العدد 52 - بورتريه
 

محمود الريماوي

بين سياسيين أردنيين قلائل، فقد صَعَد عبدالكريم الكباريتي في المواقع السياسية خلال وقت قياسي، ثم «ختم» حياته السياسية في وقت قصير أيضا، لينتقل الى العمل المصرفي ويلمع فيه..

هناك ساسة آخرون جمعوا بين الأعمال والسياسة، بين «التجارة والإمارة».. مثل عبدالهادي المجالي، وعلي أبو الراغب، ورجائي المعشر، وبدرجة أقل طاهر المصري، وفايز الطراونة، غير أن سيرة الكباريتي تنشطر بصورة عمودية بين هذين الحقلين، وفي واقع الأمر فقد توزع بينهما ولم يخلط بين هذا وذاك.

ليس معلوماً إذا كان أبو عون، خطط لمسيرته المهنية على هذا النحو، أم هي «الأقدار» رسمت له هذا الطريق، غير أن الصحيح بعد هذا وذاك، أن الرجل كما تدل سيرته، يجد نفسه في عالم الأعمال كما يجدها في عالم السياسة. فقد عمل في البدء بعد دراسته للأعمال في الولايات المتحدة، مستشاراً مالياً في نيويورك، وساعد في أعمال مكتب صرافة للعائلة في عمان. بعدما انصرف عن دراسة الجيولوجيا في الجامعة الأميركية في بيروت، التي أمضى فيها ثلاث سنوات، وقد تميّزت تلك المرحلة ببدء نشاطه في العمل العام، حيث لمع نجمه أوائل السبعينيات في اتحاد طلبة الأردن، وقد تعرض للخطف في بيروت على أيدي أفراد إحدى الفصائل الفلسطينية العاملة هناك، وهو ما لفت إليه الأنظار منذئذ.

أما حياته السياسية الفعلية فبدأها في العام 1989، حيث ترشح وكان في الأربعين من عمره لانتخابات المجلس النيابي الحادي عشر. فاز في تلك الانتخابات الساخنة، على ايقاع مرحلة التحول الديمقراطي، وحقق فوزاً لاحقاً في الدورة التالية للمجلس. في المرحلة إياها وخلال حقبة كان يتم فيها الجمع بين النيابة والوزارة، تقلّد تباعاً وزارتي السياحة والآثار والعمل مع حكومات مضر بدران، وطاهر المصري، والشريف الأمير زيد بن شاكر وقد تقلّد فيها وزارة الخارجية مطلع العام 1995، وبعد نحو عام عهد إلى الكباريتي بتشكيل الحكومةفي 4 شباط 1996 وضمت عدداً كبيراً من النواب ووصفت بأنها وزارة شبابية، كان من بين أعضائها وزير يساري هو مصطفى شنيكات وزير الزراعة.

حظي الكباريتي بالقرب والثقة من الراحل الحسين، الذي رأى فيه نموذجاً لجيل جديد من السياسيين الشبان اللامعين. في أثناء حكومته تفجرت مظاهرات الخبز، على خلفية رفع طفيف لأسعاره لكن الزيادة لم تكن مسبوقة. رئيس الحكومة تشدّد في التعامل مع الأحداث، كما تشددت مؤسسات أخرى، واقترن ذلك بإقدام الحكومة على صرف دعم لضعاف الحال أطلق عليه «الدفع قبل الرفع» وتولى وزير الإعلام مروان المعشر، الدفاع عن «الزيادة الطفيفة التي لن تمس الفقراء». ولوحظ أن غالبية أحزاب المعارضة بما فيها الحركة الإسلامية نأت بنفسها عن التظاهرات، واتخذت موقفاً أقرب الى تأييد الحكومة في إجراءاتها.

في تلك الحكومة جرى التسهيل على الصحافة وحرية التعبير، فظهرت صحيفة «عبدربه» الساخرة، وأذاع التلفزيون الرسمي، لأول مرة، برنامجاً كوميدياً يتناول الحكومة بالنقد.

وجرى استيعاب تداعيات المعاهدة الأردنية الإسرائيلية، وتجدد زخم علاقات الأردن بدول الخليج، وكان معروفاً عن الكباريتي موقفه الناقد للنظام العراقي السابق. وفي ندوة إعلامية حاشدة في مجمع النقابات انتقد استغلال مأساة أطفال العراق، في أثناء الحصار..قائلاً بما يفيد أن النظام في بغداد مسؤول عن تلك المحنة، ومؤيدوه لم يعرف عنهم حدبهم على الأطفال في أي مكان من في العالم. تظاهرات الخبز أيضاً وصفت في جانب منها وفي أحد بواعثها، على أنها سياسية وأن مؤيدي بغداد ليسوا بعيدين عنها.

استقالت الحكومة في أجواء حملت نقداً ملكياً، لبعض جوانب أداء الحكومة، ومنها «التلميع الإعلامي لرئيس الحكومة». علاوة على تداعيات لتجاوزات وقعت في مركز للرعاية الاجتماعية، وما تكشف عن تقصير فادح لوزارة التنمية الاجتماعية آنئذ.. وقد عمد الكباريتي لشرح سياسات حكومته، في خطاب أجاب فيه على خطاب الملك الراحل الحسين، فيما وصف بأنها المرة الأولى التي يتم فيها الرد على ما ورد في الكتاب الملكي.

مع ذلك ظلت علاقات الكباريتي طيبة ودافئة مع رأس البلاد، وقبل رحيل الحسين استقبل في السفارة الأردنية في واشنطن رئيس وزرائه السابق، داعياً إياه للعودة الى الخدمة العامة بدل الاستمرار بوظيفة «عد المصاري»، في مداعبة حول عمل الكباريتي في البنك الأردني الكويتي. وكان أبو عون انتخب رئيساً لمجلس إدارة البنك في تموز 1998 في ما وصف بانطلاقة كبيرة للبنك بعد تعثر سابق. وقد استهل الملك عبدالله الثاني عهده، بتسمية الكباريتي رئيساً للديوان الملكي وتكليف الروابدة برئاسة الحكومة. فكان أن وقعت احتكاكات بين رئاسة الديوان ورئاسة الحكومة،عكست اختلاف أسلوب الرجلين وتباين رؤاهما، وكلك العلاقة غير المقننة بين رئاسة الديوان والحكومة.آثر الكباريتي بعدها العودة الى موقعه في المصرف، مع مطلع الألفية الجديدة، وهو الموقع الذي ما زال على رأسه، ولم تتخلله عودة الى الحياة العامة، إلا في دورة مجلس الأعيان السابقة.

في تلك الدورة وفي7 شباط/فبراير 2007 أعد الكباريتي رئيس اللجنة المالية والاقتصادية في مجلس الأعيان، تقريراً وصف فيها مواقف نواب من الموازنة العامة بأنها «جهوية وإعلامية»، ما أثار حفيظة عدد من النواب. التقرير الذي شدّد بين أمور أخرى على أهمية ضبط الإنفاق الحكومي، قوبل بتثمين من معلقين اقتصاديين من بينهم فهد الفانك.

بانصرافه إلى عالم الأعمال بعيداً عن الحقل السياسي، ينظر إلى الكباريتي الذي لم يتم الستين من عمره، على أنه أحد أبرز جيل الليبراليين في الحياة السياسية الأردنية الى جانب شخصيات مثل طاهر المصري، ومروان المعشر، ممن يؤمنون بأن تحرر الاقتصاد يتعين أن يقترن بتحديث شامل في المؤسسات، وبضمان الحريات السياسية والإعلامية والفصل بين السلطات، ما يجعل هذا التيار يفترق عما سمي بمجموعة الليبراليين الجدد التي تقصر التحرر على الاقتصاد، دون استحقاقاته السياسية والدستورية..فضلاً عن افتراق الليبراليين مع المحافظين القدامى منهم والجدد، الذين ينظرون مرة من خارج الموقع الرسمي الى الدولة كبقرة حلوب، أو الى الجمهور عبر الموقع الرسمي كبقرة حلوب أيضاً (جبايات الرسوم والضرائب).

يعزو بعض عارفيه العمر السياسي القصير لكنه الغني والعريض، الذي أمضاه أبوعون في عالم السياسة (1989-2001) إلى شدة ذكائه وحساسيته المرهفة، التي ترتبط أحياناً بنفاذ الصبر وقصر النفس، رغم أن هذه الصفات إن صح الانطباع، لم تحل دون تفوقه في الإدارة المصرفية العليا.

عبد الكريم الكباريتي: حياة سياسية قصيرة لكنها عريضة
 
20-Nov-2008
 
العدد 52