العدد 52 - أردني | ||||||||||||||
سعد حتر يتوّج الملك عبد الله الثاني جهود المصالحة مع قطر بزيارة هذا البلد الخليجي الاثنين المقبل، بينما يصل رئيس الوزراء نادر الذهبي اليوم إلى دمشق في إطار نهج أردني لإعادة بناء الجسور مع هذين البلدين على قواعد اقتصادية متينة ومنفعة متبادلة. يأتي الانفراج في العلاقة الأردنية - القطرية بعد شبه قطيعة دامت سنتين على خلفية استقطابات إقليمية وسياسة «حافة الهاوية» التي انتهجتها الإدارة الأميركية منذ اجتياح العراق في ربيع 2003. قبل الاختراق على مستوى القيادة لعبت دبلوماسية هادئة على مدى أشهر صوب إعادة ترميم علاقة الأردن مع قطر بمحرك اقتصادي هذه المرّة. رئيس الوزراء كان زار الدوحة قبل أسبوعين تمهيداً للزيارة الملكية، فيما يتسلم السفير الجديد أحمد المفلح يوم أمس منصبه في الدوحة. ترافق الملكة رانيا العبدالله جلالته في زيارته التي تأتي استجابة لدعوة من أمير قطر حمد بن خليفة آل ثاني حسب ما أعلن في عمان أول أمس. آخر زيارة قام بها الملك عبد الله الثاني إلى الدوحة تعود إلى مطلع 2003، بعد أربع سنوات من إرهاصات التوتر في العلاقة بين البلدين، على خلفية استضافة قطر لقيادات حركة حماس عقب طردهم من المملكة. وكان الأردن سحب سفيره من قطر منتصف العام الماضي في ضوء خلافات سياسية وتراشق إعلامي. سبق وصول الذهبي إلى قطر، زيارة مفتاح خاطفة قام بها رئيس الديوان الملكي ناصر اللوزي ضمن تحركات محسوبة في عدّة اتجاهات لا سيما دمشق، التي كان وصلها اللوزي قبل أسبوعين برفقة مدير دائرة المخابرات العامّة الفريق محمد الذهبي. جهاز المخابرات العامّة فتح قبل أربعة أشهر قناة اتصال أمنية معلنة مع الحركة الإسلامية الفلسطينية، ما يشي باستدارات تكتيكية لجهة العلاقة مع حماس وحلفائها على الساحة الأردنية الإخوان المسلمين. يسعى الأردن إلى «تنويع خياراته» بعد وصول عملية السلام إلى طريق مسدودة، وفشل الرهان على وعود الإدارة الجمهورية لإقامة دولة فلسطينية مستقلة قبل أفول ولاية جورج بوش الثانية، بحسب وزراء سابقين. وهكذا تتجه الدول العربية إلى طي صفحة «المحاور» بين «ممانعة» و «اعتدال» عبر نسج علاقات متوازنة وطبيعية، لكن دون الإخلال بالتحالف الاستراتيجي بين عمّان وكل من واشنطن والسلطة الوطنية الفلسطينية. فضلا عن كسر الجليد في العلاقات السياسية مع قطر، تضمنت أجندة الذهبي ملفات اقتصادية واستثمارية مُلّحة، كان شابها الجمود خلال السنوات الماضية. تسعى الحكومة لتسهيل شروط إقامة زهاء 20.000 أردني في قطر فضلا عن رفع العقبات أمام سفر مغتربين جدد للعمل في هذه الدولة النفطية، التي تشهد طفرة اقتصادية. وترغب أيضا في رفع حجم الاستثمارات القطرية في المملكة، المقدرة بـ 400 مليون دولار وجس نبض الحكومة هناك لاستيراد الغاز بعد أن أخفقت محاولات رفع الأردن لزيادة كميات الغاز المستورد من مصر بأسعار تفضيلية. في المقابل، اتخذت قطر سلسلة مبادرات إيجابية من بينها سرعة الموافقة على استمزاج تعيين المفلح سفيرا في الدوحة. وخفّفت أيضا من قيود إقامة الأردنيين وشروط منح تأشيرات عمل جديدة. كانت العلاقة الثنائية شهدت تحسناً ملحوظاً بعد أن التقى الملك مع رئيس وزراء قطر الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني خلال زيارة قام بها للأردن خريف العام الماضي لحضور مؤتمر عربي عن تمكين المرأة. جزء كبير من التوتر مع قطر كان يعود إلى الخلاف بين الأخيرة والسعودية، كبرى الدول المانحة وشريك الأردن الاستراتيجي. على أن البلدين الخليجيين فتحا أخيرا الخطوط المعطّلة بينهما. فك استعصاء الأزمة اللبنانية، ولو مرحلياً، ساهم أيضاً في التقارب بعد أن كانت الأزمة ضمن ملف الخلافات بين الأردن من جهة وسورية وقطر من جهة أخرى. الأوراق الإقليمية اختلطت بعد فشل رهان الأردن على تحالف المعتدلين لتحقيق السلام والتنمية في المنطقة. اليوم يسود القلق دول المنطقة مع تبدد فرص حل الصراع مع إسرائيل سلميا قبل رحيل الإدارة الأميركية برئاسة جورج بوش بداية العام المقبل. لهذا السبب يتجه الأردن لتنويع تحالفاته التكتيكية لخدمة استراتيجيته العليا، بحسب مسؤولين سابقين. انفتاح الأردن الأخير على حماس، وقبلها على سورية، ساهم في إزالة الاحتقان وإبعاد ظل المحاور السياسية في منطقة، تتنازعها إيران والولايات المتحدة. السفير الأردني الجديد لدى دمشق عمر العمد ملأ الشهر الماضي الفراغ السياسي الذي استمر لنحو عام، وذلك بعد أن قدم أوراق اعتماده للرئيس السوري بشار الاسد. زيارة رئيس الديوان الملكي ومدير دائرة المخابرات العامة الأخيرة إلى دمشق تعكس رغبة في تفعيل التعاون الثنائي «لمصلحة الشعبين» من خلال بوابة الاقتصاد والتجارة بعد أن سارت العاصمتان العام الماضي نحو حل خلافات تتصل بالأمن والحدود وتقاسم المياه كمدخل لتحسين العلاقات. حين زار رئيس الديوان ومدير المخابرات العامة سورية، تعهد الرئيس بشار الأسد بتفعيل الاتفاقات الثنائية وحفز القطاع الخاص في كلا البلدين لإقامة استثمارات مشتركة، حسبما تقيد مصادر مطلة على هذا الملف. الملك عبد الله الثاني زار دمشق في خريف العام الماضي، منهيا انقطاعا دام أربع سنوات في التواصل على مستوى القيادة، بأمل حلحلة ملفات عالقة بين البلدين. على أن الأردن ما يزال يشتكي من تعثر العديد من الاتفاقات الثنائية، لاسيما سد الوحدة على الحدود المشتركة، الذي يظل فارغا بعد خمس سنوات تقريبا من تدشينه، تفعيل اتفاق للتجارة الحرّة، وتبيان مصير معتقلين أردنيين في السجون السورية. يقول الأردن إن مئات الآبار الأرتوازية وستة وثلاثين سدا داخل الأراضي السورية تحول دون ملء جسم السد، الذي يشكل ضرورة ملّحة للمملكة المصنفة ضمن أفقر أربع دول لجهة الحصاد المائي. كما تسمو العلاقات الاقتصادية مع سورية فوق الخلافات السياسية، كذلك يفترض أن تتعزز مع قطر. فتنمية العلاقات الاقتصادية قد توفر أرضية للارتقاء بالعلاقات السياسية وإدامتها. |
|
|||||||||||||