العدد 54 - بورتريه | ||||||||||||||
خالد أبو الخير
نشأت هيفاء أبو غزالة كآخر العنقود في أسرة مكونة من سبعة أفراد، لكنها تمردت على قدر بنات جيلها، وسعت لإكمال دراستها في وقت كان فيه مستقبل البنت ينحصر في «بيت عدلها». والدها «شاكر أبو غزالة» وكيل وزارة المالية، قضى مبكراً قبل أن يجاوز الستين من عمره. والدتها الفنانة التشكيلية يسرى أبو غزالة، وكلاهما تركا أثراً بالغاً في تكوينها. مدرستها الأولى سكينة بن الحسين، وفيها قدمت المترك قبل أن تنخرط في الحزن الذي خلفه رحيل الوالد، والسلوان الذي وجدته في شقيقها الكبير والراحل أيضاً أشرف، الذي حمل المسؤولية مبكراً، وكان يعمل في الكويت. حيث شدت الرحال لاحقاً لتكمل تعليمها. أنهت التوجيهي العام 1964 من مدرسة المرقاب في حاضرة الخليج الذي «يهب المحار والنفط والردى». «عندما أنهيت التوجيهي كانوا يريدون تزويجي، كما هو حال شقيقاتي وبنات جيلي، لكني رفضت وتمسكت برغبتي العارمة في التعلم». على الطائرة التي أقلتها من الكويت إلى قاهرة المعز وعبد الناصر، كان الفرق يكمن في الأماني العذاب، ونزوع صبية التقى مع حلم أمة بالتحرر. انتسبت إلى جامعة عين شمس دارسة لعلم النفس والاجتماع، وأقامت في سكن للطالبات، مبهورة حد الافتتان وهي ابنة الأسرة المحافظة، بأجواء القاهرة في عصر كان ذهبياً، وحركتها الثقافية والعلمية فضلاً عن استقلالية أتاحت لها تكوين شخصيتها بعيداً عن الأسرة. حرب 1967 محطة مهمة، لم تشأ أن تقف أمام نتائجها المخيبة للآمال مكتوفة اليدين، فتطوعت كممرضة في مستشفى هيلوبليس لمدة ثلاثة أشهر، رأت خلالها أهوال الحرب والجنود المحترقين بالنابالم المحرم دوليا، وأنات وصرخات الجرحى ومن هم في طور الاحتضار. «تعلمت تطبيب الجروح، وفك الضمادات عن المحروقين بالنابالم لنضعهم في قفص مخصص لهذه الحالات». تقول والألم يعتصر جوانحها. حازت البكالوريوس في مجالها العام 1968، وقفلت عائدة إلى أرض الوطن وحلم إكمال تعليمها يراودها، غير كل الأسر كانت تطمح أن تعمل بناتها المتعلمات في سلك التعليم. عينت معلمة في مدرسة التاج الثانوية، في وقت لم يكن فيه هناك تخصص في التعليم، ودرست علم الاجتماع والتاريخ والجغرافيا. وفي زمن جبل التاج خطبت وتزوجت من الطيار المدني نديم ملحس وكونا أسرة من ولد وابنتين. انتقالها للعمل مرشدة نفسية في مدرسة الملكة زين الشرف الثانوية للبنات حدث بعد سنتين. ثم طلبت للعمل في الوزارة، لتساهم في تأسيس قسم الإرشاد النفسي 1969. انقضت عشر سنين قبل أن تستحدث الجامعة الأردنية برنامجاً للماجستير، التحقت به رغم مسؤولياتها العائلية الكثيرة التي فرضها عليها غياب زوجها المستمر، ودورها في رعاية أولادها والسهر عليهم، وتخرجت بامتياز العام 1972 وقبل دفعتها «ما زلت أحتفظ بالساعة التي أهداني إياها جلالة الملك الراحل الحسين غداة رعايته لتخرجي». توالت ترقياتها في الوزارة من مدير للإرشاد النفسي، إلى مدير علاقات ثقافية، فمدير عام شؤون الطلبة. استغلت فرصة سانحة لدراسة الدكتوراة في الجامعة اليسوعية ببيروت استغرقت ثلاث سنوات، كانت خلالها تسافر على متن طائرة صباح الجمعة وتعود في طائرة مساء اليوم نفسه. داهمها الاجتياح الإسرائيلي لبيروت العام 1982، ما اضطرها للتنقل تحت القصف المستمر عبر شوارع بيروت الغربية، من شارع إلى شارع ومن بيت إلى بيت في طريقها إلى مطار بيروت الدولي، الذي ما زالت جاثمة على أرضه طائرة لشركة عالية «الملكية حالياً» أقلعت إلى عمان عند منتصف الليل وعلى متنها ثلاثة ركاب. حين انفض الحصار بعد شهور عن بيروت، عادت لزيارة ست الدنيا في مهمة إنسانية، ورأت أبشع ما ارتكبه بشر. عد شغل سيدة لمنصب مدير عام في وزارة التربية طفرة في وقته، ما أثار عليها حنق إسلاميين جاءوا عبر بوابة الديمقراطية العام 1989، وكانت «التربية» من ضمن الحقائب التي شغلوها في حكومة مضر بدران. يشهد زملاء لها بأنها «بدأت تتعرض للمشاكل والمضايقات جراء منصبها القيادي، بل إن الوزير ، كان يتفادى السماح لها بالكلام، لأن صوت المرأة عورة، ثم أحالها إلى التقاعد». اتصال هاتفي من رئيس الوزراء طاهر المصري أرجعها إلى الوزارة في العام 1991 بقرار مجلس وزراء، لكن وزير التربية عيد الدحيات عينها بوظيفة مستشار «لا يستشار». أنقذها من خدر العمل الذي لم ترده اختيار الأمم المتحدة لها كمنسقة إقليمية لمؤتمر المرأة الرابع في بكين، وزارت العديد من الدول للتحضير للمؤتمر، ما اتاح لها تعارفا وانفتاحا على المنظمات الدولية. استقالت من عملها في الوزارة العام 1995، وعملت في صندوق الأمم المتحدة الإنمائي «اليونيفم» ضمن مشروع حمل اسم «ما بعد بكين». ثم أصبحت مديرة المكتب الإقليمي لـ«اليونيفم»، حيث لعبت دوراً محورياً على صعيد المنطقة العربية في عملية الإصلاح السياسي والتشريعي، وتحليل قضايا النوع الاجتماعي، حتى أصبح المكتب يحمل لقب «المكتب الذهبي»، وتقع ضمن مسؤوليته 17 دولة عربية. عرضت عليها وزارة التنمية الاجتماعية غداة حكومة عبد الرؤوف الروابدة 1999، لكنها اعتذرت لانشغالها في عملها الدولي قائلة: سأخدم بلدي أينما كنت. نشرت العديد من الكتب والدراسات باللغتين العربية والإنجليزية، في مواضيع التعليم والإرشاد والنوع الاجتماعي والتنمية والإدارة، وهي عضو في العديد من المنظمات الوطنية والدولية. ترشحت العام 2005، لجائزة «ألف امرأة من أجل جائزة نوبل للسلام 2005» حازت العديد من جوائز القيادة النسائية الوطنية الإقليمية والدولية البارزة. غير أنها تفتخر بوسام المعلم من الدرجة الممتازة. اختارها الملك عبد الله الثاني عضواً في مجلس الأعيان الحالي، وعينتها الملكة رانيا العبد الله أميناً عاماً للمجلس الوطني لشؤون الأسرة، وهو المنصب الذي تشغله حالياً. تصفها مقربة منها بأنها «ضعيفة في الدفاع عن نفسها، لكنها قوية بل ومقاتلة في الدفاع عن الناس وحقوقهم». طموحات «أم رائد» بسيطة: وطن زاهر وشعب سعيد، ولأولادها الخير والنجاح في حياتهم. وأن تتاح لها الفرصة لنقل الخبرات التي اكتسبتها للأجيال الجديدة. من فرط بساطتها، تصر على أداء أعمال البيت بنفسها: تطهو طعامها ، وتصنع اللبنة والجبنة والمقدوس والزيتون بيدها.. وتعتبر أن من إكرام الضيف أن تصنع طعامه بنفسها. |
|
|||||||||||||