العدد 53 - اقليمي
 

معن البياري

بالكاد تحضر سلطنة عُمان في نشرات الأخبار، ما قد يعود إلى عزوف أهل الحكم فيها عن أدوار سياسية ودبلوماسية في الجوار الخليجي والمحيط العربي. فضلاً عن عدم حماسهم، أو تقصيرهم، في تظهير بلدهم وما يستجدّ فيه من تطور في الاقتصاد والتنمية والعمران. ولا يحرص القائمون على الإعلام على إبراز ما يجري في شؤون الحكم والإدارة والسياسة المحلية.

من الأخبار الشحيحة الوافدة من هذا البلد، أن تعديلات قانونية جرت قبل عام، تسمح بمحطات إذاعية وتلفزيونية مستقلة، وهو ما لم يواكبه انفتاح إعلامي ذو وجه سياسي، ما قد يفسره أن الانشغال بالسياسة لم يعد ظاهراً في السلطنة، خصوصاً أن السلطة لا ترى أن تنشيط حياة سياسية من أولويات المجتمع العُماني المشدود إلى تكوينات تقليدية.

استجدّت وقائع في عُمان خلال تشرين الثاني/نوفمبر الجاري، تحفز على الانتباه إليها.أولها أن الحكومة ردّت رسمياً، بهدوء، على ما ورد بخصوص السلطنة في تقرير الخارجية الأميركية بشأن الاتجار في البشر لعام 2008. وعلى ضوء ردّها، قرر جورج بوش إلغاء ما جاء عن عُمان في التقرير، ورفع اسمها من الفئة الثالثة فيه. ووصفت وزارة الخارجية العُمانية الموقف الأميركي الجديد بأنه «خطوة في الاتجاه الصحيح، ويتجاوز ما أبدته السلطنة من ملاحظات ورؤى إزاء تقرير الخارجية الأميركية». ولا يتذكر أحد أن واشنطن عادت مرّة عن اتهاماتها لأي دولة. ومعلوم أن عُمان دولة حليفة للولايات المتحدة، وأن السلطان قابوس في 1980 كان أول زعيم خليجي يوقع اتفاقاً دفاعياً معها، ويسمح بإقامة قاعدة أميركية في بلاده.

ثاني الوقائع اللافتة، أن قابوس أشهَر حرباً «صامتة» ضد الفساد، في خطابه السنوي قبل أيام أمام مجلس عُمان (يضم مجلسي الدولة والشورى)، فتحدث عن منحرفين عن «النهج القويم» يعتبرون الوظيفة «فرصة لتحقيق المكاسب الذاتية وسلّماً للنفوذ والسلطة، مع تقاعس عن أداء الخدمة كما يجب». وقال إن هذا يعني أن هؤلاء «وقعوا في المحظور، ولا بدّ عندئذ من محاسبتهم واتخاذ الإجراءات القانونية المناسبة، لردعهم وفقاً لمبادئ العدل». وأضاف أن العدالة تقتضي «عدم السماح لأيّ كان بالتطاول على النظام والقانون، أو التأثير بشكل غير مشروع، على منافع الناس التي كفلتها الدولة، ومصالح المجتمع التي ضمنها الشرع وأيّدتها الأنظمة والقوانين». وشدّد على أن تطبيق العدالة «لا مناص منه ولا محيد عنه». وجاء تأكيد قابوس على محاربة الفساد ومحاسبة مرتكبيه، وسط حديث واسع في عُمان عن مخالفات صريحة وواضحة تحدث.

تقرير لصحيفة «الحياة» من مسقط ذكر أن العُمانيين فوجئوا بهدم مبنى متعدد الطبقات يملكه وزير أقيل أخيراً، وأن أنباءً تتردد عن تقديم مسؤولين حكوميين للمساءلة في سرّيّة. وحسب مراسل «الخليج» الإماراتية هناك، فإن الأجهزة الرقابية تمارس حالياً دورها في الكشف عن الفساد الوظيفي، من دون أن تستثني أحداً، وأن «قاعات مغلقة» في المحاكم الجنائية تشهد محاكمات، تتردد في أثنائها أسماء ذوي مناصب سابقين وحاليين. والبادي أن مقادير من الجدّيّة، تتم ممارستها بعيداً عن أي إضاءة إعلامية أو نشاط دعائي، في ملاحقة مرتكبي الفساد في سلطنة عُمان.

وحدث في منتصف تشرين الثاني/نوفمبر الجاري، أن قابوس أصدر مرسوماً بإنشاء لجنة وطنية لحقوق الإنسان وتحديد اختصاصاتها، تتبع مجلس الدولة العُماني، وتكون لها الشخصية الاعتبارية، وتتمتع بالاستقلال في مزاولة مهامها. والمأمول أن تنشط اللجنة في تحقيق حضورها الفعلي، لا الديكوري، في متابعة حالات تتعلق بواقع حقوق الإنسان، عُمانياً كان أم وافداً. وفي وُسع اللجنة إذا ساندتها المؤسسات الرسمية والأهلية، أن تدشّن نقاشاً يذهب إلى قضايا حرية الرأي والصحافة، وتتفرع عنها مناشط تتصل بالمسألة الحقوقية برمتها. ويجوز التطلع إلى هذا، وفي البال أن آمال العُمانيين عريضة في أن يصل التدرّج في مسار مجلس الشورى، إلى مرحلة يتمتع فيها هذا المجلس بصلاحيات البرلمانات المنتخبة، كما في الكويت والبحرين. وهذه مرحلة يسوّغ بلوغَها أن «الشورى» تدرج تشكيله منذ 1991 من اختيار أعضاء فيه بالتزكية في بعض الولايات، واختيار لجان المرشحين مع تدخلات حكومية لترجيح الاختيارات النهائية، ما جعله أقرب إلى التعيين. ولاحقاً، اختيرت هيئة ناخبة زيد عدد أعضائها، وصولاً إلى إطلاق عملية انتخابية كاملة بالاقتراع المباشر بإشراف قضائي، وزيدت مقاعد مجلس الشورى وأعداد المقترعين. وفي انتخابات العام الماضي 2007، سُمح للمرشحين بالدعاية في الصحف، وتراجعت نسبة المشاركة إلى 60 في المئة من 80 في المئة في 2003، ولم تنجح أي من المرشحات العشرين، فيما تضم الحكومة العُمانية وزيرات ووكيلات وزارات وسفيرات ونساء في مواقع متقدمة في المسؤولية العامة.

لا يملك مجلس الشورى العُماني رفض مشروعات القوانين التي تُعرض عليه، وإن كان له أن يقترح مشروعات قوانين، دون سلطة إلزام الحكومة بإصدارها، له حقّ التوصية فقط، ومناقشة أداء وزارات خدمية، بعد موافقة الحكومة وبحدود تسمح بها. بذلك، ليس له سحب الثقة من أي وزير، ولا تحميل الحكومة أخطاء اي وزارة. وبالنظر إلى هذا فإن سلطنة عُمان، إذ يتوجه رأس السلطة فيها نحو متابعة لأوضاع حقوق الإنسان، وإذ تتمتع بمسار مطرد من التنمية والاستقرار، وقد أنهت المشكلات الحدودية مع جوارها، وإذ تستطيع الرد على أي اتهام أميركي لها وبكفاءة، وإذ بدأت مكافحة عملية للفساد والمفسدين، فإن المتابع للأخبار الشحيحة الوافدة منها، يتطلع إلى أن تستجد فيها حياة سياسية مغايرة للقائمة، من تفاصيلها أداء نيابي رقابي وتشريعي حقيقي، يطمح العُمانيون إليه وهم جديرون به.

عُمان: حرب صامتة على الفساد وردّ هادئ على أميركا
 
27-Nov-2008
 
العدد 53