العدد 54 - حريات
 

دلال سلامة

رغم الجدل الذي أثاره اقتراح تقدمت به منظمة المؤتمر الإسلامي إلى الأمم المتحدة في الربيع الماضي، يهدف إلى أن تتضمن قراراتها عبارة تنص على "عدم جواز التشهير بالأديان بشكل مطلق"، ورغم أن مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة رفض هذا الاقتراح في جلسة عقدها في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، فإن لجنة تابعة للأمم المتحدة تبنت مؤخرا قرارا يدعو إلى منع تحقير الأديان، وذلك تمهيدا لعرضه على الجمعية العامة المؤلفة من 192 عضوا، وقد حظي القرار بأغلبية بلغت 85 صوتا، في حين صوت ضده 50، وامتنع عن التصويت 42 صوتا.

الاقتراح كان قد تعرض في حينه إلى معارضة كبيرة من منظمات مجتمع مدني، وجماعات تعمل في مجال حقوق الإنسان وحرية الصحافة في العالم، شنت عليه حملات إعلامية مكثفة، لأنها رأت أنه يتسق مع الميل المتنامي إلى استخدام قوانين حظر التشهير بالأديان لتقييد حرية التعبير.

القرار الذي صوتت الدول الغربية ضده، جاء بعد أيام من انتهاء مؤتمر الحوار بين الأديان من أجل السلام، الذي دعا إليه العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز، وجمع لمدة يومين في الجمعية العامة للأمم المتحدة ممثلين عن 80 دولة.

وقد عبر القرار عن "القلق العميق لكون الحملة الشاملة لتحقير الأديان تجاه الأقليات الإسلامية قد تكثفت منذ التطورات المأساوية التي وقعت في 11 أيلول سبتمبر 2001".

كما حثّ الدول على "تطبيق القوانين السارية، وعند الضرورة تعزيزها، عندما توجه أعمال وتظاهرات أو تصريحات عنصرية ضد الأقليات والمهاجرين، وذلك من أجل وضع حدّ للإفلات من العقوبة التي يتمتع بها الذين يقومون بهذه الأعمال".

وقد وصفه هيليل نيفير، مدير منظمة يو إن ووتش بأنه يقع في " سلسلة قرارات صادرة عن الأمم المتحدة، وتسعى بشكل خطير إلى إدخال المحرمات الإسلامية ضد التجديف في معجم القانون الدولي".

وينفي ناشطون في مجال حقوق الإنسان الحاجة إلى ترسيخ تحقير الأديان كمفهوم جديد. يقول غيثو مويجاي المقرر الخاص لموضوع الأشكال المعاصرة من العنصرية ورهاب الأجانب والتعصب في مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة إن "التشريعات الحالية الخاصة بموضوع الحثّ على الكراهية العرقية والدينية كافية".

الباحث في التراث الإسلامي سيد القمني، الذي حوكم في العام 97 بتهمة ازدراء الأديان بسبب كتابه (ربّ الزمان)، يلفت إلى الخلط الحاصل بين نقد الأديان وازدرائها: "ازدراء الدين هو شتمه، أما نقده فهو التحليل العلمي للنصوص الدينية. ولكننا كمسلمين نفتقر إلى هذا التمييز، فنحاكم البحث العلمي بصفته ازدراء للدين".

أما الشاعر الأردني موسى حوامدة، الذي تعرض هو أيضا في العام 2002 إلى اتهامات بالردة وتشويه القرآن، بسبب ديوانه الشعري (شجري أعلى) فيعلّق على الإشكالية التي تطرحها قرارات مثل هذه ويتساءل عن "الجهة التي يمكن أن تحدد إن كان الفعل المقصود هو تحقير للدين، أو أنه ببساطة حرية تعبير".

حوامدة يرى أن من ينتدب للفصل في هذه القضايا هم شيوخ الدين، الذين لا يمتلكون علمهم الديني، ولا يملكون في المقابل أدوات حقيقية تؤهلهم للحكم في قضايا الأدب والإبداع.

لكن القمني يشكك حتى في العلم الديني الذي يدعي هؤلاء امتلاكه، ويرى أن لجوء المتدينين إلى إرهاب العلماء والمبدعين بتكفيرهم واستباحة دمائهم، هو دليل على فقرهم المعرفي، وعدم قدرتهم على مقارعة الحجة بالحجة.

القمني، لفت أيضا إلى المفارقة التالية: الدول الإسلامية التي تقدمت بمشروع القرار ودعمته، هي "من يمارس احتقار وازدراء الأديان في وسائل إعلامها، ومناهجها الدراسية، وخطب شيوخها الدينية، وفي الأشرطة والكتب التي تباع على أرصفة شوارعها، وتحرّض على أتباع الديانات الأخرى، دون أن نسمع مرة واحدة أن مسلما رفعت ضده قضية ازدراء دين المسيحي أو اليهودي".

السؤال الذي يطرح نفسه: هل نحن بحاجة إلى تشريعات تنظم أشكال التعبير المختلفة، عندما يتعلق الأمر بالأديان؟

جان باتيست ماتيي، المتحدث باسم الاتحاد الأوروبي، يرى ذلك، ولكنه يشدد على ضرورة التمييز بين "انتقاد الأديان، والحثّ على الكراهية الدينية"، لافتا إلى أن الكراهية الدينية هي ما يجب حظره.

حظر الحث على الكراهية الدينية هو مفهوم لا يتعلق بالأديان السماوية فقط، فالبوذيون والهندوسيون والشنتويون وغيرهم، هم أيضا أصحاب عقائد ويمتلكون الحق في الحماية.

حظر التشهير بالأديان: قرار أممي يوقف جدلا ويثير نقاشات
 
04-Dec-2008
 
العدد 54