العدد 53 - أردني
 

حسين أبو رمّان

قبل أن يستكمل قانون الجمعيات الجديد رقم 51 لسنة 2008، مراحله الدستورية بتصديق الملك له ونشره في الجريدة الرسمية بتاريخ 16 أيلول/سبتمبر الماضي، اعترفت الحكومة بالحاجة لتعديله.

ففي لقاء جمع رئيس الوزراء نادر الذهبي مع ممثلين عن منظمات المجتمع المدني في 8 أيلول/سبتمبر الماضي، أعلن رئيس الوزراء، خلال اللقاء، أن الحكومة تفكر جدياً بإعادة النظر في قانون الجمعيات، وطلب تزويده بأبرز التعديلات التي يعتقدون أن من الضروري إدخالها على القانون.

اقتراح الحكومة لمشروع قانون الجمعيات ثم إقراره من قبل مجلس الأمة على النحو الذي صدر فيه، واجه انتقادات واسعة، ليس فقط من قبل منظمات المجتمع المدني في الأردن، وإنما كذلك من قبل منظمات دولية تعنى بحقوق الإنسان مثل الشبكة الأورو متوسطية لحقوق الإنسان، و«هيومان رايتس وتش»، بمناسبة انعقاد مجلس الشراكة بين الاتحاد الأوروبي والأردن، في 23 تموز/يوليو الماضي. لكن رئيس الوزراء نفى أن يكون اهتمام الحكومة بالتجاوب مع المقترحات التي تبديها منظمات المجتمع المدني قد جاء «خضوعاً لضغوطات خارجية».

طالب السقاف، رئيس مرصد الإنسان والبيئة، الذي شارك في اللقاء مع رئيس الوزراء، ذكر أن اللقاء جاء إثر مذكرة وجهتها 16 منظمة تمثل «تحالف المجتمع المدني» للملك عبدالله الثاني، وطلبت لقاءه لشرح اعتراضاتها على مشروع القانون قبيل التصديق الملكي عليه.

وبرغم أن منظمات المجتمع المدني زوّدت الحكومة بمقترحاتها التعديلية، وكذلك فعلت المنظمات الدولية، فإن الحكومة تلكأت في تقديم مشروع قانون معدّل لقانون الجمعيات حتى الآن. علماً بأن وزيرة التنمية الاجتماعية هالة لطّوف طلبت في لقاء جديد مع ممثلين عن منظمات المجتمع المدني، عقدته يوم 29 تشرين الأول/أكتوبر الماضي، تحديد أولوية التعديلات التي يرون إدخالها على القانون.

رجاء حياري، المديرة التنفيذية لمركز شركاء الأردن، شاركت في اللقاءين المشار إليهما، وأوضحت أن منظمات المجتمع المدني قدمت مذكرة تفصيلية تتضمن مقترحات شاملة لتعديل القانون بعد اللقاء مع رئيس الوزراء، وأضافت أن «الوزيرة لطّوف عادت فطلبت التركيز على الأولويات المقترحة، ما حدا بتحالف المجتمع المدني توجيه مذكرة جديدة، اشتملت على أربعة بنود».

وبحسب الحياري، فإن البند الأول في المذكرة طالب بمبدأ القيد والإشهار لإنشاء الجمعيات وعملها، وبأن يكون القضاء، دون غيره، الجهة المختصة بالنظر في المنازعات أو القضايا التي يثيرها إنشاء أو عمل الجمعيات، والمحافظة على المراكز القانونية المكتسبة والشركات غير الربحية القائمة واعتبارها مسجلة حكماً وإلغاء المادة التي تنص على توفيق أوضاعها (28/ب). أما البند الثاني، فقد أكد على حق الجمعيات في تلقي الدعم المادي والمعنوي محلياً ودولياً وعربياً وفقاً لأنظمتها الداخلية وأهدافها على أن يكون التمويل غير مشروط. واقترح البند الثالث تناسب الجزاءات مع المخالفات، مع عدم توقيع عقوبات جزائية على أعضاء الجمعيات، فيما طالب البند الرابع والأخير، بأن تكون القيود المفروضة على نشاط الجمعيات منصوصاً عليها حصراً في القانون.

قانون الجمعيات الجديد، يتسم بالتضييق على استقلالية الجمعيات، وجاء مخيباً للآمال إذ إن القانون القديم، قانون الجمعيات والهيئات الاجتماعية رقم 33 لسنة 1966، كان أقل تشدداً. بهذا لا يكون «الجديد» قد استهدف التطوير ومواكبة التقدم الذي طرأ على الجمعيات بأنواعها في العقدين الأخيرين، بل فرض مزيداً من القيود على حرية التنظيم التي يكفلها الدستور.

هاني الحوراني، مدير عام مركز الأردن الجديد للدراسات، الذي شارك في لقاء تحالف المجتمع المدني مع رئيس الوزراء، يعتقد أن الحكومة سوف تتقدم قريباً بمشروع قانون معدّل لقانون الجمعيات، لكنه لم يبد تفاؤلاً حيال المدى الذي ستذهب فيه الحكومة في تعديلاتها، لافتاً إلى أن «مضمون التعديل وحدوده ومداه يتوقف على أجواء الحكومة وديوان التشريع».

يدخل قانون الجمعيات حيز التنفيذ بعد مرور 90 يوماً على نشره في الجريدة الرسمية، أي في منتصف الشهر المقبل. ويعطي القانون للجمعيات مهلة عام لتوفيق أوضاعها وفق أحكامه، ويحق للوزير المختص تمديد هذه الفترة سنة أخرى.

الجمعية هي أي شخص اعتبــاري مؤلف من مجموعة من الأشخاص يتم تسجيله وفقاً لأحكـــام قانون الجمعيات رقم 51 لسنة 2008 لتقديم خدمات أو القيام بأنشطة على أساس تطوعي دون أن يستهدف الربح واقتسامه أو تحقيق أي منفعة لأي من أعضائـه أو لأي شخص محدد بذاته، أو تحقيق أي أهداف سياسية. أما الحد الأدنى من المؤسسين اللازم لتشكيل جمعية فهو 11 شخصاً.

تتألف الجمعيات في الأردن من عدد واسع من المنظمات التي تصنف باعتبارها «منظمات غير حكومية»، وتسجل كل فئة من هذه الجمعيات لدى وزارة ذات صلة بتخصصها. هذه المنظمات هي: جمعيات خيرية تنضوي تحت لواء الاتحاد العام للجمعيات الخيرية، من ضمنها: جمعيات نسائية يجمعها الاتحاد النسائي الأردني العام. كما تضم هذه المنظمات: جمعيات بيئية، جمعيات حقوق إنسان، جمعيات وروابط ثقافية، هيئات اجتماعية، وهي فئات متعددة من الجمعيات التي لا يربط بينها سوى نسبها إلى قانون الجمعيات كناظم لعملها وإلى وزارة الداخلية كجهة ترخيص.

تشتمل الهيئات الاجتماعية على منظمات نسائية مثل: تجمع لجان المرأة الوطني الأردني، واتحاد المرأة الأردنية، جمعيات أعمال مثل جمعية رجال الأعمال الأردنيين، وجمعية البنوك في الأردن، روابط عائلية، أندية خريجين، جمعيات صداقة مع بعض الدول، وغير ذلك.

تتمثل شروط تسجيل الجمعيات بتقديم طلب إلى «مراقب السجل» في وزارة التنمية الاجتماعية على أنموذج معد لهذه الغاية، على أن يرفق به ثلاث نسخ من: قائمة بأسماء الأعضاء المؤسسين، مع تبيان أماكن إقاماتهم ومهنهم وأعمارهم ومؤهلاتهم، النظام الأساسي للجمعية، وتصريح موقع عليه من المؤسسين يعلنون فيه موافقتهم على النظام الأساسي وعلى اسم الشخص المفوض بمتابعة إجراءات التسجيل.

يقدم طلب التسجيل ومرفقاته إلى مراقب السجل أو إلى مديرية التنمية الاجتماعية في المحافظة، والتي يجب أن ترسله إلى مراقب السجل خلال أسبوع من تاريخ وروده، وعلى مراقب السجل التحقق من استيفاء الطلب للشروط القانونية. ويحدد مراقب السجل الوزارة المختصة في ضوء غايات الجمعية وأهدافها، ويرسل الطلب ومرفقاته إلى الوزير المختص خلال 60 يوماً من تاريخ استلامه الطلب.

إذا لم يصدر الوزير المعني قراراً بشأن طلب التسجيل أو إشعاراً بوجود نقص خلال مدة الـ 60 يوماً، يعتبر الطلب موافقاً عليه حكماً. أما إذا قرر الوزير الموافقة على الطلب أو جرت الموافقة عليه حكماً، فإن على مراقب السجل استكمال إجراءات قيد الجمعية في السجل خلال 15 يوماً من تاريخ الموافقة.

الفترة القصوى اللازمة لترخيص جمعية، إذا كان طلب التسجيل مستوفياً الشروط، هي شهران ونصف الشهر، يضاف إليها أسبوع إذا قدم الطلب إلى مديرية تنمية اجتماعية. لكن إذا رفض الوزير المختص الموافقة على تسجيل الجمعية، يقوم مراقب السجل بتبليغ المؤسسين بهذا القرار. ولهؤلاء، الحق في أن يطعنوا بالقرار أمام محكمة العدل العليا.

نص القانون الجديد على إنشاء «سجل الجمعيات» الذي يشرف عليه موظف يسمى «مراقب السجل»، يعين بقرار من مجلس الوزراء. لكن هذا السجل لا يتمتع بأية استقلالية، فالسجل ينشأ في وزارة التنمية الاجتماعية، ويرتبط مراقب السجل بوزير التنمية الاجتماعية.

يتولى مراقب السجل، بالتنسيق والتعاون مع الوزارات المعنية، تحديد الوزارة المختصة بكل جمعية وفقاً لنظام خاص سيصدر لهذه الغاية، وقيد الجمعيات في السجل وإصدار شهادة تسجيل لها.

كما نص القانون على إنشاء «صندوق دعم الجمعيات» في وزارة التنمية الاجتماعية، الذي يتمتع بشخصية اعتبارية واستقلال مالي وإداري، وتتولى إدارته لجنة برئاسة الوزير وعضوية كل من مراقب السجل نائباً للرئيس وممثل عن كل وزارة مختصة، إضافة إلى ثلاثة من ممثلي الجمعيات. وتتكون موارد الصندوق من: ما يرصد له في الموازنة العامة، أي هبات أو تبرعات أو منح شريطة موافقة مجلس الوزراء عليها إذا كانت من مصدر غير أردني، ريع استثمارات الصندوق، وغير ذلك. ويتعين صدور تعليمات عن مجلس الوزراء تحدد أوجه الإنفاق ودعم الجمعيات من أموال الصندوق.

ائتلاف من منظمات المجتمع المدني، كان قدّم بديلاً متكاملاً لقانون الجمعيات القديم عبر صياغة «مشروع قانون لمنظمات المجتمع المدني»، بالتعاون، ومباركة وزارة التنمية السياسية العام 2007، غير أن هذا المشروع «دفن» في ديوان التشريع، ولم ير النور.

مشروع قانون الجمعيات الذي أعدته الحكومة أخذ بعض المسميات من مشروع منظمات المجتمع المدني، مثل «سجل الجمعيات» و»صندوق دعم الجمعيات»، إلا أنه أفرغهما من محتواهما المتطور.

ما قصدته منظمات المجتمع المدني من إنشاء «السجل الوطني لمنظمات المجتمع المدني» هو أن يتمتع بشخصية اعتبارية ذات استقلال مالي وإداري، لتناط به مهام التسجيل والإشهار للمنظمات، ومراقبة عملها، وتوفير الدعم لها على قاعدة عدالة التوزيع. ويدير السجل، وفق تلك الرؤية، مجلس إدارة يتشكل بقرار من مجلس الوزراء مشتملاً على تمثيل حكومي ومدني متوازن مع ممثلين عن الجامعات والقطاع الخاص والمجالس المحلية المنتخبة. لكن مشروع القانون بدل أن يستفيد من هذه الرؤية، نص على إنشاء سجل للجمعيات للقيام بالأعمال الإدارية التي كانت تقوم بها وزارة التنمية الاجتماعية دائماً.

رغم أنه بديل لمشروع سابق سحبته الحكومة: قانون الجمعيات على بساط التعديل قبل نفاذه
 
27-Nov-2008
 
العدد 53