العدد 54 - كتاب | ||||||||||||||
تواصل الاتجاه الهبوطي لأسعار معظم الأسهم المتداولة في بورصة عمان طيلة أيام الأسبوع المنتهي يوم الخميس 13/11/2008، كما سجّله ورصده مؤشر الرقم القياسي العام للأسعار المرجح بالأسهم الحرة، إذ انحدر خلاله من 3407 نقطة في بدايته إلى 2997 نقطة في نهايته، أي بتراجع 410 نقطة، ونسبة هبوط 12 بالمئة، قياسية، وليتجاوز الرقم نزولاً سقف 3000 نقطة. منذ بداية شهر تشرين الأول/أكتوبر وحتى 13/11/2008 انخفضت الأسعار في معدلها العام بنسبة 26.4 بالمئة تأثرا بتراجع رقم المؤشر من 4.74 إلى 2997 نقطة. وبدلاً من تحقق ارتفاع، أو على الأقل توقف الهبوط، فإن نزيف التدهور في الأسعار استمر أيضاً خلال أيام تداول الأسبوع التالي المنتهي بتاريخ 20/11/2008 ولينزلق رقم مؤشر الأسعار مرة أخرى إلى 2771 نقطة في نهايته وبنسبة هبوط 7.5 بالمئة. وكمحصلة يصل التدهور في نزيف الأسعار خلال هذين الأسبوعين إلى 636 نقطة، وبمعدل انخفاض 18.8 بالمئة، وهي نسبة عالية قياسية لم يسبق تحققها وتسجيلها في تاريخ البورصة في الفترة الزمنية القصيرة نفسها. وفيما سجل مؤشر الأسعار ارتفاعاً ملموساً تجاوز 30 بالمئة خلال الأشهر الثمانية الأولى من 2008 ألغى تسونامي الهبوط الأخير الذي حدث منذ شهر أيلول/سبتمبر الماضي، وتسارع في شهري تشرين الأول/أكتوبر، وتشرين الثاني/نوفمبر، كل التصاعد السابق في الأسعار، وتحولت نسبة النمو من رقم إيجابي إلى هبوط بنسبة 26 في المئة وبتراجع 993 نقطة عن رقم بداية السنة. التراجع في البورصة لم يقتصر على تدهور أسعار معظم الأسهم المتداولة فيها؛ القيادي منها والفرعي، بل امتد أيضاً إلى حدوث انخفاضات متزايدة في مؤشرات أداء التداول، في رقم حجم التداول، وعدد الأسهم المتداولة، وعدد العقود المبرمة، والقيمة السوقية، وتراجع أهمية مدلولات معدلات معيارية. سيكون لما سبق، وبخاصة إذا استمر التدهور الحاد خلال الأيام والأسابيع المقبلة والمؤشرات الدولية ترجح ذلك، نتائج وتداعيات سلبية صعبة على نشاط البورصة ومؤسساتها والمتعاملين من خلالها، وأيضاً على مختلف أداء فروع الاقتصاد، وانعكاساته على تعمّق حالة التباطؤ، وخروج وحدات اقتصادية من السوق، وتدني الثقة العامة في الاقتصاد، وفي التوجيهات والسياسات والطواقم التي قادته في طريق الأزمة التي لا يظهر حتى الآن بصيص النور في نهاية نفقها. تعمّقت أزمة البورصة أيضاً لتزامنها مع وبعد انفجار إشكالية أو فضيحة ما أطلق عليها اسم شركات التعامل في البورصات العالمية، وهي شركات لم يكن لمعظمها أي دور في البورصة المحلية، وحيث ظهر الآن أن دورها انحصر في إغراء مدخرين بالإيداع لديها مقابل الوعد بدفع فوائد أو أرباح عالية، ولاستخدام ما يودع في نشاطات مريبة غير قانونية، وقد بلغ عدد الشركات هذه التي أحيلت إلى المدعي العام للتحقيق 202 شركة، وفيما قدّرت الأموال المجموعة من عشرات آلاف المودعين ما يقارب نصف بليون دينار فإن ما تم استرجاعه منها حتى الآن لم يتجاوز 120 مليون دينار. اقتصاد الأردن تأثر سلباً بهذه الدرجة أو تلك بانفجار وامتداد الأزمة المالية والاقتصادية التي عصفت باقتصاديات السوق الرأسمالي في مرحلة عولمتها الليبرالية، ولكن من الصحيح أيضاً، بل والأكثر صحة، القول إنها نجمت أساساً وأكثر عن تبني السياسات والتطبيقات نفسيهما اللتين وَلَدَّتاْ الأزمة هناك. نزيف الأسعار في بورصة عمان كان متوقعاً، وإن لم يكن بالحدة والتسارع نفسه، وقد أشرنا إليه في أكثر من مقالة ودراسة، وتخوفنا من موجة وفقاعة القفزات التصاعدية في الأسعار الناجمة، في معظمها، عن المضاربة والمضاربين المحليين وغير الأردنيين، حيث ساعدهم في ذلك تبني توجهات ليبرالية رسمية في شروط التعامل وفي الأنظمة والتعليمات التي تحكمه، والسماح بتوالد كم كبير من الشركات المساهمة الجديدة وبعضها من رحم شركات قائمة، وهيمنة عدد محدود من كبار المساهمين على دفة القرار فيها، وتدعيم ذلك باعتماد «الاكتتاب الخاص» وقبول إدراج أسهمها للتداول فوراً، وعدم الاعتراض على نهج «التداول الآجل غير النقدي - التمويل المكشوف وعلى الهامش»، وفتح الباب على مصراعيه أمام تملك الأجانب كامل أسهم الشركات وإمكانية بيعها في أي وقت، وإخراج أرباحها وثمنها خارج الحدود، فيما توسعت بنوك أردنية في أخطاء منح قروض بغرض شراء أسهم، أي المتاجرة والمضاربة بها. مواجهة أزمة البورصة والاقتصاد المتفاقمة تتطلب بداية الاعتراف والقيام برصد جريء لأسباب الأزمة الحقيقية، المحلية قبل الخارجية، والمسارعة إلى مواجهتها بإجراءات وسياسات موازية جديدة وبطواقم أخرى، في ظل أجواء الديمقراطية والشفافية والمشاركة في تحديد الأهداف ومتابعتها واستخلاص النتائج والعِبر المتعلقة بها. |
|
|||||||||||||