العدد 54 - كتاب
 

1

عادة ما نقوم نحن العرب بإلقاء تبعات مصائبنا وتدهور ثقافتنا على الغرب وثقافته المهيمنة - انطلاقا من نظرية المؤامرة - دون النظر الى قصورنا في حق أنفسنا وعدم الإقرار بعجزنا في تفعيل ثقافتنا وتطوير مجتمعاتنا، وقلما يتحدث كاتب منّا برؤية نقدية دقيقة ومتجردة عنّ علاقتنا بالآخر وعن إخفاقاتنا الحضارية وتراجع ثقافتنا وانغلاقنا الفكري وانسداد أفقنا ..

ويختلف الأمر كثيرا حين ينتقد مفكر وكاتب غربي تعسف الغرب إزاء الآخرين، ويشير الى مكمن العلة فى نظرة الغرب التعميمية والمبسطة للإسلام والعرب وإصداره الأحكام بناء على معطيات الإعلام والصور النمطية المستقرة، يختلف حتما عن كاتب عربي يتحدث عن الغرب الذي هو ( الآخر) بالنسبة له، وتقوم نظرته على معطيات من خارج الحالة التي يتعرض لها بالنقد، أعادني هذا الأمر الى موقف الكاتب الاسباني ( خوسيه بن ناصر مونليون) حين التقيته في إسبانيا، وتحدثنا عن أهمية الحوار بين الثقافات وقبول المختلف،ثم استمعت الى محاضرته التي قدمها في ملتقى الرواية تحت عنوان (تاريخ المتخيل وتاريخ المجتمعات) وأدهشني تشخيصه ونظرته الشخصية الناقدة والجريئة لعالمنا المعاصر، هذا الكاتب والناقد الذي يدير المعهد العالمي لمسرح البحر المتوسط يحيل معظم مشكلات البشر الراهنة الى غياب المخيلة او عجزها وإهمالها من قبل المعنيين بالفكر والإبداع في عصرنا..

من خلال طروحاته يعتقد( بن ناصر مونليون ) أن الفقر والتمييز اللذين حلا بالمجتمعات في ظل السياسة العالمية الراهنة، يتطلبان -لتجاوزهما- القيام بمهمات فكرية وإبداعية جريئة ومتواصلة لتفعيل المتخيل واستخدام المخيلة لإنتشال الروح الإنسانية من بؤسها وإنحدارها والمخيلة التي يعنيها (مونليون) ليست هي الفانتازيا، إنما القدرة على ابتكار افكار غير مسبوقة.

2

ويفسر هذا التعويل على المخيلة وخطورتها بقوله: إن المخيلة المريضة أسهمت في

إيجاد العنف الفكري وتعزيزه، ففي حالة التطرف الديني نقوم (بإدانة من لا يماثلنا في العقيدة).

ونعد من لا يشابهنا عدوا تنبغي مقاتلته والقضاء عليه، ونبحث دوما عن أناس سيئين مختلفين عنا، لنزهو بأننا الأخيار الوحيدون في الأرض وعلى عاتقنا تقع مهمة جعل الآخرين على شاكلتنا، وإذا لم نجد تلك العناصر السيئة قمنا باختراعها من مخيلة مريضة لا تستقيم الا بوجود عدو تحاربه، وتتربص به، وتبذل الجهود والأموال لحماية نفسها منه ..

إن معظم سياسات الأحزاب المتطرفة بخاصة، والحركات الأصولية - تملك النزعة ذاتها في البحث عن عدو دائم تواجهه، وكأنها لاتستسيغ العيش إلا في جو مشحون بالكراهية والخوف، وإلا إذا كانت تشعر بتهديد خطير لوجودها، فتتفاقم الخلافات وتقوم الصراعات العنيفة والحروب الكارثية..

حرية التخيل هي حرية المبدع الحقيقية لأنها تعينه على تحديد اتجاهه ومواقفه فإما أن تدفعه نحو التطور وتقدم الإنسانية وسعادتها أو نحو الدمار ومزيد من الخراب حسب اتجاهات بوصلة مخيلته وعافيتها..

3

إن الغرب الذي يصدر أحكاماً معممة وتبسيطية على نحو واسع، ويربط الإرهاب بالإسلام المتشدد وحده- يقع في خطأ فادح، فالإرهاب موجود في كل زمان ومكان ولم يكن من اقتراف فئة واحدة عبر التاريخ الإنساني وعنف محاكم التفتيش مثال ساطع في تاريخنا، وعلينا في الغرب– كما يقول بن ناصر مونليون– ( أن نراجع أنفسنا وننقدها لجهلنا بالثقافة العربية والإسلامية والفكر والفلسفة الإسلاميين، لا أحد منا يعرف أسماء المفكرين العرب او المسلمين المتنورين، فالغربيون يجهلون ما يحكمون عليه، لأنهم يحكمون على الظاهرة المتشددة المتداولة في وسائل الإعلام حسب..)

ويعرف مونليون الكثير من المثقفين الإسبان ممن يتوقون لإجراء حوارات ثقافية مع العرب، لكنهم للأسف لا يعرفون عملاً واحداً لكاتب عربي، ولا يبذلون جهداً للوصول اليه – فالنظرة التبسيطية تخفي الحقائق وليس لدى الغرب ذاكرة تاريخية، لأنه لا يقرأ إلا تاريخ المنتصرين ويغفل تاريخ الشعوب!!

4

ألسنا من جانبنا نحن-كعرب- مسؤولين الى حد كبير، عن ترسيخ النظرة التعميمية للغرب عن ثقافتنا ؟

أليس قصورنا في تقديم المفكرين والمبدعين للعالم من أهم أسباب جهل العالم بنا وبطرائق تفكيرنا، ونحن نعيش في كوكب واحد وما يهددنا فيه يهدد الأطراف الأخرى التي تتعايش معنا.؟؟.

ألا تشكل مواقفنا المشتتة التي تفتقر الى الرؤية المنهجية والتركيز في تعريف الغرب بثقافتنا.. عائقاً للحوار وسبباً لسوء الفهم المستفحل في الغرب إزاءنا؟؟

ألا ننحاز في معظم الأحوال، لتاريخ المنتصرين، ونصمت عن تفكيك تاريخنا لتحليل هزائمنا المعاصرة وفهم تراجع مجتمعاتنا، وعدم الاعتداد بالعقول المتنورة لمفكرينا؟؟

علتنا أننا نلوذ بالذاكرة، ونركن الى الماضي، ونمجد أبطاله الغابرين، بل نحوّل أولئك الأبطال الى أيقونات مقدسة يتعذر المساس بها أو مناقشة أخطائها، بينما يتطلب وجودنا في مدى الحاضر مخيلة حية قادرة على ابتكار مسالك ورؤى معاصرة لحياتنا الراهنة ومستقبلنا مع الاعتداد بدروس الأمس وليس التعبد أمام أيقونات الماضي والتماهي معها..

لطفية الدليمي: بين تاريخ المنتصرين والشعو..حرية المخيلة للإنقاذ من الإخفاق
 
04-Dec-2008
 
العدد 54