العدد 53 - كتاب | ||||||||||||||
تتعدد وتتنوع الاختلالات في مشروع قانون الموازنة العامة لعام 2009، في مرتكزاتها المالية والاقتصادية، كما في أبعادها الاجتماعية، وذلك امتداداً لما كانت عليه خلال السنوات السابقة وأكثر، حيث تظهر هذه المطبات وتنكشف بوضوح عند التحليل الموسع لجناحي الموازنة المقترحة، في جانب مصادر الإيرادات، كما في جانب عناصر الإنفاق المقدرة، في أرقامها كما في مضمونها الاقتصادي والاجتماعي. ويأتي في مقدمة الاختلالات في الموازنة الجديدة العجز الكبير فيها بقيمة 689 مليون دينار وبنسبة 4.6 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وبعد الأخذ في الحساب المنح والمساعدات الخارجية المتوقعة بقيمة 684 مليون دينار، أمّا عند استبعاد الرقم الأخير، فإن قيمة العجز تقفز إلى 1373 مليون دينار، وبنسبة 9.2 في المئة من الناتج المتضخم بدوره بمعدل 6 في المئة، وكلا الرقمين يعكسان نسباً عالية كان وسيكون لها تداعيات صعبة على أكثر من صعيد، وبخاصة فيما يتعلق باللجوء إلى الاقتراض الداخلي، وتصاعد عبء خدمته أقساطاً وفوائد. ويظهر هذا العجز في بعديه كمحصلة لنفقات عامة إجمالية جارية ورأسمالية مقدرة بقيمة 6155 مليون دينار، مقابل إيرادات إجمالية ضريبية وغير ضريبية محلية بقيمة 4783 مليون، مضافاً إليه قيمة المنح والمساعدات بقيمة 684 مليون لتصل الإيرادات الكلية المتوقعة إلى 5467 مليون دينار. الاختلالات لا تقتصر على الأرقام الإجمالية لكل من النفقات والإيرادات الكلية والعجز الناجم عنها، بل يمكن ملاحظته ورصده وقياسه في معظم عناصر البنود التفضيلية المقدرة لجانبي الموازنة بمعيار «من يتحمل دفع الجزء الأكبر من الإيرادات، ومن يستفد من الجانب الأعظم من أبواب النفقات على مختلف مستوياتها»؟ جانب الإيرادات في الموازنة يتضمن سلبيات وانحيازات خطرة، ومن ذلك تركزها بشكل كبير في بند «الإيرادات الضريبية»، البالغة 3257 مليون وبنسبة 68 في المئة من مجموع الإيرادات المحلية، وبنسبة 60 في المئة، من مجموع الإيرادات الكلية، وكلتا النسبتين ثقيلتان جداً، وتشكلان قيداً على النشاط والتنمية الاقتصادية من جهة، ومدخلاً لتدهور اجتماعي وتدنياً في المستوى المعيشي من جهة أخرى. وإضافة إلى سلبيات رقم ونسب الإيراد الضريبي المطلقة، تطفو على السطح اختلالات أشد في تركيبة مكونات الإيراد الضريبي وتركزه في بند ضريبة المبيعات وبقيمة 2100 مليون دينار وبنسبة 64 في المئة من مجموع الإيراد الضريبي، وهو رقم ومعدل كبير وثقيل لضريبة يتحمل معظم عبئها أغلبية المواطنين من أصحاب الدخل المحدود المتدني، فيما لم يزد الإيراد المقدر من ضريبة الدخل التصاعدية مع تصاعد الدخل والثروة على 664 مليوناً، وبنسبة 20 في المئة فقط، فيما تواصل الهبوط بالرقم والنسبة للإيراد من رسوم التجارة الاستيرادية بفعل شروط الانضمام غير المجدي لمنظمة التجارة الدولية. ومن الواضح أنه رغم النمو الملموس في قيمة المنح والمساعدات الخارجية، فإنه لا يمكن اعتبار ذلك عنصراً إيجابياً في مرتكز ضرورة الاعتماد على الذات، أو من حيث ثقل شروط ومتطلبات الجهات الأجنبية المانحة له. وفيما قلصت في صورة حادة بعض بنود الإنفاق الاجتماعي، مثل تقليص مخصص شبكة الأمان الاجتماعي من 301 إلى 167 مليون دينار، وبنسبة 45 في المئة، وأيضاً تراجع في قيمة إنفاق دعم المؤسسات الحكومية، فإن إنفاق فوائد الدين العام ارتفع بنسبة 12 في المـئة إلى جانب قفزة في نفقات الجهاز العسكري وبنسبة زيادة عالية قاربت 22 في المئة. وتواصل، بلا مبرر، الارتفاع الكبير في بند «النفقات الرأسمالية»، التي ازدادت في سنة 2008 بمبلغ 121 مليون دينار عن رقم 2007 وبنسبة 12 في المئة، وزيادة أكبر مقدرة في 2009 عنها في 2008، بمبلغ 241 مليون دينار، وبنسبة ارتفاع 21 في المئة، ليصل رقمها الكلي إلى 1365 مليون دينار وبنسبة 22 في المئة، من النفقات الكلية، وهي أي النفقات الرأسمالية، في الكثير من أوجهها نفقات جارية أو لمشاريع إنشاءات ومبان وبنية تحتية كثير منها ليس ملحاً، أو أنه يخدم مصالح ضيقة للمتمولين والقادرين. ثغرات وسلبيات ومطبات وانحيازات مشروع موازنة 2009 ليست بجديدة، بل هي تكرار لما جرى في سنوات سابقة، ولأنها، وكما اعترف وزير المالية في خطاب الموازنة، استمرار للتوجهات والسياسات الاقتصادية والمالية المتبعة والمطبقة منذ سنوات. |
|
|||||||||||||