العدد 54 - كاتب / قارئ | ||||||||||||||
تشاء الصدف أن يولد عزمي بشارة في العام الذي لم يمر على فلسطين، والأردن، وسورية، ومصر أسوأ منه وأشد خطورة على مصير هذه الأقطار، والأمة العربية قاطبة، بعد مرور ثماني سنوات على حلول نكبة فلسطين 1948، فمجزرة كفرقاسم والعدوان الثلاثي على مصر (حرب السويس)، والعمليات العدائية المتكررة على مواقع الجيش العربي الأردني، والمخافر الحدودية في قلقيلية، وجبل الخليل، وبيت لحم في 1956 ومن قبل على مدرسة قبية، ونحالين ووادي فوكين 1953 من قبل الوحدة الخاصة «101» بقيادة أرئيل شارون، واسحق رابين، لم تأت هذه الحملات العسكرية الإسرائيلية صدفة، لأنها جرت بفعل تخطيط مسبق لإجهاض أي مشروع عربي لمراجعة الذات ومحاسبة النفس نتيجة لهزيمة 1948، مع خلق حالة من التوتر داخل هذه الدول وشعوبها ناهيك عن أعمال التخريب في مصر قبيل شن العدوان الثلاثي (الإسرائيلي، والإنجليزي، والفرنسي) في 29/10/1956، فتركت هذه الأحداث الجسام بصماتها لدى المجتمع العربي في الكيان الإسرائيلي، فنشأت بفعل ذلك حركات وطنية وقومية تدعو للتصدي للاستراتيجية الصهيونية في مصادرة الأراضي وعمليات التهجير القسري وطرد العمال والمزارعين من الحقول والمصانع وملاحقتهم، فأصبح هذا التوجه المعادي الشغل الشاغل للكيان الإسرائيلي منذ إقامته بضرب أي نشاط وطني سياسي واجتماعي واقتصادي داخل الأراضي المحتلة، مما حمل عزمي بشارة على التخلي عن عضوية الكنيست وقيادة الحزب في الداخل الفلسطيني إلى نائبه في الحزب والانتقال إلى خارج الوطن لشعوره بأن هناك مكيدة مدبرة ضده قوامها سحب المواطنة بعد أن أقرته الكنيست في نهاية آب/أغسطس الماضي بناء على طلب تقدم به رئيس الليكود العالمي داني دنون، ورغم المؤتمرات والندوات الوطنية التي نظمت في الداخل الفلسطيني 1948، ومن بينها مؤتمر تشرين الأول 2005 حول المكانة القانونية للجماهير العربية على أرضها التي جمعت لفيفاً من الخبراء والخبيرات للبحث في القضايا المتعلقة بالوضع القانوني لهؤلاء المواطنين لمواجهة التغييب والإساءة إلى مكانتها في القوانين الأساسية والدستور حيث بحثت هذه المؤتمرات قضيتين مركزيتين، الأولى: مكانة الجماهير العربية في القانون والدستور، والثانية: الحد الفاصل بين حرية التعبير والتحريض العنصري بينما في الكيان الإسرائيلي، بالمقابل، يتعزز الإتجاه بالتعامل مع المواطنة كحق مشروط يمكن إلغاؤه بذرائع مختلفة وغريبة أيضاً، والقانون القائم يخول وزير الداخلية نزع حق المواطنة بذريعة «خيانة الولاء للدولة» والتوجه بصورة غير قانونية الى دولة معادية، إلاّ أنه تم في آب/أغسطس تغيير القانون ونقلت الصلاحيات إلى المحكمة. وهذه التعليمات لم تطبق عملياً، حتى 2002 عندما طبقها وزير الداخلية، إيلي يشاي، على عربيين يحملان الجنسية الإسرائيلية، قيس عبيد، الذي فر إلى لبنان بتهمة الانضمام إلى قيادة حزب الله، وناهض أبو كشك، الذي أتهم بالعضوية في حماس، وممارسة الإرهاب. القانون موجه ضد جمهور بعينه - المواطنون العرب في إسرائيل - وهذه الحالة تنطبق على عزمي بشارة، الذي قامت محكمة العدل العليا بتاريخ (3/9/2008) برفض دعوى قدمت لتجريده من جنسيته (وحرمانه) من حقوق التقاعد. وعقّب المحامي رياض أنيس، محامي بشارة، على جلسة المحكمة يوم 1/9/2008 :«أنكر عزمي بشارة بالماضي وما زال ينكر كل التهم الموجهة ضده جملة وتفصيلا، ونحن نعتقد بأنه لا توجد أرضية قانونية لسحب مواطنته، ولكن ليس من المستبعد سن المزيد من القوانين الموجهة ضد بشارة، في كل الأحوال، نحن في معركة مفتوحة ضد القوانين والممارسات العنصرية، وسنتصدى بكل قوة لحملات الملاحقة السياسية التي تقوم بها أذرعة السلطة المختلفة». إن المتتبع لمجريات قضية بشارة يدرك أن الصهيونية وضعتها في إطار أوسع وأشمل خارج نطاق الكيان الإسرائيلي، لأن داني دنون، رئيس الليكود العالمي، يسعى جاهداً إلى إجهاضها في الداخل قبل أن تستفحل وتشكل ظاهرة عالمية تخشى الصهيونية تكرارها وتعميمها، فقد توجه أي تهمة لأي مواطن عربي بالخيانة لأي سبب مهما كان تافهاً ومعها يتم سحب مواطنته بسهولة، إذ يجب التشدد في الموقف. وكان عوزي بن زيمان، أحد المحررين في صحيفة هآرتس، قد علق على حالة بشارة بقوله: «إن سحب الجنسية، قانون عنصري مناهض للعرب» وكان المعهد الإسرائيلي للديمقرطية قد علّق على موضوع سحب المواطنة من خلال الكاتبين (أفرات رحاف، ومردخاي كرفيتش) بقولهما: المواطنة هي مكانة تتمخض عنها حقوق المواطن وواجباته تجاه الدولة، ومن المعتاد أن لا تجرد الدولة مواطناً من جنسيته الوحيدة. وفي أميركا قررت المحكمة العليا أن نزع المواطنة من المواطن، يخالف الدستور. والآن أين بشارة من الجواسيس والخونة اليهود أو المجرمين الذين ألحقوا الضرر بأسس وجود الدولة (يغآل عمير مثلاً)، فهذا المطلب يطرح فقط في سياق أعمال الخيانة والتعاون مع العدو، وأين خطورة بشارة مقارنة بسلوك الجاسوسين (ماركوس كلينبرغ، وباروخ بار) اللذين أرسلا أسرار الدولة الأكثر حساسية طوال سنيّ الاتحاد السوفييتي، ولماذا تعتبر سلوك مردخاي فعنونو، أخف من المواطنين العربيين اللذين قاما يشاي بإلغاء حقهما في المواطنة (قيس عبيد، وناهض أبو كشك)، وإذا كانت الكنيست صوتت في القراءة الأولى على سحب المواطنة (الجنسية) من بشارة، فلماذا لا تأخذ بعين الاعتبار بأن هناك مواطنين عرباً أقاموا خارج الحدود مثل: عماد شقور، وصبري جريس، وآخرين سُمح لهم بالعودة إلى مدنهم وقراهم بعد عقود من السنين قضوها خارج الوطن المحتل يشفع لهم في ذلك أنهم أصلاً من حملة الجنسية الإسرائيلية، وهناك قضيتان هامتان يمكن دمجهما في البحث هما مصير المواطنين العرب الفلسطينيين في الداخل الذين إلى الآن لم يسمح لهم بحمل الجنسية الإسرائيلية وعوضاً عنها منحوا صفة مقيمين لا مواطنين، وضرورة التطرق إلى القرى والبلدات الفلسطينية غير المعترف بها، والتي يزيد عددها على (50) قرية ومعظمها في النقب المحتل. سمير سمعان |
|
|||||||||||||