنالك مجموعة من العوامل التي يمكن أن تفسر هذا الارتفاع في تقييم أداء الحكومة، مثل إعلان الحكومة مؤخراً عن نيتها ربط الرواتب بمعدلات التضخم، إضافة إلى نيتها توسيع مظلة التأمين الصحي، وربما يكون تعامل الحكومة مع تداعيات الأزمة المالية العالمية، حين قامت بالإعلان عن ضمان ودائع البنوك لنهاية عام 2009، قد لعب دوراً في ارتفاع تقييم أدائها. ثمة أحداث أخرى قد لا يكون للحكومة دور مباشر فيها- ولكنها ساهمت في تحسين صورة الحكومة لدى الناس مثل الحوار مع حركة حماس الفلسطينية، فهذا الحوار بحد ذاته يعتبر تحولاً نوعياً في سياسة خارجية استمرت خلال السنوات الثلاث الماضية. وبالإضافة إلى الانفتاح على حماس، فإن تحسن علاقات الأردن مع الدول العربية، مثل العلاقات مع سوريا وقطر خلال الشهرين الماضيين، يعتبر تحولاً في علاقات الأردن مع دول الإقليم، ما كان مساعداً في تحسين تقييم أداء الحكومة. كما شهدت الأشهر القليلة الماضية تحولا في العلاقة بين الدولة وجبهة العمل الإسلامي، فبعد حوالي سنتين من التوتر بين الحكومة والحركة الإسلامية، بدأت بوادر الحوار بينهما تظهر جلياً. من جانب آخر، وخلافاً لبعض الحكومات السابقة، لم تواجه هذه الحكومة أزمة أو توتراً في علاقاتها مع السلطة التشريعية (مجلس النواب)، ولم تتعرض لحملة إعلامية كبعض سابقاتها، كما أنها لم تظهر بأنها طرف في انتقاد الإعلام لبعض الشخصيات العامة. على الرغم من ارتفاع تقييم أداء الحكومة من قبل الرأي العام (العينة الوطنية)، إلى نسب شبه متطابقة مع توقعات الرأي العام لنجاح الحكومة في استطلاع التشكيل، إضافة إلى ارتفاع تقييم أداء الحكومة في معالجة الموضوعات التي كلفت بها، فإن هذا لا يعني أن فجوة الثقة بين المواطنين والحكومة قد جسرت، فمن أجل أن نخلص إلى أن فجوة الثقة في طريقها إلى التجسير، يجب أن تعكس استطلاعات الرأي المقبلة ارتفاعاً متوالياً – وإن كان تدريجياً- في تقييم أداء الحكومات بالتوافق مع ارتفاعات متوالية في تقييم أدائها في الموضوعات التي كلفت بها، وبخاصة تلك التي يعتبرها المواطن مشاكل أساسية لها أولوية المعالجة. إن نتائج هذا الاستطلاع تمثل بداية لتجسير فجوة الثقة بين الحكومة والمواطنين. وقد تعزز هذه البداية عملية تجسير الفجوة إذا ما ارتفع تقييم أداء الحكومة في استطلاعات مقبلة، أو تزداد هذه الفجوة في حال تراجع تقييم الأداء. والمهم أن نتائج هذا الاستطلاع تشير إلى أن تجسير الفجوة ممكن إذا ما عملت الحكومة على تحسين الظروف العامة للمواطنين. |
|
|||||||||||||