العدد 54 - ثقافي | ||||||||||||||
مراجعة: سنثيا ميناتي* الهندسة المعمارية والسياحة في ليبيا تحت الحكم الإيطالي: حداثة التضاد تأليف: بريان مكلارين الناشر: مطبوعات جامعة واشنطن، واشنطن، سياتل سنة النشر: 2006 عدد الصفحات: 360 صفحة
يقدم بريان مكلارين، الذي يعمل أستاذاً مساعداً للهندسة المعمارية في جامعة واشنطن، عملاً فذاً ومتخصصاً يضاف إلى العدد المتزايد من الكتب حول الهندسة المعمارية الكولونيالية (الاستعمارية)، لا يتضمن الكتاب وصفاً عادياً لمخططات بناء المدن في مناطق مستعمرة، إذ إن استخدام مكلارين لمصادر عديدة، كثير منها غير معروف باللغة الإيطالية، مكنه من النجاح في تقديم عمل نظري رائع انطلاقا من حالة ليبيا. تنطلق أطروحة الكتاب الرئيسية من أن تجربة ليبيا السياحية قامت في الفترة التي كانت فيها قضية تحديثها كمستعمرة إيطالية والحفاظ على تراثها الأصلي موضع نقاش. فالسياحة كانت تعتمد على بنية تحتية حديثة: موانيء، شبكات طرق ونقل، وتسهيلات ومؤسسات محدثة. وقد مثلت السياحة الموجة الثالثة من الاستعمار، بعد الغزو العسكري وإقامة بنية تحتية للنقل، وفي الوقت نفسه، تطلبت السياحة اجتذاب ثقافة السكان الأصليين، التي ضمنت بحذر في الهندسة المعمارية من خلال تبني أشكال تاريخية نمطية. تتضافر في نقاشات مكلارين أربع نقاط. فهو أولا، يتبنى مفهوم التضاد، وهو فكرة مركزية في نظرية هومي بابا ما بعد الكولونيالية: أن المتقابلات الكولونيالية يجب ألا تظهر بوصفها عملية جدلية بسيطة، بل عملية تبرز فيها عناصر متضادة تتعايش بتكافؤ. وثانيا، حقول الفن والتاريخ المعماري؛ حيث تعتمد "حداثة التضاد" على تحليلات الحداثة المعمارية في ظل الفاشية، حيث كان ممكنا لأنصارها أن يتبنوا ، مواقف ثورية ورجعية، في الوقت نفسه، حول قضايا اجتماعية ومعمارية. ثالثا، ينظر مكلارين إلى الدراسات السياحية حول قضايا الأصالة والخصوصية من منظار "الأصالة المرحلية" المناسبة للحالة الليبية. رابعا وأخيرا، يشير مكلارين إلى أن الطابع الريفي لأفكار أنطونيو غرامشي فيما يتعلق بالوطنية الشعبية والفلكورية، يشكل إطارا مفيدا لدراسة الخطاب الكولونيالي في ليبيا، والمعمار السياحي تحديدا. تقوم بنية الكتاب الرئيسية على المقدمة النظرية الرئيسية لمكلارين الخاصة بالتضاد، حيث يناقش في أول فصلين برنامج التحديث الذي تبنته الحكومة الفاشية في إيطاليا في مستعمرتها الشمال إفريقية وعلاقته بصناعة السياحة، فيما يبحث الفصلان التاليان مبادرات المحافظة على المعمار التي وضعتها الحكومة وعلاقتها بالسياحة. وأخيرا، يبحث الفصلان الأخيران العلاقة بين الميل إلى التحديث والميل إلى المحافظة. وتتميز المقارنة التي يقيمها مكلارين بين أعمال كارلو إنريكو رافا وفلوريستانو دي فاوستو، وهما المهندسان اللذان صمما الفنادق في ليبيا في العشرينيات والثلاثينيات، بقدر من الجاذبية، ففي حين دافع رافا، وهو عقلاني، عن تبني أشكال ومواد أصلية لخلق هندسة معمارية تناسب مناخ البحر الأبيض المتوسط، فإنه استخدم لبناء فندقه القريب من حفريات لبنيس ماغنا تصميما محليا للساحة، وشرفات وأدوات أخرى لخلق الظل، ومكونات متناسقة وواجهات غير مزخرفة تشير إلى الوظائف الداخلية. وقد كانت بجميع مكوناتها ترجمة حديثة لتصميم أصلي. أما دي فاوستو، والذي كان أسلوبه مفضلا تماما من جانب السلطات الاستعمارية، فإنه قلد وفي صورة مباشرة الأشكال التقليدية، لخلق صورة زائفة عن الأصالة، في الوقت الذي وفر فيه احتياجات منوعة. لقد مثل رافا ودي فاوستو جانبي الحداثة المتضادة في ليبيا، ولكن كلاهما اشتركا في الإيمان بالتفوق الإيطالي، وبالتأكيد بالأصول الرومانية لما كان موضع تقدير في ليبيا. من الحتمي أن يقارن كتاب الهندسة المعمارية للسياحة في ليبيا تحت الاستعمار الإيطالي: حداثة التضاد، بالعمل الموسوعي الذي وضعه جان لوي كوهين ومونيك إليب الموسوم كازابلانكا: أساطير كولونيالية ومشاريع معمارية (نيويورك، موناتشيلي، 2002). وعلى الرغم من أنه يركز على نوع محدد من المعمار؛ الفنادق ومرافق سياحية أخرى، فإن عمل مكلارين أكثر إثارة للاهتمام بسبب تقديمه المتطور للمشروع الاستعماري الايطالي في ليبيا ومقترحاته النظرية الآسرة. أما نقطة ضعفه، فهي أن الليبيين أنفسهم يتخذون موقف المتفرج، وهي نقطة يعترف بها. ويتم تذكير القارئ بعمل مرسيديس فوليه في مصر المجاورة وبخاصة توثيقها للنقاش الحيوي داخل دوائر الهندسة المعمارية المصرية الواعدة، حول القضايا نفسها التي شغلت فيما مضى كارلو إنريكو رافا وغيره من العقلانيين الإيطاليين. (انظر مثلا، كتاب فوليه: الهندسة المعمارية الحديثة في مصري ومجلة العمارة 1939 – 1959)، القاهرة، ملف CEDEJ. وضع هذا الكتاب بلغة نثرية واضحة وأنيقة، وهو موضح برسوم معمارية وصور قديمة وأخرى مستنسخة لنشرات سياحية وملصقات وبطاقات بريدية. ومن المفارق أن الكتب التي تتناول تاريخ الهندسة المعمارية ونظريتها عادة ما تكون فقيرة الطباعة؛ وعليه فإن جامعة واشنطن تستحق الإطراء للتصميم الراقي وللصور المستنسخة في كتاب مكلارين الرائع. *مكتب الرئيس، جامعة بيروت الأميركية، لبنان بالتعاون مع: المجلة الدولية لدراسات الشرق الأوسط International Journal of Middle East Studies |
|
|||||||||||||