العدد 54 - كاتب / قارئ | ||||||||||||||
الضجة التي أثارها في مصر الكاتب اليهودي برونو أليوا في كتابه «الطب عند الفراعنة» ونسب فيه تقدم الفراعنة في علوم الطب إلى «اليهود» ليست جديدة، فقد سبقته ادعاءات عدة في هذا الشأن. وقد أكد زاهي حواس، رئيس المجلس الأعلى للآثار»رفضه التام لما جاء بالكتاب جملة وتفصيلا، واصفاً مؤلفه بالتدليس فى سرد الأحداث». ليس بعيدا عن الأذهان ما زعمه مناحيم بيغن عن بناء الأهرامات الفرعونية إلى العبرانيين «على اعتبار أن اليهودية بشكلها الحالي لم تكن قد برزت الى الوجود في تلك العهود»، وهو ادعاء قال به بعض علمائهم وساستهم، وتبناه فيلم أنتجته هوليوود في الخمسينيات، وجاءت مدرسة خاصة للغات بالقاهرة العام الماضي، لتورد في بعض موادها الدراسية أن «اليهود هم بناة الأهرامات»، وأن المصريين القدماء كانوا «يقتلون ويعذبون اليهود الذين لم يشاركوا في بناء الأهرامات»، ما دعا المجلس الأعلى للآثار لمقاضاتها. ويكفي لتفنيد ذلك أن الهرم الأكبر الذي بناه الفرعون خوفو، واستغرق بناؤه عشرين عاما بني قبل أكثر من 4500 عام، فيما دخل أول وفد عبراني الى مصر عام 1490 ق.م. لا شك أن العبرانيين الذين استوطنوا مصر حتى مجيء النبي موسى الذي أخرجهم منها، كانت لهم مساهماتهم في الحضارة الفرعونية، لكن تلك المساهمات انصبت في إطار الحضارة الأشمل، كما هو الحال في الحضارة الإسلامية، حيث برز الطبيب موسى بن ميمون، على سبيل المثال، وقد يكون من بين جمهرة أطباء طيبة وممفيس القدماء، بابليون وعرباً وحثيون وأفارقة ويونانيون وعبرانيون أيضاً، استوطنوا مصر وصاروا من جملة أهلها. وقد وصلت إلينا عدة برديات تبحث في الشؤون الطبية، وأعظمها قيمة بردية أدوين اسمث، وسميت كذلك نسبة إلى مستكشفها وهي ملف طوله خمسة عشر قدماً، ويرجع تاريخها إلى عام 1600 ق. م تقريباً، وتعتمد على مراجع أقدم منها كثيراً. وتعد هذه البردية أقدم وثيقة علمية معروفة في التاريخ، وتصف ثماني وأربعين حالة من حالات الجراحة التطبيقية، تختلف من كسر في الجمجمة إلى إصابة النخاع الشوكي.وتشتمل على وصف لعلاج كسور الفك، كسور في عظمة الترقوة، ووصف لطرق كثيرة للجبس والجبائر. وفي مجال الجراحة :وصف للفتق، وصف للانتفاخ الشرياني،وصف لبعض العمليات الجراحية مثل بتر الأطراف - حصوة المثانة – بعض عمليات صغيرة للعين – الطهارة للذكور في مقبرة سقارة. وفى بردية إدوين سميث هناك وصف للعلاج الجراحي بالغرز للجروح،وهو أول وصف لاستخدام الغرز في علاج الجروح في التاريخ. ومن البرديات المهمة بردية ابريس الشهيرة التي تعود لعهد الملك امنحتب الأول، ثاني ملوك الأسرة الثامنة عشرة والدولة الحديثة، وابن الملك المحارب، احمس الأول طارد الهكسوس.حكم أحمس الأول من 1550 ق.م. حتى 1525 ق.م. وهي من أشهر البرديات الطبية والتي تم الاعتماد عليها في معرفة الكثير من أسرار الطب المصري القديم،ومدى تفرده في بعض المجالات مثل العمليات الجراحية والطب البيطري والتوصل لتقنيات علاجية متقدمة مثل استعمال أمعاء القطط والكلاب في خياطة الجروح. و كان الأطباء من دول الجوار، وبخاصة من اليونان، يقصدون مصر لتلقي التعليم الطبي والخبرة الطبية من مصر القديمة. وأكد «هيرودوتوس» بأن الأطباء في مصر القديمة كانوا يتمسكون باحترام التخصصات المختلفة،وكان كل طبيب يختص بفرع أو تخصص واحد معين فلقد كان فى مصر القديمة أطباء للعيون، للأذن، للأسنان، للرأس، وللبطن. كما كان هناك تدرج أو سلم وظيفى أو كادر وظيفى بين الأطباء: الممارس العام، الاختصاصي، الاستشاري، مدير المستشفى أو الفرع، ثم مدير الغدارة وما يشبه وزير الصحة. كما أن الأطباء فى مصر القديمة يتنوعون إلى: أطباء للعامة، أطباء للعائلة المالكة، وأطباء مبعوثون الى الدول المجاورة. وقد بلغ من شهرة أطباء الفراعنة أن قورش استدعى واحداً منهم إلى بلاد الفرس. قصارى القول إن الحضارة الفرعونية كل متكامل، في كافة المجالات الطبية والعلمية والثقافية والفنية والفلكية، ولا يستقيم ادعاء نسبة جزء منها إلى شعب آخر، إذ إن التقدم كان حاصلاً في كل الأجزاء، ينسب بشكل لا يقبل الجدل إلى الشعب العظيم الذي استوطن وادي النيل، وترك من الآثار والمعلومات ما يخلد ذكره على مر القرون. عزت سلطان |
|
|||||||||||||