العدد 53 - أردني | ||||||||||||||
سعد حتر بعد استحقاق التعديل المرتقب، الذي قد يطال ثلث الحقائب الوزارية، تواجه حكومة نادر الذهبي تحديّاً جديداً يتصل بإنجاز خطط التنمية واستعادة كامل صلاحياتها الدستورية، بعد إزالة ثاني عقبة كانت تحول دون انسجام الفريق الحكومي. المخرج الأول تمثل بإزاحة رئيس الديوان الملكي باسم عوض الله من منصبه الشهر الماضي، ما أطاح بحكومة ظل طالما تقاطعت تحركاتها مع صلاحيات مجلس الوزراء، وبالتالي أثرّت على انسيابية العمل العام. ومن شأن التعديل الحكومي الآن معالجة جمود كان ألقى بظلاله على أداء غالبية الوزراء وكوادرهم، بسبب ازدواجية المرجعية وعدم تيقنهم حيال مستقبل بقائهم في التشكيلة، على خلفية إشاعات التعديل التي لاحقت الحكومة بعد ستة أشهر على تشكيلها أواخر العام الماضي. إذن، أمام التشكيلة الجديدة ورئيسها ملفات سياسية، اقتصادية ومجتمعية مهّمة تتطلب تخطيطاً استراتيجياً ورؤية ثابتة لا تتأثر بتغيير الوزراء. داخليا، على الذهبي اختيار رجال قادرين على مواجهة أزمات وتحديات من بينها رفع كفاءة الجهاز الحكومي المترهل، إصلاح التعليم بشقيه العالي والمدرسي، فضلا عن تحدي فرض القانون واستعادة هيبة الدولة. منذ البدء شرع رئيس الحكومة في مراكمة إنجازات نالت رضى الملك. إلا أن عليه الوصول إلى إيقاع حكومي متناغم بين جميع الوزارات والمؤسسات وبناء خطط استراتيجية بعيدة المدى. خلال العقد الماضي، تعاقب على الدوار الرابع خمسة رؤساء حكومات، فيما جلبت التعديلات عشرات الوزراء، بعضهم نقض قرارات أسلافهم. وزير سابق يرى أن الذهبي "أثبت أنه أفضل رئيس وزراء في العهد الجديد، إذ أن صفاته تقترب من رجل الدولة، ونجح - بخلاف سابقيه- في إقناع الناس بهذه الصفة". على أن وزيرا سابقا آخر نبّه إلى عدّم الإفراط في "الاحتفالية في السنة الأولى" من عمر الحكومة ودعا إلى "حسن اختيار" القادمين الجدد حتّى لا تكون التشكيلة الجديدة امتدادا لسابقتها. ويتساءل المسؤول "إذا لم يجلب التعديل عقولا وكفاءات مختلفة، فمن الأفضل أن لا يتم". تغيير الحكومات وتعاقب التعديلات أثرّا على انسيابية العمل الحكومي خلال العقد الماضي، بل ساهما في دربكة الكثير من القرارات وعكس مشاريع وخطط تنمية قائمة، ما خسّر الخزينة عشرات ملايين الدنانير. في البال، نهج عمل ومشاريع استراتيجية بمليارات الدولارات لم تر النور بسبب تغيّر الوزراء وغياب آليات الرصد والتوازن. الذهبي، سادس رئيس وزراء خلال تسع سنوات في عهد الملك عبد الله الثاني، كان يشتكي من هشاشة كفاءة عدد من وزرائه وعدم انسجام الفريق، بسبب تقاطع التعليمات الصادرة عن مراكز صناعة القرار. مصادر مقربة من رئيس الحكومة توضح أنه تحرك بالفعل لتطعيم فريقه الوزاري بدماء جديدة، بخلاف نمط سابق حين كان يتدخّل رئيس الديوان الملكي السابق بترشيح شخصيات لدخول الحكومة. تعقد الكولسات والاستمزاج وسط تكتم شديد، بانتظار إعلان الحقائب التي سيطالها التغيير وأسماء القادمين الجدد بعد إقرار موازنة الدولة، على الأرجح بعد عيد الأضحى. بحسب ما يرشح من معلومات، يتوقع أن يشمل التعديل حقيبتين سياديتين؛ الخارجية والداخلية فضلا عن العمل، الثقافة، السياحة، التنمية السياسية، الزراعة، والشؤون البرلمانية. ويتوقع أن يستبدل الذهبي عشرة وزراء على الأقل، لرفع سوية أداء فريقه على نحو يواكب وتيرة حراكه في الدوار الرابع. مع العهد الجديد، بات ينظر إلى التعديلات كمخرج طوارئ لإطالة عمر الحكومات بعد انهيار شعبيتها في استطلاعات الرأي. علي أبو الراغب أحدث تعديلين وإعادة تشكيل في ثلاث سنوات (2000-2003). لكن الوضع يختلف بالنسبة للذهبي، الذي شكّل حكومته قبل عام بالتمام. إذ إن الرضى الملكي أخذ منحى تصاعدياً، ويبدو أن جلالته أعطى رئيس الحكومة أخيراً ضوءاً أخضر بالتعديل بعد أشهر من الانتظار. منذ أشهر ، يستسر رئيس الحكومة لمحاوريه، بأنه يسعى لإخراج عدد من الوزراء بما يعزز الانسجام في مواجهة تحديّات داخلية وخارجية، في مقدمتها انحسار فرص إقامة دولة فلسطينية، وانكماش اقتصادي متوقع في ضوء تسونامي الأسواق العالمية. الضوء الأخضر لم يتأخر كثيراً من رأس الدولة. لعب عزم الذهبي، قدرته التخطيطية وحسن طالعه في إدارة ملفات شائكة مثل: تحرير أسعار مشتقات النفط وما صاحبها من قفزات في أثمان المواد الغذائية الأساسية، الخدمات وتعرفة النقل. ونجح أيضاً في تحييد حكومته عن تداعيات معركة شد الحبل بين مراكز قوى محورية قبل خروج رئيس الديوان الملكي السابق باسم عوض الله من المعركة. وبالتالي ساد هدوء بين النخب السياسية ومفاصل الدولة بسبب تراجع المناكفات بين رئاسة الديوان ودائرة المخابرات العامة. الانسجام المتأخر لقي استحسان الملك، الذي يدفع منذ اعتلى العرش باتجاه عصرنة الأردن بعيداً عن تصادم المدارس السياسية وقوى الشد العكسي. بموازاة الانفراج الداخلي، يلعب رئيس الحكومة، بإسناد المخابرات والديوان، دوراً في إزالة الاحتقان الذي شاب علاقات الأردن بدول عربية مثل: سورية وقطر. إذ كلّف الملك مدير المخابرات العامة الفريق محمد الذهبي، شقيق رئيس الوزراء، بطي سياسة المحاور والانفتاح على سورية وحماس وقطر بهدف تنويع خيارات الأردن السياسية بدلاً من وضع جميع الأوراق في السلّة الأميركية. ينقل مقربون من رئيس الحكومة قوله إنه بات بحاجة إلى مطبخ صناعة قرار متكامل قادر على قراءة المشهد الداخلي وتحسس الأزمات، يسنده في اتخاذ القرارات وتنفيذها. وزراء سابقون ينصحون أيضا بربط أعضاء الحكومة بمركز استشارات أو بيت خبرة مواز يضم خبراء من القطاع الخاص ومسؤولين سابقون من مختلف القطاعات، حتى تنضج القرارات الحكومية ضمن نهج مؤسسي، بعيدا عن العشوائية والارتجال. تركيز الحكومات انتقل في السنوات الثلاث الماضية من التنمية السياسية إلى الإصلاح الاقتصادي. واليوم يعرف الرئيس أكثر من غيره أن الأردن ما يزال في بدايات الطريق صوب تحقيق رؤية التحديث، بعد تراجع الإصلاح السياسي بسبب غموض الحل النهائي بين إسرائيل والفلسطينيين. لذلك يستدعي التعديل إدخال شخصيات سياسية توافقية خبيرة في الملفات الداخلية وقادرة على بناء الجسور مع منظمات المجتمع المدني، الأحزاب والنقابات. ويفترض أن يشهد العام المقبل إصلاحات سياسية كانت وضعت على الرف ضمن توصيات اللجنة الوطنية العام 2005. الإصلاح السياسي يتطلب توسيع قاعدة المشاركة في صنع القرار وسن قانون للانتخابات من وحي توصيات اللجنة الوطنية واتخاذ خطوات جادة لمكافحة الفساد وتفعيل مبدأ فصل السلطات، وتعزيز مفاهيم المواطنة والانتماء وتكافؤ الفرص. تنتظر التشكيلة الجديدة أيضاً ملفات ضاغطة، لم تسجّل تحسناً ملحوظاً رغم ضخ مئات ملايين الدنانير، في مقدمتها الفقر والبطالة، شح المياه وتوفير مصادر طاقة بديلة. |
|
|||||||||||||