العدد 53 - دولي
 

صلاح حزين

باختطاف سفينة النفط السعودية التابعة لشركة أرامكو التي تحمل اسم سيريوس، بدأت أعمال القرصنة في منطقة القرن الإفريقي، وتحديدا في الصومال، تأخذ بعدا جديدا. فالسفينة هي الأكبر بين كل ما تم اختطافه من سفن على أيدي القراصنة في تاريخ الملاحة البحرية، وهي الأعلى ثمنا، وعليه فلم يكن غريبا أن يطلب الخاطفون فدية بقيمة 25 مليون دولار، تردد أنها خفضت إلى 15 مليونا، ولكن لا القراصنة أكدوا ذلك ولا شركة أرامكو التي تملك السفينة.

توصف السفينة السعودية بأنها "ناقلة نفط خام ضخمة الحجم"، فهي تزيد حجما عن ناقلة طائرات، إذ يبلغ طولها 330 مترا، ويوازي حجمها حجم بناية من 41 طابقا، وتبلغ كلفة بنائها 150 مليون دولار. ومن الطريف أن تكون هذه المواصفات هي التي جعلتها صيدا ثمينا للقراصنة الصوماليين الذين تبعوها بطرادات صغيرة الحجم، واقتحموها من الخلف مستفيدين من انخفاض جوانبها، مثلها في ذلك مثل جميع ناقلات النفط، وسيطروا على بحارتها الخمسة والعشرين الذين ينتمون إلى روسيا وأوكرانيا والفلبين والسعودية وبريطانيا وبولندا. ولم يبد هؤلاء مقاومة تذكر، فمثل هذا الأمر كان من شأنه التسبب في كارثة فوق ناقلة محملة بنحو 2 مليون طن من النفط، أي بما قيمته 100 مليون دولار.

بعد السفينة السعودية، جاء اختطاف سفينة العدينة اليمنية، ما رفع عدد الهجمات التي نفذها القراصنة خلال هذا العام إلى 95 هجوما، اختطفت خلاله نحو 39 سفينة، ما زالت 17 منها محتجزة في موانيء صومالية يسيطر عليها القراصنة، بينها سفينة أوكرانية تحمل عددا من الدبابات.

القرصنة البحرية ليست مقصورة على الصومال، كما قد يتبادر إلى الأذهان، فهنالك قرصنة في مناطق متعددة من العالم بحسب المنظمة البحرية الدولية التابعة للأمم المتحدة، وقد تم خلال العام الماضي نحو 246 هجوما للقراصنة، ما بين ناجح وفاشل، وحتى نهاية أيلول/سبتمبر الماضي كان هناك نحو 199 هجوما. ومسرح هذه الهجمات، بحسب المنظمة الدولية هي بحر الصين ومضائق مالاكا بين إندونيسيا وماليزيا، غير أن المسرح الأكثر تطورا هو ذاك الممتد بين الصومال وخليج عدن، حيث بلغ عدد الهجمات 95 هجوما خلال ما مضى من العام 2008، مقارنة بنحو 60 في العام الماضي.

هذا النشاط في أعمال القرصنة في منطقة القرن الإفريقي، وعلى السواحل الممتدة من خليج عدن، سبب قلقا دوليا مشروعا، وجعل كثيرا من الدول تبادر إلى حماية سفنها التي تمر في تلك الطريق الاستراتيجية، ومن بينها الهند و وروسيا، ودول الوحدة الأوروبية.

دول الوحدة الأوروبية ترى أن أعمال القرصنة سوف تستمر طالما بقي الصومال على حالة التمزق التي يعيشها، حيث المعارك تحتدم بين أكثر من فصيل عسكري، يدعمه حزب أو تيار سياسي، بما فيها جهات رسمية، وهو ما يجعل استقرار الصومال أمرا غير وارد في المستقبل المنظور

أما روسيا فلها رأي خاص بها في هذا المجال، إذ إنها تعتقد أن الحل النهائي لمشكلة القرصنة لا يأتي من خلال حماية السفن بقطع بحرية ترافقها، بل من خلال مهاجمة القواعد الأرضية للقراصنة، والتي توفر البنية التحتية لأعمال القرصنة البحرية، ومن دون ذلك فإن أسطولا بأكمله لن يوقف أعمال القرصنة.

المنطق الأوروبي يأخذ قوته من حقيقة أن الأوضاع في الصومال على درجة من الفوضى يصعب تصور إيجاد حل قريب له، ولكنه يحيل إلى مجهول، أي أنه يربط نهاية القرصنة بنهاية الوضع السياسي الراهن في الصومال والوصول إلى حل سياسي وليس عسكريا. أما المنطق الروسي فيأخذ قوته من طابعه العملي.

ولا يخفي كثير من القراصنة الصوماليين أنهم توجهوا إلى القرصنة لأنه لم يعد أمامهم أي طريق آخر يسلكونه في حالة الفوضى المستشرية في البلاد. وفي الإطار نفسه فقد رسم عدد كبير من التحقيقات الصحفية التي أجرتها صحف عالمية؛ بريطانية وأميركية أساسا، صورة عن حالة الثراء الفاحش، مقارنة بأحوال الصوماليين في مدن وقرى أخرى بالطبع، التي يعيشها سكان بعض القرى والمدن التي ازدهرت على وقع انتعاش القرصنة في البلاد، حتى أصبح حلم الفتاة الصومالية الزواج من قرصان، كما قال تقرير نشرته صحيفة الغارديان البريطانية أخيرا.

وضع الملاحة في ذلك الطريق المائي الممتد من خليج عدن إلى سواحل الصومال أضحى الطريق البحري الأخطر في العالم، ورغم انحصار الخطر في تلك المنطقة الجغرافية، فإن قضية القرصنة تحولت إلى قضية عالمية انشغلت بها دول العالم أجمع مثلما انشغلت بها منظمة الأمم المتحدة التي تحركت لإنهاء المشكلة. غير أن هنالك ما يشبه الإجماع على أن الأمم المتحدة ليست المنظمة الأكثر فعالية التي يمكنها حل المشكلة، بسبب بيروقراطيتها، وبسبب الطابع الملح لقضية القرصنة في الأوضاع الراهنة.

غير أن هنالك تساؤلات مثارة، وهي أن الطريق المائي المشار إليه، هو في واقع الأمر طريق الإمدادات العسكرية ما بين الولايات المتحدة الأميركية وقواتها العاملة في أفغانستان، وتدور التساؤلات حول حقيقة أن القراصنة الصوماليين لم يقوموا بأي هجوم على أي سفينة أميركية حتى الآن، ولا يقلل من قيمة هذه التساؤلات أن السفن الأميركية تكون في العادة محمية بقطع بحرية تابعة للبحري الأميركية، فكثير من السفن التي وقعت عليها هجمات قرصنة كانت محمية أيضا. وقد جاءت إثارة هذه التساؤلات من باب أن الولايات المتحدة تستفيد من القرصنة الصومالية ضد السفن الأخرى فيما تبقى سفنها في مأمن، ما يعني أن هنالك صفقة ما بين أميركا والقراصنة الصوماليين، وأنها ضالعة، وإن في صورة غير مباشرة، في الأنشطة القرصنية في الصومال، وذلك في محاولة لتفسير انتعاشها في هذه الصورة في منطقة على درجة عالية من الخطورة بالنسبة للولايات المتحدة التي لا تبدي اهتماما بالقضية بتناسب مع خطورتها.

القرصنة في القرن الإفريقي: بدأت إقليمية وانتهت عالمية
 
27-Nov-2008
 
العدد 53