العدد 53 - اقتصادي | ||||||||||||||
السّجل-خاص يحقق توفر السيولة فرصة لاستمرارية العمل الاقتصادي، وعكس ذلك يتسبب نقص السيولة بدخول العديد من القطاعات الاقتصادية في حالة انكماش اقتصادي قد تؤدي بالنهاية إلى الإصابة بالكساد الاقتصادي. محلياً، ورغم إعلان البنك المركزي بأن لدى القطاع المصرفي ما يزيد على 600 مليون دينار، لكن هذه الأموال لا تتوافر سوى لبنكين محليين هما: البنك العربي والإسكان، فيما تفتقر باقي البنوك إلى السيولة اللازمة إلى تشغيل القطاعات الاقتصادية المختلفة. وساهم شُح السيولة لدى المصارف بتوقفها عن الإقراض والتشدد في منح التسهيلات، نتيجة الرقابة التي يفرضها البنك المركزي على البنوك بتحديد حجم الإقراض لحماية القطاع من تداعيات الأزمة العالمية، وبحجة أن هذا القطاع توسع في منح التسهيلات للقطاع الخاص خلال الفترة الماضية. التغير الأبرز في مسلك المصارف تمثل بتعاملها مع القروض السكنية والعقارية، إذ قلصت البنوك مستوى التمويل إلى 60 في المئة من إجمالي قيمة العقار فيما كانت في السابق توفر 80 في المئة منه، كما أن بعض البنوك لجأت إلى رفع أسعار الفائدة من دون الإعلان عن ذلك. لكن قراراً للمركزي جاء بعد مطالبات متكررة لتخفيف الضغط على البنوك، وتضمن تخفيض نسبة الفائدة بمقدار نصف نقطة مئوية، ونسبة الاحتياطي الإلزامي بنسبة 1 في المئة ليصل 9 في المئة. القرار السابق له انعكاسات إيجابية، وإن لم يكن بالقدر المطلوب اذ يساهم، بتوفير سيولة إضافية لدى البنوك قيمتها 180 مليون دينار من احتياطياتها التي تحتفظ بها لدى المركزي"، علماً بأن حجم الودائع لدى البنوك يناهز 18 بليون دينار. وجاء في بيان المركزي "قررت لجنة السوق المفتوحة برئاسة محافظ البنك المركزي تخفيض أسعار الفائدة الرئيسية لدى البنك المركزي بمقدار 50 نقطة أساسية اعتباراً من 25/11/ 2008". بموجب القرار بات سعر إعادة الخصم 6.25في المئة بدلاً من 6.75في المئة سنوياً، وسعر اتفاقيات إعادة الشراء 6.00في المئة بدلاً من 6.50في المئة سنوياً، وسعر نافذة الإيداع للدينار 4.00 في المئة بدلاً من 4.50في المئة سنوياً. قرار المركزي قوبل بايجابية، بشكل أو بآخر، رغم تحفظات البعض عليه لناحية أن حصة الأسد من السيولة التي يوفرها ستذهب للبنكين الأضخم اللذين سبق ذكرهما، ليبقى القليل الذي سيتوزع على 22 بنكاً أخرى تعمل في السوق المحلية. لكن رجال أعمال يؤكدون أن هذه المبررات غير مقنعة، والإجراءات السابقة غير كافية لتجاوز أزمة تحيق بقطاعات حيوية، إذ يعتمد القطاع الخاص على البنوك في استكمال مشاريعه في كل بقاع الدنيا، مشيرين إلى أن تفكير المركزي ينحصر في كيفية حماية القطاع المصرفي فقط، من دون التفكير بباقي القطاعات المهددة بالسقوط. ويتحدث مدير أحد أكبر مشاريع التطوير العقاري عن سوء الأوضاع التي آل إليها القطاع الخاص لافتا إلى الظروف الصعبة التي يمر بها التجار، المصنعون، المشاريع العقارية، السيارات، ومختلف القطاعات الأخرى. وينبه رجل الأعمال الذي طلب عدم نشر اسمه إلى أن السياسة المطبقة حاليا في الأردن قد تقود إلى المعطيات نفسها التي أدت إلى الأزمة العالمية في أميركا بعد أن تراجعت قيمة كل شيء، نتيجة ضعف قدرة أصحابها على السداد. فنقص السيولة سيؤدي إلى انكماش العديد من القطاعات، وبالتالي كساد إنتاجها ما يسبب تراجع قيمتها، وبالتالي خسارة هذه القطاعات. ويؤكد أن التصريحات الحكومية المتتالية منذ اندلاع الأزمة العالمية تشدد على أن الأردن بمنأى عنها، باستثناء تصريح واحد لرئيس الوزراء تحت قبة البرلمان أكد فيه أن " من يعتقد أن الأردن بعيد عن الأزمة واهم"، وهو ما ينفيه المستثمر الذي شدّد على أن المشكلة أصبحت عدم الاقتناع بوجود مشكلة أصلا، إذ إن جميع مسؤولينا ما زالوا يصرون على أن الأردن بعيد كل البعد عن هذه الأزمة التي هزت أعتى الاقتصاديات العالمية. ومستثمر آخر يشير إلى أن الإشكالية تتعمق حينما يصدر يوما تلو الآخر أنباء تؤكد أننا أقوياء لن يطالنا السقوط العالمي، وكأننا نعيش في جزيرة منفصلة عن العالم، في ظل توالي الأخبار المطمئنة التي تؤكد أن الأزمة لن تطالنا لا من بعيد ولا من قريب بحجة أن السياسة النقدية المتشددة التي طبقت في الماضي حمت الأردن واقتصاده، وقد يكون ذلك صحيحا. لكن المستثمرَيْن يجمعان على أن هناك مشكلة حقيقية بدأت فعليا بعد الأزمة، تتمثل بتشدد البنوك في منح التسهيلات بناء على تعليمات من البنك المركزي بحجة أن القطاع المصرفي توسع أصلا في منح التسهيلات. وآثار هذا المسلك قد تبدو عادية للوهلة الأولى، لكنها، بكل تأكيد، ستأتي إلى العديد من الشركات الضخمة، وتهز العديد من القطاعات، لاسيما أن القطاع المصرفي يعد بحق محرك هذه القطاعات وعماد استمراريتها. فكثير من الأنشطة الاقتصادية سواء التجار، شركات الخدمات، العقار، الصناعة سيصيبها خلل كبير في حال استمرت البنوك بتطبيق هذه السياسة، التي تتسبب في شُح السيولة، هذا في أفضل الأحوال. وثمة مخاوف لدى العديد من أصحاب الأعمال بأن الإصرار على هذه السياسة سيؤدي إلى اندثار العديد من المشاريع المتوسطة والضخمة. والحقيقة أن اللوم لا يقع على البنوك، فهي تشجع أي نشاط اقتصادي يقوم على الربحية، وتسعى لحماية أموالها، لذا فإن التقصير هذه المرة يأتي من الحكومة التي لم تحرك ساكنا، لمواجهة ما هو آت. ففي العديد من الدول قامت الحكومات بضخ السيولة في أجهزتها المصرفية لتنقذ قطاعاتها الاقتصادية الحيوية التي توفر فرص العمل، وتحمي آلاف الأسر من الفقر. ففي الكويت، على سبيل المثال لا الحصر، قدمت الحكومة أموالا للبنوك لكن الأخيرة رفضت إقراض الشركات الاستثمارية ما حدا بالحكومة إلى تخصيص مبلغ 2.5 بليون دولار لإقراض هذه الشركات كسبيل لإنقاذها. بالمقابل ما زال نزيف السوق المالية مستمراً منذ وقوع الأزمة، إذ خسرت البورصة منذ بداية الأزمة حوالي 22 في المئة من قيمتها، وسط إصرار رسمي على أن ما يحدث محليا لا علاقة له بالعالم، ولم يلتفت أحد لحالة الدمار التي تمر بها السوق، ولم يتخذ أي إجراء ولو شكلي لحماية هذه السوق التي يقدر حجم الأموال فيها بحوالي 30 بليون دينار هي ثلاثة أضعاف الناتج المحلي الإجمالي. وتتعدد قنوات تأثير الأزمة المالية الأميركية على الاقتصاد الأردني، فمن ناحية يرتبط سعر الدينار بسعر صرف الدولار، وكذلك حجم المساعدات الرسمية، التي تشكل 52في المئة من مجموع المنح في العام 2008، للسوق الأميركية معرضة للتأثر، وكلاهما يمكن أن يتأثر، بدرجة أو بأخرى، نتيجة نقص السيولة لدى القطاعين العام والخاص في الولايات المتحدة. وثمة تأثيرات ترتبط بالأوضاع المالية المستقبلية لموازنة 2009 التي يتوقع أن تتراجع قيمة الضرائب التي تجنيها الخزينة من القطاع الخاص الذي يتراجع نشاطه نتيجة للوضع الحالي ما يهدد بتفاقم عجز الموازنة العامة خلال العام المقبل. يكمن الحل بالاعتراف بوجود مشكلة محلية و بحتمية تأثير الأزمة على الأردن، إذ إن البنوك تشكل حلقة من سلسلة النشاط الاقتصادي التي إذا انكسر إحداها تسبب في انهيار السلسلة وتوقف العمل الاقتصادي. |
|
|||||||||||||