العدد 54 - ثقافي
 

رسمي أبو علي

ضمن احتفالية كبيرة، أُفتتح مهرجان الفيلم الأوروبي العشرون في الأردن من الفترة 11 إلى 27 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي في مركز الحسين الثقافي في عمان - وقد تم عرض الأفلام بالتوازي مع عرضها في أربع مدن أردنية أخرى هي: إربد، والسلط، والعقبة، والزرقاء.

وأشار السيد دونيس جوير، في كلمته الافتتاحية، إلى أن عدد دول الاتحاد الأوروبي كان 17 دولة عندما بدأ المهرجان في عمان قبل عشرين سنة، أمّا الآن فقد بلغ العدد 27 - الأمر الذي أسهم في إغناء أفلام المهرجان وتنوعها.

ولوحظ أن عدداً كبيراً من الأفلام قد تمت ترجمته إلى اللغة العربية في هذه الدورة، خلافاً للدورات السابقة التي لم تتضمن ترجمة إلى العربية، أما جميع الأفلام فمترجمة إلى اللغة الإنجليزية.

سبعة عشر فيلماً! ما كان لأحد لو أوتي عينين حديدتين وأعصاب بالغة المتانة، أن يشاهد جميع هذه الأفلام، وبخاصة أنها كانت تعرض بمعدل فيلمين لا يفصل بين عرضهما إلاّّ بضع دقائق، رغم ذلك فقد شاهد كاتب هذه السطور عدداً من الأفلام لعلها كافية لتكوين فكرة لا بأس بها، عن هذه الأفلام، ويمكن القول إن السينما الأوروبية تميل عموماً إلى الهدوء وإلى شيء من التأمل بخلاف النمط السائد من الأفلام الأميركية التي تجنح إلى المبالغة والعنف المقزز وأفلام الرعب، وبهذا فإن هذه السينما ذات بعد ثقافي وسوسيولوجي، وسيكولوجي، الأمر الذي يجعلها سينما مثقفة إلى حد كبير.

استيركس في الألعاب الأولمبية

كان هذا فيلم الافتتاح الفرنسي الذي يستلهم الألعاب الأولمبية ويحيلها إلى الزمن الروماني، وإلى رواية شكسبير «يوليوس قيصر»، حيث اشترك بروتس في قتل قيصر على غير توقع من الأخير، بحيث جعله يطلق صرخته المعروفة «حتى أنت يا بروتس».

بروتس في هذا الفيلم، شاب بسيط طامح إلى أن يصبح بطلاً من أبطال الألعاب الأولمبية ليتزوج الأميرة اليونانية الودودة إيرينا، ومن ثم ليطيح بيوليوس قيصر بتصور غير شكسبيري في هذه المرة، لكن بروتس لا يستطيع ذلك إلا بمعاونة صديقيه استريكس، واوبيليكوس، اللذين يمتلكان قوى سحرية غامضة ويساعدانه في الوصول إلى أهدافه.

الفيلم يدور في جو فانتازي، يستحضر الألعاب الأولمبية في روما، حيث مسابقات العربات التي تجرها الخيول وألعاب أخرى عنيفة، كانت سائدة في ذلك الزمان، ولدى مشاهدة الفيلم يكادة المرء لا يتبين هدف الفيلم أو مغزاه، إذ لا يقع على شيء من هذا، وربما كان المخرجان اللذان صنعا الفيلم فردريك نورستيير وتوماس لانجمان، يهدفان إلى خلق جو من المرح والحماسة في مناخات أقرب إلى عالم الأطفال منها إلى عالم الكبار، ويشمل ذلك ألوان الفكاهة في الفيلم، التي كانت من النوع الذي يستخدم الجسد أداة للإضحاك، وهذا هو أشهر نمط وأقدم نمط في إثارة ضحك الأطفال ومن أجل أن يضمن المخرجان المزيد من النجاح، فقد استخدم اثنين من أكبر نجوم السينما الفرنسية هما: جيرار ديبارديو والممثل الوسيم الان ديلون.

آل غريكو

وهو فيلم يوناني يدور حول الفنان اليوناني الذي عاش في القرن السادس عشر دومينيكوس تيتوكوبولوس الشهير بـ «آل غريكو» أي اليوناني.

والفيلم هو ملحمة تتحدث عن هذا الفنان الذي ينتمي إلى عائلة صلبة محاربة، قضى معظم أفرادها في محاربة المحتل لليونان آنذاك، وبدفع من والده وأصدقاء والده، فإن آل غريكو يهاجر إلى جزيرة كريت، باحثاً عن الحب والحرية والنساء الجميلات ومن كريت ينتقل مرة أخرى إلى فينسيا في إيطاليا، لينتهي أخيراً في توليدو الإسبانية، حيث تثير شهرته وعلاقاته النسائية غيرة أحد رجال الدين المتنفذين والذي يسعى إلى تقديمه لمحكمة التفتيش الدينية الرهيبة التي كانت تحرق الناس، وتعذبهم لأقل شبهة، لكن آل غريكو بشجاعته وإيمانه المطلق بحرية الإنسان في التعبير الحر، يتمكن من إقناع المحكمة في بيان يشبه السحر أنه بريء، بل إنه في الحقيقة قريب من روح المسيح.

فيلم مميز عن الفن والحب والحرية، وعن قدرة المبدع على تخطي البربرية والجهل، وقد لوحظ حضور مكثف للجالية اليونانية في الأردن داخل الصالة.

أسرار القلب

وهذا عنوان الفيلم الإسباني الذي أثار اهتماماً وإعجاباً من المشاهدين، وكان قد نال عدداً من الجوائز الدولية.

فيلم أخاذ مليء بالسحر وأسرار عالم الطفولة، المتحولة من الأوهام إلى معرفة حقائق الحياة الخشنة، عن الجنس والموت والحياة.

يتناول الفيلم قصة الصبي جافي وشقيقه اللذين يمضيان إجازتهما الصيفية في قريتهما الواقعة في الجبال، حيث يشعر الصغير جافي بالانجذاب إلى سر مُخبأ في إحدى غرف المنزل التي كانت الأم حريصة على إغلاقها دائماً،و دون أن تسمح لأحد بدخولها، وهي الغرفة التي مات فيها زوجها - والسرّ يكمن في موت الأب، وهل مات ميتة طبيعية أم أنه مات انتحاراً، وبخاصة أننا نعرف بعدئذ أن هذه الزوجة على علاقة بشقيق زوجها، فيما والده الحكيم يرقب الأحداث بحزن وتفهم، مكتفياً بالقول إنه سبق ونبه الجميع إلى ما يمكن أن يحدث.

الصبي جافي يجهد لفهم ما يحدث، ويبدو مندهشاً، وغير عارف بشؤون الحياة، وبخاصة الجنسية، أما شقيقه الذي لا يكبره إلاّ ببضع سنين فيبدو على علم بجميع شؤون الحياة، كأنه رجل ناضج ينظر بموضوعية دون انفعال إلى هذه الحقائق التي تزلزل فضول الصبي جافي.

فيلم معقد مختلف عن عالم الطفولة، وقد غادرتها البراءة والسذاجة، إلى محاولة فهم واستيعاب عالم الواقع بكل قسوته وضرورته معاً.

سوف ننتصر

وهذا عنوان الفيلم الدنماركي عن طالب صغير اسمه فرتيز يتحدى مدير المدرسة المتسلط البيروقراطي، الذي لا يمتثل لقانون وقف ضرب الطلاب في مدارس أوروبا العام 1968، ويواصل ضرب وإهانة الطلاب والمدرسين.

ويستوحى الفيلم أغنية شهيرة كان يرددها اليساريون والثوريون في أوروبا في تلك الأعوام عنوانها we shall over come - سوف ننتصر - وكانت الآمال كبيرة في تلك السنوات بتغيير العالم، وإعادة الإعتبار إلى العالم الثالث.

يمضي هذا الطالب، فرتيز عطلته الصيفية في مشاهدة التلفزيون متأثراً بما يلمسه من رياح التغيير التي كانت تهب على العالم في تلك السنة الحاسمة 1968، حيث وقعت أكبر ثورة طلابية في أوروبا وأميركا، وحيث ظهر داعية الحقوق المدنية مارتن لوثر كنج، الذي تم إغتياله - يتأثر فرتيز بكل هذا ويختزنه كطاقة ثورة وتمردة، تظهر لاحقاً عندما يتحدى المدير المستبد في مشهد لا ينسى، حيث يأخذ المدير بصفع فرتيز بقوة أمام زملائه - لكن فرتيز لا يتراجع ولا يخاف، وإنما يصرخ في وجه المدير بصوت عالٍ: كاذب ويصفعه مرة واثنتين وثلاثة، وفرتيز صامد يصرخ في وجه المدير: كاذب - أما زملاء فرتيز فيتوحدون به نفسياً وجسدياً، ولا يبدون أي اهتمام بأوامر المدير.. وفي تلك اللحظة ومع ازدياد حدة الصفع، وقعت المفاجأة وانهار المدير مرة واحدة وليس فرتيز ينهار ويسقط على الأرض، وينقل إلى المستشفى، لكنه يموت بعد قليل وهنا نحس بمدى شجاعة ونبل هذا الطالب الذي واجه هذا المدير، في الوقت الذي جبن فيه أستاذه ومرشده أمام المدير متخلياً عن فرتيز. إنه فيلم يمجد الشجاعة والحرية، ويدعو إلى مواجهة القديم والتقليدي البالي.

أفلام أخرى

هناك أفلام أخرى منها الفيلم الألماني «حياة الآخرين»، وهي قصة من قلب النظام الحاكم آنذاك في ألمانيا الشرقية، في دراما مؤثرة تلقى الضوء على أنظمة التجسس على الأفراد من قبل (الستاسي) وهو اسم المخابرات السرية لألمانيا الشرقية في العهد السوفييتي.

وهناك الفيلم الهنغاري «عطلة نهاية أسبوع طويلة في بيشت وبودا»، عن رجل يزور أمكنة الماضي ليواجه الخيار بين ثلاث نساء في حياته.

وهناك فيلم «المنعزلون» التشيكي، وهو كوميديا ضاحكة باكية معاً، تتحدث عن جيل الشباب الذي يلتمس المحبة والتفاهم، في خضم المتغيرات الكبيرة في نهاية القرن العشرين.

العروض السبعة عشر لسبع عشرة دولة أوروبية، شكلت نموذجاً فنياً واجتماعياً وسياسياً لمناخات أوروبا الحالية.

المهرجان العشرون للفيلم الأوروبي: سينما اليومي والاجتماعي تُعنى بسَبْر أعماق الإنسان
 
04-Dec-2008
 
العدد 54