العدد 53 - أردني | ||||||||||||||
منصور المعلا يثور جدل واسع النطاق بين أطراف نافذة في البلاد ما بين تيار يختلف مع توصيات لجنة الأقاليم، على قاعدة أن المشروع سيحد من صلاحيات الحكومة المركزية بالإضافة إلى حاجته إلى تعديلات تشريعية وقانونية، وتيار ينادي بتطبيق توصيات اللجنة الهادفة إلى ترسيخ اللامركزية. وعلى هامش النقاش المحموم يعتبر سياسيون أن العودة إلى مشروع الأقاليم، هو محاولة لطمأنة النخب في البلاد التي اشتركت في صياغة مبادرتي «الأقاليم والأجندة الوطنية» أن الرغبة في الانفراج السياسي ما زالت قائمة. فيما يرى وزير سابق أن وقوف قوى محافظة مثل: زيد الرفاعي، وعبد الهادي المجالي إلى جانب الأقاليم الإدارية، في مقابل قوى سياسية ليبرالية ووزراء وسياسيين حاليين، هو في واقع الأمر سعي لدفن الأجندة الوطنية بوصفها مشروعاً إصلاحياً والاستعاضة عنه بمشروع الأقاليم. المعترضون على المشروع، وهم كثر، من بينهم وزير الداخلية عيد الفايز، ورئيس الحكومة، ومعظم الطاقم الوزاري (وزير الزراعة والصحة، والبلديات) ووزراء سابقون، يرون أن المشروع يهدف إلى منح معظم صلاحيات الوزارات المركزية إلى الأقاليم، وهو ما يعني فقدان الحكومة ومجلس الوزراء صلاحياته السيادية الواسعة. الفايز تحدث عن انتقال الصلاحيات من الوزراء إلى مفوضي الإقليم، وساق الداخلية لمحدثية كمثال، حيث ستفقد كل صلاحياتها تقريباً في حال طبق مشروع الأقاليم الإدارية، إذ سيتبع مديرو الداخلية المحليون لمفوض الإقليم المرتبط مباشرة برئيس الوزراء. وزير الشؤون البلدية المهندس شحادة أبو هديب أوضح أن مشروع الأقاليم التنموية «لم يتضح شكله النهائي بعد»، وأنه سيتم عبر «مرحلة انتقالية»، مبيناً أن العام 2009 «عام التطبيق الأولي للأفكار المطروحة»، في خطوة نحو تقييم مدى نجاح تطبيق الأفكار، وقدرة المجالس المحلية والبلديات على المشاركة الواسعة وضبط إدارة المشاريع الموضوعة. مبينا أن المناطق التنموية «لن تنغلق على نفسها»، وفي رده حول وجود «خطر سياسي لتفتيت الدولة»، أكد أبو هديب على العمل ضمن عنوان التمسك بالدستور الأردني والثوابت الأردنية الراسخة. المشروع، بحسب ابو هديب سيسير ضمن مرحلة انتقالية تتصف بخطى علمية ومنهجية صحيحة، لإمكانية نقل الصلاحيات من المركز إلى الأقاليم، وضمان «عدم فشل» هذه التجربة وتقديم نموذج جيد. ساهم في إثارة المخاوف في الأوساط السياسية في البلاد حول مشروع الأقاليم ما نشر في اواسط التسعينيات من القرن الماضي حيث بينت صحيفة «أخبار الأسبوع» الصادرة بتاريخ 16/11/1995، أن المقصود بمشروع الأقاليم هو تقسيم الأردن إلى عدة أقاليم لغايات «سياسية - اقتصادية – ديمغرافية (سكانية)»، الصحيفة المحتجبة عن الصدور ربطت في وقتها المشروع بـ «معاهدة وادي عربة واتفاقية أوسلو (ربط السلطات الثلاث: الإسرائيلية والأردنية والفلسطينية بشبكة من العلاقات والبنى التحتية) وبما يساعد على حل قضية اللاجئين الفلسطينيين». وأشارت الصحيفة إلى أنه سيتم «ربط إقليم الوسط (عمان - الزرقاء) مع الضفة الغربية، أما إقليم الجنوب فوظيفته - حسب الصحيفة - بناء مشاريع سياحية مشتركة (أردنية - إسرائيلية) تبدأ بتوسيع المناطق الحرة والحوار حول قناة البحرين، فيما يترك إقليم الشمال لمستقبل التطورات مع سورية (المياه وحوض اليرموك) ومع العراق خط كركوك - حيفا النفطي». صحيفة (هآرتس) الإسرائيلية دخلت على الموضوع وربطت في تحقيق صحفي نشر في مطلع تشرين الأول/أكتوبر الماضي بين «المشروع وبين بعض مشاريع البنية التحتية المشتركة، ومنها مشروع قناة البحرين ومشروع سكة الحديد». هذه التقارير أثارت لدى بعض الأوساط مخاوف من المشروع الذي عدوه محاولة لتمهيد الطريق لحل القضية على حساب الأردن. إحلال مشروع «الأقاليم التنموية» مكان «الأقاليم الإدارية» كون الأخير يتطلب تغيير أكثر من 300 قانون نافذ في البلاد، وتحمّل الدولة أعباء إدارية ومالية اضافية هائلة، حيث سيكون هناك مفوض الإقليم (رئيس الوزراء المحلي)، ومديرون لكل إقليم بعدد الوزراء مسؤولون عن مديري المحافظات إضافة إلى المجلس الإقليمي المنتخب (البرلمان المحلي). بهذه الرؤية، عملت وزارة الداخلية على صياغة مشروع بديل للأقاليم الثلاثة قريب من مشروع كان قد طرحه في حينه وزير الداخلية المهندس سمير حباشنة لتحقيق اللامركزية الإدارية على مستوى المحافظات. وقالت مصادر وزارة الداخلية إن الوزارة أعدّت مشروع قانون الأقاليم التنموية وقدمته إلى مجلس الوزراء ليصار إلى اعتماده لإحالته إلى مجلس الأمة من أجل إقراره. المشروع البديل يقترح أن تكون المحافظات هي الأقاليم، وتتصرف بموازنة مقررة لكل محافظة في إطار الموازنة العامّة، ويشكل مديرو الدوائر مع المحافظ مجلساً تنفيذياً، إلى جانب مجلس أمني من مسؤولي الأمن، ومجلس استشاري من البلديات والوجهاء، وهؤلاء جميعا يكوّنون مجلس الإقليم (المحافظة)، ولا حاجة لأي انتخابات إضافية غير تلك القائمة (البلدية، ومجلس النواب). الا أن عودة طرح المشروع أعادت الهمس حول هاجس محدد، وهي أن تقسيم المملكة إلى ثلاثة أقاليم يهيئ لاستقبال إقليم رابع هو الضفّة الغربية وخامس هو غزة. الوسط الرسمي الحكومي الحالي يعارض بقوّة فكرة الأقاليم الإدارية الثلاثة كونها غير عملية وغير مفيدة، بل مضرّة وخطيرة، ويعتبرها مغامرة غير محسوبة، بدعوى أنها ستسهم في تقوية الانقسام الجهوي والديمغرافي للبلاد، بينما المطلوب مزيد من الوحدة والاندماج. مع عودة الحديث عن الأقاليم، شكّلت الحكومة لجنة فنية لدراسة الجوانب القانونية والإدارية المتعلقة بتوصيات لجنة الأقاليم. خطوة الحكومة جاءت بعد دعوة الملك عبد الله الثاني الحكومة ومجلس الأمة لتقييم ومراجعة توصيات اللجنة الملكية بهذا الشأن والنظر في إمكانية تطبيقها. الحكومة وبعد اجتماع حضره رئيسا مجلسي الأعيان والنواب قالت إن تطبيق الفكرة سيتم على مراحل، ويحتاج إلى تعديلات تشريعية واسعة تطال معظم القوانين النافذة في البلاد. في المشهد العام في البلاد ترتفع أصوات وينشط كتاب مؤثرون في توجيه الرأي العام نحو رفض مشروع الأقاليم الإدارية وتبني الأقاليم التنموية. الكاتب الصحفي فهد الخيطان اعتبر أن فكرة مشروع الأقاليم الإدارية «تقوّض أسس الدولة وتعرّض مستقبل البلاد ووحدتها للخطر». الخيطان اعتبر أن «تعديل عشرات القوانين، يؤدي إلى فوضى تشريعية ستضر حتماً بالاستقرار الاقتصادي والاجتماعي ناهيك عن مخاطرها السياسية، مضيفاً أن الأردن «ليس دولة مترامية الأطراف». وبفضل شبكة الطرق الحديثة وتوفير وسائل الاتصال المتعددة ووسائط النقل «يصبح التواصل بين محافظات الوطن أمراً يسيراً»، معتبراً اعتماد «المحافظة كوحدة إدارية وتنموية هو البديل المناسب عن الأقاليم». تشكلت لجنة «الأقاليم» برئاسة رئيس مجلس الأعيان زيد الرفاعي التي قسمت البلاد في توصياتها إلى ثلاثة أقاليم بداية 2005 من أجل وضع تصورات حول الإصلاح البعيد المدى والتنمية المستدامة، وتقسيم البلاد إلى أقاليم ثلاثة تنموية (شمال، جنوب، وسط) عدا العاصمة عمان. ويهدف اعتماد الأقاليم، وفق رؤية اللجنة «إلى توسيع قاعدة المشاركة الشعبية في صنع القرار وتحقيق اللامركزية الإدارية». وكان الرفاعي أكد أن عمل اللجنة قام على أساس التمسك بالدستور والثوابت، وتعزيز الهوية الوطنية والانتماء إلى المحيط العربي والإسلامي والانفتاح على العالم. |
|
|||||||||||||