العدد 54 - اعلامي | ||||||||||||||
دلال سلامة «فرقعة إعلامية، وإثارة، في التعاطي مع الظاهرة، لا يقضي عليها بقدر ما يكرسها» هكذا تصف الإعلامية لانا مامكغ الأسلوب الذي تتعامل به وسائل الإعلام في الأردن مع جرائم الشرف ، وهي الظاهرة التي ما زالت تسجل أرقاما مخيفة، حيث يراوح متوسط عدد من يقتلن من الفتيات والنساء على هذه الخلفية سنوياً في الأردن من 12 إلى 15 فتاة. وفي العام 2007 وحده ارتكبت 17 جريمة. على هذه الخلفية ارتكب خلال ما مضى من العام الجاري 11 جريمة. المادة 340 من قانون العقوبات الأردني، تنص على أنه: «يستفيد من العذر المخفف من فوجئ بزوجته، أو إحدى أصوله، أو فروعه أو أخواته، حال تلبسها بجريمة الزنا، أو في فراش غير مشروع، فقتلها في الحال، أو قتل من يزني بها، أو قتلهما معا، أو اعتدى عليه أو عليهما اعتداء أفضى إلى موت أو جرح أو إيذاء أو عاهة دائمة." هذا النص الإشكالي للمادة 340 من قانون العقوبات ، هو أقصى ما استطاعت الحكومة أن تضمنه من "عقوبات" على من يرتكب جريمة "غسلا للعار"، أو ما يعرف بجريمة الشرف. وقد جاء هذا النص بعد محاولتين فاشلتين قامت بهما الحكومة في العامين 99 و2000، من أجل إلغاء هذه المادة من القانون المذكور، والتي كانت تعفي من العقوبة من ارتكب جريمة شرف . وكانت المادة 340 تنص قبل تعديلها على أنه «يستفيد من العذر المحل (وبالتالي لا يعتبر فعله جريمة) من فاجأ زوجته أو إحدى محارمه حال التلبس بالزنا مع شخص آخر، وأقدم على قتلهما أو جرحهما أو إيذائهما كليهما أو أحدهما» وقد رد مجلس النواب، في حينه، مشروع القانون بعد مصادقة مجلس الأعيان عليه. لكن الحكومة استغلت، في العام 2001، تعليق مهام المجلس ومررت قانوناً مؤقتاً عدلت بموجبه المادة لتنص على الاستفادة من «العذر المخفف» الذي يتم بموجبه تخفيض العقوبة من الإعدام أوالأشغال الشاقة، وهي العقوبة المقررة لجرائم القتل، لتصبح السجن لسنة واحدة على الأقل، وعند إسقاط الحق الشخصي من قبل الولي، وهو ما يحدث في جرائم الشرف، فإن العقوبة تخفض إلى النصف. المعارضة العنيفة التي أبداها مجلس النواب لإلغاء المادة تعكس، نوعا من المعارضة الشعبية لاعتبار جريمة الشرف مثل أي جريمة أخرى، وهي تكشف بدورها قيماً اجتماعية عفا عليها الزمن، لكنها ما زالت متجذرة فيه. على أن الحكم المخفف ليس السبب الوحيد في ارتفاع أعداد «جرائم الشرف»، فهناك أسباب أخرى منها الطريقة التي تغطى بها أخبار جرائم الشرف في أجهزة الإعلام، يبدأ ذلك من اللغة المستخدمة لتغطية خبر الجريمة، وهي إلى حد كبير، لغة تحريضية، تتضمن أحكاما أخلاقية تتماهى كثيراً، مع العقلية ذاتها التي قامت بارتكاب الجريمة، وهو ما تفصح عنه عناوين نشرت في الصحف المحلية من نوع: «شاب يغسل عاره بإغراق أخته في البحر الميت.» أو: «شاب يقتل شقيقته دفاعا عن شرف العائلة،» . ما تقوله العناوين الرئيسية تستفيض في شرحه التغطية الصحفية،فهناك عبارات مثل «أب يقتل ابنته بعد أن اعترفت له بارتكابها الفاحشة»، أو «شاب يقتل شقيقته بعد أن ضبطها في وضع غير لائق.» نشرت صحيفة يومية في تغطيتها لخبر الحكم على شاب قتل شقيقته بالسيف «غسلاً للعار»: أن الشاب «تلقى حكما بالحبس 6 أشهر، وذلك بعدما وجدت المحكمة أن المجني عليها أتت فعلا غير محق وعلى جانب من الخطورة، وهو تحدٍ لمشاعر أهلها ومن ضمنهم شقيقها المتهم . واعتبرت المحكمة أن ما فعلته المجني عليها تعدٍ على شرف وسمعة وكرامة المتهم وأهلها، الأمر الذي أحدث ثورة غضب شديدة للمتهم تتعلق بشرفه وكرامته." مع ذلك تركز التغطية الإخبارية على أن الطب الشرعي أثبت عذرية الفتاة، بهدف إثبات أن الفتاة قتلت لمجرد الشبهة، وبراءتها بالتالي من "العمل المشين" الذي اتهمت "زورا" بارتكابه، ما يعني أن تركيز الإعلام ينصب على أن الفتيات يقتلن فقط للشبهة، وهو القاسم المشترك بين التغطيات الإخبارية، وكذلك بين ممن يتناولون الموضوع من صحفيين وكتاب؛ وفي تحقيق أجرته صحيفة يومية حول جرائم الشرف، نقل عن أحد الصحفيين ما نصه: "لنسأل أنفسنا، ما هو ذنب الفتاة التي يرتكب أخوها جريمة إنهاء حياتها بدم بارد، وبعد فحصها يتبين أنها عذراء، وشرفها ناصع البياض، وأنها قتلت فقط لأجل وشاية مغرضة من أحدهم؟» وقال كاتب آخر في صحيفة أخرى: «تعرضت فتاة إلى جريمة قتل جراء ثورة غضب من قبل ذويها، دون التحقق من صحة أية معلومات تتعلق بطبيعة سلوكها." وفي الإطار نفسه قامت صحيفتان يوميتان أخيرا بإجراء استطلاعين سألتا فيهما القراء عن رأيهم في جرائم الشرف. وكان لافتا أن الصحيفتين أبرزتا حقيقة أن كثيرا من الفتيات اللواتي يقتلن يكن، في واقع الأمر، ضحايا «للإشاعات المغرضة» و«النكايات». مامكغ ترى أن خطورة هذا الطرح تأتي من أنه «في الوقت الذي يجب أن يتخذ فيه موقف رافض لمبدأ القتل، بغض النظر عن الشبهة أو اليقين، نجد أن الموقف المسجل هو ضد القتل للشبهة وليس ضده كمبدأ». أي: لا تقتل ابنتك أو شقيقتك إلا بعد أن تتأكد. وهو أمر يعترف به موسى برهومة، رئيس تحرير «الغد»، ويعزوه إلى افتقار كثير من الصحفيين إلى المهارات المهنية الأساسية: «في أحيان كثيرة يتورط الصحفي في لغة تبارك الجريمة وتصفق للمجرم، وسبب ذلك أن كثيرا من الصحفيين، يفتقرون إلى المهارات التي تمكنهم من استخدام لغة تنأى عن أحكام أخلاقية تتنافى مع مبدأ الحياد». الالتفاف وعدم المواجهة هو سمة أخرى من سمات تعاطي الإعلام مع جرائم الشرف، فالجريمة تحدث ببساطة، لأن فتاة أقامت علاقة خارج إطار الزواج، ولكن كثيرا ممن يتصدى للظاهرة بالانتقاد من الصحفيين والكتاب لا يواجه هذه الحقيقة، ولا يعلن موقفا صريحا منها، بل نجد انشغالا بأمور ثانوية مثل القول إن الجريمة تكون، في أحيان كثيرة، ستارا لخلافات عائلية أو قضايا ميراث، وهو ما تؤكد عليه مامكغ وتصفه بالمعالجة المبتورة للقضية : «هناك أسلوب تفكير ومنظومة قيم اجتماعية ودوافع قادت إلي جريمة الشرف، هذه الدوافع هي المشكلة الأساسية، وما الجريمة إلا عارض لها، ولكن أحدا لا يواجه هذه الدوافع بصراحة، في حين أن التحدي الحقيقي يكمن في معالجتها.» الالتفاف الذي تمارسه الصحافة، تمارسه أيضا الدراما الأردنية،أو هي على رأي الكاتب الدرامي الأردني مصطفى صالح : «لم تدخل في صلب الظاهرة، فهي وإن ادعت أنها قدمت معالجة لقضية جرائم الشرف، فإنها لم تفعل أكثر من عرضها بسطحية». العدد القليل جدا من الأعمال التي تصدت للقضية تعاملت بجبن معها، فبطلة مسرحية «حليمة» للمخرج محمد الضمور، التي عرضت في العام 99، قتلت بسبب إشاعة. والفتاة في مسلسل «شباب آت كوم»، الذي عرضه التلفزيون الأردني قبل أربع سنوات، كانت تواجه تهما من ابن عمها بإقامة علاقة «غير مشروعة»، وتهديدات بالقتل، ولكنه في الحقيقة كان يريد إجبارها على الزواج منه. وفي مسرحية «رق الدم» التي عرضت خلال تشرين الثاني الماضي، للمخرجة لينا التل تقتل البطلة لأنها طلقت، وعندما تلتقي في العالم الآخر باثنتين قتلتا مثلها، نجد أن إحداهما قتلت بسبب إشاعة والأخرى لأن عائلتها اكتشفت أنها كانت على علاقة حب مع ابن عمها قبل زواجها منه وإنجابها منه أطفالا فأقدمت على قتلها. المسرحي الأردني غنام غنام الذي يشارك مامكغ الرأي حول تجاهل المجتمع، وكذلك وسائل الإعلام للدافع الأساسي لجريمة الشرف، مقابل الانشغال ب«القشور»، يعتقد أن القمع الفكري الذي يمارسه المجتمع، هو ما يجعل الفنانين حذرين في تناول القضية: «هناك رفض قاطع لوجهات النظر المغايرة، وهذا ما يحول دون تقديم معالجة واقعية للدافع الاجتماعي للجريمة.» مع ذلك، فإن القمع الفكري ليس مبررا كافيا لطريقة التعاطي هذه مع فعل بشع مثل هذا يجد له، ومنذ عشرات السنين، غطاء شعبيا وقانونيا، فأشد الثوابت رسوخاً يمكن لها أن تهتز إن نوقشت بجرأة، ولكن ما يحدث، بحسب برهومة، هو أن كثيرين: «يتصدون لمناقشة هذه الظاهرة رغبة في تسجيل مواقف، دون أن يكونوا مستعدين فعلاً لدفع ثمنها». |
|
|||||||||||||