العدد 53 - حتى باب الدار | ||||||||||||||
وجد القراء في إمكانية نشر التعليقات على ما يطالعونه على الإنترنت، حلاً لمشكلة التردد التاريخي الذي عاشوه تجاه مسألة ابداء مواقفهم أو ردودهم على ما ينشره الكتّاب في الصحف، ومن الواضح أن هذه الصحف على الشبكة أكثر جرأة منها على الورق، وهي تعتبر كثرة التعليقات على مواقعها الإلكترونية دليلاً على انتشارها وتفاعل القراء معها. بينما جرت العادة أن تتردد الصحف عن نشر ما يصلها من ردود على الورق، وكانت تجري الكثير من التدقيق قبل النشر ويخضع الرد لعمليات إعادة تحرير واختصار، ويشترط التحقق من اسم وشخصية مرسل الرد، وعليه أن يبرر لجوءه إلى الرد، أي أن تكون له مصلحة من نوع ما في الرد، ثم إنه عادة ما كانت تتاح أمام الكاتب فرصة التعليق، وهي فرصة ليست متاحة أمام القارئ صاحب الرد.
عدم المؤاخذة من الواضح أن ما ينشر على الإنترنت يندرج في سياق الكلام الذي «لا يؤاخَذ» صاحبه عليه كثيراً مقارنة بما ينشر على الورق، ولغاية الآن لم يتم تصنيف «كاتب إنترنت» كما هي حال «كاتب صحفي». ومن قبيل الاحتشام ومحاولة الاستقلال عن الورق أو التعفف عنه، حرص كتاب الإنترنت على إيجاد تسمية خاصة بهم وهي «المدونون» الذين تكاثروا واشتهروا في السنة الأخيرة، ولكن يمكن ملاحظة أن المعلقين على الإنترنت بأسماء وهمية في أكثر الأحيان، ما زالوا أكثر عدداً من المدونين المصنفين. هذا لم يعن توقف ظاهرة الردود على الورق، لا سيما أنها ما تزال أكثر وقاراً من الردود الإلكترونية، وأنها غالباً ما تعكس حالة من النقاش او السّجال بين شخصين معرفين، ثم أن الرد المكتوب على الورق يتطلب جهداً كبيراً ،ولا يسمح فيه بالأخطاء الإملائية والنحوية تحت طائلة الانتقاص من قيمة الرد وصاحبه، بعكس الحال في التعليقات والردود الإلكترونية التي يسمح فيها بالكتابة بأية طريقة، بل إن الابتعاد عن قواعد اللغة يعتبر دليلاً على المهارة.
قبل انقراض التعليق الورقي هناك تنافس خفي بين صنفي المعلقين هؤلاء، ولغايات الحرص على الإبقاء على المعلقين الورقيين، وتحسباً لاحتمال انقراض ظاهرة الردود الورقية، فإن على الصحف إعادة النظر بأساليب التعامل مع المعلقين الورقيين. من ذلك أن على الصحف أن تمنع الكتاب من التعليق على الردود التي تصل من قرائهم، بل أقترح أن تقوم الصحف بالبحث عن طريقة لمكافأة هؤلاء القراء وتوزيع الجوائز والهدايا عليهم. فالقارئ الذي يحمل نفسه عناء الرد على ما تنشره الصحيفة، بما يتطلبه ذلك من قراءة متمعنة لمقالة الكاتب، وقضاء وقت طويل في التفكير والقيام بعمليات التبييض والتسويد والبحث عن عبارات مناسبة بما يكفي لجعل الصحيفة تقبل النشر، مثل هذا القارئ لا يتكرر كثيرا هذه الأيام، وعلينا أن نجد الطريقة المناسبة لكي نقول له: «كثّر الله من أمثالك» وعلى الصحف أن تتوخى اللطف في التعامل معه.
نتافة صحفية في العادة يخاف القراء الذين يرسلون ردودا للصحف من عدم النشر، ولذلك يعمدون إلى إخفاء خبر إرسال الرد، ولكنهم في حالة نشر ردودهم يبتهجون ويسارعون إلى إبلاغ معارفهم وأصدقائهم بذلك. من القسوة بمكان مقابلة هذه البهجة التي يعيشها القارئ لمدة محدودة بتعليق قاس من الكاتب او من المحرر، مما يحيل تلك البهجة إلى تنغيص على النفس ما بعده تنغيص. ان الكاتب في الصحيفة، وبخاصة الكاتب اليومي تتوافر أمامه الكثير من الفرص للتعبير عن رأيه، ومن «النتافة الصحفية» أن يجعل من نشر رد القارئ النشيط فرصة من هذه الفرص. |
|
|||||||||||||