العدد 53 - ثقافي
 

عدي الريماوي

حظي فيلم "عائلة السافاج" بشهرة واسعة بعد ترشيح بطلته "لورا ليني" لجائزة الأوسكار، فضلاً عن مشاركة فيليب سيمور هوفمان فيه، وهو الممثل الذي كان فاز بجائزة الأوسكار على دوره في فيلم "كابوتي".

ورغم أنه نال رضا كثير من النقاد، إلا أن الجمهور الأميركي لم يحسن تقديره، فلم تتجاوز أرباحه بضعة ملايين على شباك التذاكر، وهو ما يعدّ رقماً متواضعاً جداً في حسابات شركات الإنتاج.

الفيلم الذي أُنتج أواخر العام الماضي يتحدث عن شاب وأخته يجمع بينهما فشلُهما في الحياة. يضطران للاعتناء بأبيهما الخرف بعد موت صديقته، ثم ينقلانه إلى مأوى خاص بالعجَزة. تظهر حينها شخصية الابن الذي يحاول التخلص من أبيه بسرعة، في حين تبذل الابنة ما في وسعها لتأمين حياة أفضل للأب، وتشعر بالذنب لوضعه في مكان كهذا.

يفشل الأب، الذي يؤدي دوره الممثل العريق فيليب بوسكو، في تذكّر تاريخ اليوم الذي يعيشه، ويبدو عاجزاً عن أداء أي شيء بمفرده. وهو يضفي لمسة إنسانية على أجواء الفيلم، رغم دوره البسيط وكلماته القليلة، ويقنع المشاهدين بحالة العجوز الخرف الذي يتحسر كلما مر بجانب المقبرة متمنياً أن يصبح أحد ساكنيها.

يعمل الابن مدرّساً في جامعة، ويغرق حتى أنفه في كتبه وأبحاثه، وهو يعيش وحيداًَ بعد سفر حبيبته البولندية، ويتعرض للتوتر والإجهاد كثيراً، جرّاء عمله الصعب وحياته المضطربة. في حين تفشل الابنة في تأمين حياة متزنة لنفسها، وتبدو حقيبتها المليئة بالأدوية دليلاً على اكتئابها الشديد.فهي تبني علاقة مع رجل متزوج، لكنها لا تحقق الاستمتاع معه، كما تفشل في إقامة علاقة مع ممرض أبيها الذي يتمسك بحبيبته.

الفيلم يحلل الروابط في العائلة الأميركية، التي يظهر تفككها واضحاً. الوحدة التي يعيشها كلٌّ من أبطال الفيلم دليل على عدم استقرار حياته، وهم يفشلون في تحقيق أي نجاح. فالبطلة مثلاً لا توفَّق في إقناع شركات الإنتاج بمسرحياتها. وصديقها يحب كلبته أكثر من زوجته، ويظل ينكر أنه يمر بأزمة منتصف العمر.

رغم قلة الشخصيات في الفيلم، إلا أن العائلة الصغيرة نجحت بملء المَشاهد، ومنحتها حيوية عبر الغوص في التفاصيل، ومتابعة السعي المنهك لكلّ من أفرادها نحو حياة أفضل. الفيلم يبدو مختلفاً عن الأفلام الأميركية التي تتناول في العادة لهاث الناس وراء الأموال ورغبتهم في الرفاهية. في "عائلة السافاج" كلا البطلين يريد النجاح في حياته، وتقديم إبداعاته للناس، دون ظهور أي مشاهد لسيارات فارهة أو مطاعم فخمة.

نهايةٌ سعيدة لأحداث الفيلم، تتحقق بعد موت الأب ونجاح الابنين في حياتهما. وهي نهاية قريبة من الواقع الأسود، إذ يبدو أنهما وجدا طريقهما للسعادة بعد التخلص من الأب وعقدة الذنب التي كانت تلاحقهما بسببه، ورغم أنهما لا ينجحان بالوصول لحياتهما الفضلى، إلا أن البطلة تتمكن من رؤية كتاباتها وهي تقدَّم على خشبة المسرح، في حين يطير البطل إلى بولندا لمناقشة أبحاثه عن الكوميديا السوداء في المسرح. الوحدة تظل "رفيق" أبطال الفيلم، ويبدو أن هذا هو ما يريدونه في النهاية.

نجح الفيلم في تقديم صورة واقعية للعائلة الأميركية، وتناولَ المشاكل العائلية بحرْفية تفوق تلك التي يمكن تلمُّسها في بعض الأفلام العربية، والتي تتخذ في الغالب شكلَ المماحكات النمطية بين الحماة والكنّة، وعلاقة الأجيال بعضها ببعض، مثل الصراع بين الأب وابنه.

حصد "عائلة السافاج" جوائز أميركية وعالمية عدة، ونالت كاتبته ومخرجته تمارا جينكينز، جائزة أفضل فيلم في "مهرجان السينما الأميركية".

“عائلة السافاج”: واقع العائلة الأميركية
 
27-Nov-2008
 
العدد 53