العدد 53 - أردني | ||||||||||||||
نهاد الجريري تزامن ظهور الهيئات الاجتماعية والتنظيمات الاجتماعية الخيرية مع نشوء الدولة الأردنية، لذا لم يكن غريبا أن يكون نمو هذه الجمعيات، من حيث الكم النوع، انعكاسا للتحولات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي ما زال يشهدها المجتمع الأردني. مركز الأردن الجديد اعتبر في دراسة له عن المجتمع المدني هذه الهيئات أقدم أشكال التنظيمات المدنية في الأردن. ومن أمثلة ذلك جمعية النهضة الأرثوذكسية التي ظهرت في العام 1925، وجمعية الإخاء الشركسية في 1932، وجمعية المقاصد الحجازية في 1931. وفي إصدار آخر للمركز نفسه، يلحظ المؤلفون أن هذه الجمعيات التي تمثل «الجيل المبكر» من المنظمات المدنية كانت تمثل مصالح إثنيات أو أقليات عرقية. ويعللون ذلك بأن تكوين الاقتصاد الأردني في تلك الفترة كان معتمدا على الزراعة البدائية والرعي، الأمر الذي أملى «أشكالا من التنظيم الاجتماعي تتناسب مع طبيعة النشاط الاقتصادي الذي كان يتسم بالتفتت والعزلة». وعليه، ظهر «التضامن» وهو أساس العمل الخيري، على مستوى القرابة أو الدين أو العشيرة أو الوحدة الجغرافية الصغيرة. يُضاف إلى ذلك أن الأقليات، آنذاك، كانت أكثر استعدادا وإدراكاً لتنظيم نفسها وتلبية مصالحها سواء فيما يتعلق بالتعليم أو الثقافة أو التكافل الاجتماعي. في هذه الفترة تأسست الكلية العلمية الإسلامية في نهاية الأربعينيات. هذه السمات انسحبت على الجمعيات الخيرية التي تشكلت في الفترة الأولى من 1921 - 1948، أما في المرحلة التالية من 1948 إلى 1967، فقد فرضت نكبة فلسطين «توسيعا لقاعدة العمل التطوعي»؛ وظهرت أشكال متنوعة من الجمعيات الخيرية التي عملت في مجال الإغاثة والرعاية الصحية والعون الاجتماعي والإنساني. وهكذا زاد عدد الجمعيات الخيرية من 65 العام 1953 إلى 102 جمعية العام 1955 ثم إلى 196 العام 1958. رافق هذا التوسع والتنوع إنشاء الحكومة الأردنية دائرة خاصة للشؤون الاجتماعية العام 1949، كما صدر في 1951 قانون وزارة الشؤون الاجتماعية التي أنيط بها الإشراف على الحركة التطوعية، فأنشأت أقساما خاصة بالتأهيل ورعاية الأسرة. في 1956، صدر قانون لتسجيل وتنظيم أعمال الجمعيات الأهلية الخاصة برعاية الأطفال والعجزة والأيتام. من أبرز جمعيات تلك الفترة، جمعية الشابات المسيحيات العام 1950 التي تركزت على جهود إغاثة المنكوبين إذ أسستها لاجئات من عكا والقدس. كما نشطت في هذه الفترة الجمعيات الدينية والإثنية، مثل: جمعية الثقافة والتعليم الأرثوذكسية عام 1957، جمعية مار منصور 1961، جمعية وادي السير النسائية 1962، وهي أول جمعية نسائية شركسية، الهيئة الاجتماعية للكنيسة الإنجيلية الحرة 967،. كما توسعت الجمعية الخيرية الشركسية بإقامة خمسة فروع لها في صويلح 1959، الرصيفة 1961، وادي السير 1961، ناعور والزرقاء 1964. وربما كان من أبرز معالم هذه المرحلة خطوة تجميع الجمعيات الخيرية على مستوى اللواء في اتحادات لوائية تطورت إلى الاتحاد العام للجمعيات الخيرية في 1959، الذي ضم في نهاية هذه الفترة 226 جمعية في الضفة الشرقية، و239 جمعية في الضفة الغربية. احتلال الضفة الغربية العام 1967 مثل بداية مرحلة أخرى في تطور الجمعيات الخيرية في الأردن امتدت حتى العام 1989. فبعد الحرب اضطلعت الجمعيات القائمة بأعمال إغاثة متضرري الحرب، وبخاصة النازحون في المخيمات. في المقابل، تسببت الحرب وما تلاها من اضطرابات في هبوط حاد في عدد الجمعيات في محافظات الضفة الشرقية. في نهاية 1967 وصل عددها 137 جمعية فقط. إلا أن أعدادها عاودت الارتفاع لتبلغ 186 في نهاية 1972. أما في الثمانينيات فقد شهدت أعداد الجمعيات الخيرية طفرة، إذ نمت من 221 جمعية في 1980 إلى 433 جمعية في 1989، أي بنسبة 96 في المئة. تشير دراسة مركز الأردن الجديد إلى أن هذه الفترة شهدت تسارعا في عجلة التنمية الاقتصادية، وبخاصة في السنوات ما بين 1973-1985، الأمر الذي انعكس على الحركة التطوعية التي «اضطلعت بدور أكبر في خدمة المجتمعات المحلية، وتعززت قاعدة العمل التطوعي بازدياد عدد أعضاء المنظمات الاجتماعية على اختلافها». وهكذا تبلور الوعي بدور الجمعيات الإنمائي الذي «أخذ يحل تدريجيا محل الطابع السابق، الخيري». وفي هذا الإطار نلحظ تزايدا في أعداد الجمعيات الخيرية في محافظات جنوب الأردن، حيث إن تدني مستوى التنمية الاجتماعية فيها قد يشجع السكان على الانخراط في التنظيمات الاجتماعية لتوسيع مشاركتهم في التنمية المحلية، بحسب ما جاء في دراسة مركز الأردن الجديد. ظل هذا التوجه سائدا في الفترة اللاحقة من 1989-1999، وهي فترة الانفراج السياسي. فقد تغيرت «فلسفة الحركة التطوعية» من الرعاية إلى الإسهام في التنمية. وهكذا زادت أعداد الجمعيات المتخصصة التي تخرج في اهتماماتها وتركيزها عن إطار الوحدة الإثنية أو الدينية. من أبرز هذه التنظيمات، جمعيات تُعنى بأمراض معينة، مثل أصدقاء مرضى الدم، مكافحة السرطان، مرضى الكبد والكلى وغيرها. كما ظهرت الجمعيات التي تُعنى بالبيئة مثل جمعية مكافحة التصحر، وجمعية أصدقاء البيئة. بالإضافة إلى جمعيات ثقافية وأكاديمية مثل الجمعية الفلسفية الأردنية، وجمعية الدراسات الاجتماعية. هذه الجمعيات تتشابه في إطارها العام لكنها تختلف في مرجعياتها، فمنها ما هو مسجل في وزارة الثقافة أو البيئة. إلا أن معظمها مسجل في وزارة التنمية تحت مظلة الاتحاد العام للجمعيات الخيرية. مسودة دليل الاتحاد لعام 2008، تظهر أن عدد الجمعيات الخيرية في الأردن وصل 1073 جمعية، منها 374 في عمان العاصمة وحدها. |
|
|||||||||||||