العدد 52 - بورتريه | ||||||||||||||
خالد أبو الخير لا يحفل بالتواريخ ولم يضع «C.V» قط، ويغلب على طبعه الحذر إن لم يكن «الحس الأمني». تعود جذور عائلة أشرف علي سيدو الكردي إلى ديار بكر في شرق تركيا، حيث هاجر والد جده إلى الأردن في القرن التاسع عشر، فراراً من الاضطهاد الروسي الديني ضد الأكراد، وأقام في السلط ثم انتقل للإقامة في عمان. عمل جده ووالده في التجارة، وكانا مغرمين بشراء الأراضي، وما زالت قطع متناثرة من الأراضي في ضواحي عمان مسجلة باسم العائلة. والده علي سيدو الكردي أكمل دراسته الثانوية في مدرسة صهيون في القدس، ومدارس أخرى، وسافر لإكمال تعليمه في الجامعة الأميركية ببيروت، وحاز شهادة البكالوريوس في تخصص السياسة والإدارة العامة العام 1925. وعمل في وزارة المعارف مديراً للمراكز العلمية في الأردن. فضلاً عن وظائف أخرى تولى فيها إدارة مدرسة السلط الثانوية، ومدارس أخرى في عمان وإربد والكرك. قبل أن يلتحق بالسلك الدبلوماسي ويجوب العالم، وكان آخر منصب شغله وزيراً مفوضاً في السعودية، وقائماً بأعمال السفارة الأردنية في اليمن. يصف أشرف الكردي، الذي رأى النور في «اللويبدة» العام 1937، مدينة عمان بأنها كانت «قرية صغيرة، يقطنها أهلها وشركس وأكراد ومهاجرون من بلدن عربية مختلفة». تلقى علومه الأولى في المدرسة الهاشمية باللويبدة، وما زال يذكر مديرها بكر صدقي الذي كان «رجلاً محترماً، مهتماً بالعلم، ويعتقد أن الأردنيين جادون في التعلّم، ويقول دوماً ليس في الأردن ثروات، وثروته الحقيقية تكمن في عقول أبنائها أقوال ومواقف بكر صدقي كانت دافعي للاستمرار في الدراسة ومقارعة الصعاب». غير أنه نشأ في بيت محب للعلم، فالعائلة كلها متعلمة، والدته أنهت شطراً من دراستها الثانوية، وأشقائه متعلمون. ولعب جده دوراً مهماً في الحث على التعلم، حيث كان يردد: «عليكم بالعلم دائماً، لأنه رأسمال لا ينضب، وكفيل بأن ينجيكم من كثير من المشاكل وهموم الدنيا». عرف الطبيب أشرف الوعي السياسي المبكر، تأثراً بأجواء الخمسينيات، لدرجة أنه فصل من الكلية العلمية الإسلامية، العام 1954 إلى جانب عشرين طالباً آخرين، على خلفية مشاركتهم في التظاهرات التي اندلعت انتصاراً لقرية «قبية» التي تعرضت لمجزرة إسرائيلية. سافر لإكمال دراسته الثانوية في بغداد، والتحق بالمدرسة الأعظمية، المعروفة بتميزها يدرّس بها نخبة من الأساتذة. حاز شهادة البكالوريا العراقية وانتسب لكلية الطب في جامعة بغداد، وكان من الطلبة الأوائل بها. عقب تخرجه من جامعة بغداد سافر إلى السعودية بناء على رغبة والده الذي كان يعمل هناك. بعد أن أمضى عاماً كاملاً كطبيب في المستشفى العام بجدة، فاتح والده برغبته في السفر لدراسة الطب في بريطانيا.. وهكذا كان. درس الأمراض الباطنية في كلية الطب بجامعة لندن، لمدة ثلاث سنوات، عاد إثرها إلى الأردن والتحق بالخدمات الطبية الملكية، في مستشفى ماركا العسكري الذي كان يسمى «الرئيسي». بعد عامين، قرر السفر مرة ثانية إلى لندن لدراسة تخصص نادر هو «العلوم العصبية»، في وقت كان فيه الأردن يفتقر إلى طبيب أعصاب. فابتعث من الجيش، وحين عاد كانت مدينة الحسين الطبية قيد الإنشاء فعمل بها. يفاخر بأنه أول من أدخل مريضاً إلى قسم الأعصاب في «المدينة». تزوج من زميلة له هي هدى الكردي، وله من الأبناء أربعة، أكبرهم عمر الذي صار وزيراً للاتصالات. يرجع مقرب منه علاقته برئيس الوزراء السابق عبد السلام المجالي الذي اختاره وزيراً للصحة في حكومته 1997، إلى «صداقتهما وزمالتهما في مستشفى ماركا نهاية الستينيات وفي مدينة الحسين الطبية منذ إنشائها». يجادل الكردي بأن المجالي اختاره أول مرة في حكومته الأولى العام 1993، لكنه اعتذر عن المشاركة بسبب علاقته بياسر عرفات وقياديين في منظمة التحرير، كانوا يزورونه في بيته، ولم يرد أن يتحسس أحد منه. بعد تشكيل وزارة المجالي بأسبوع اتصل به رئيس التشريفات في الديوان الملكي أيمن المجالي، وأخبره «بأن الملك الراحل الحسين يريده وعليه أن يحضر على الفور». ذهب من فوره إلى الديوان، وبقي منتظراً انفضاض اجتماع عقده الحسين مع رئيس الحكومة، بحضور ولي العهد آنذاك الأمير الحسن والأمير الراحل زيد بن شاكر. وحين انفض الاجتماع جاءه الأمير الحسن وسلّم عليه، وقال له الملك ينتظرك. فذهب وسلّم عليه بحرارة، فبادره الحسين أولاً بالاعتذار عن هذه السرعة في طلبه، وقال: «ناديتك بشكل خاص لأني أعرفك وأتابع أعمالك وأرغب بأن تكون عضواً في «بيت الملك»، مجلس الأعيان. سر بكلام الملك وانفرجت أساريره قائلاً: أنا حاضر لأي شيء تطلبه جلالتك. فقال الحسين: «أعرف السبب الذي جعلك ترفض المشاركة في الحكومة، لكن مجلس الأعيان أفضل، ما دامت الوزارة قادمة». كان الملك يعرف علاقة الكردي بياسر عرفات والقيادات الفلسطينية، وذات مرة اجتمع الحسين مع عرفات إلى ما بعد منتصف الليل، وعندما ودّع أبو عمار قال له: هل تريد الذهاب عند أشرف الكردي؟. فقال عرفات: نعم. وطلب أن يتصل به ليسأله إذا ما كان ما زال سهراناً. ترجع علاقة الكردي بعرفات إلى عقد السبعينيات، فقد داهم عارض صحي رئيس منظمة التحرير وطلب من الكردي المجيء إلى بغداد لمعاينته. فاستقل أول طائرة وسافر إليه، لتبدأ قصة العلاقة، فالصداقة التي جمعت الرجلين. عرف كطبيب شخصي للرئيس الراحل لمدة تزيد على 25 عاماً، وقد عالجه بعد حادث سقوط الطائرة التي كانت تقله في الصحراء الليبية العام 1992،«لقد أنقذنا حياته من مرض الورم الدموي الثنائي القاسي«bilateral subdural hematoma». تعددت زيارات الكردي لعرفات في المناطق الفلسطينية، كما هو الحال إبان زيارات عرفات لعمان، وإبان مرض عرفات في العام 2004 سافر إليه وهو محاصر في رام الله، وأشرف على علاجه في المقاطعة، قبيل سفره الأخير إلى فرنسا، وعودته جثماناً. ما زال الكردي بعد مرور أربع سنوات على وفاة أبو عمار عند قناعته «بأنه تم اغتياله بالسم». يمضي الكردي أوقاته في عيادته يعاين مرضاه، لم ينتم لأي حزب سياسي، ويتركز ميّله الفكري دائماً على السعي لـ «فهم الحقيقة». دون أن يخطر له على بال أن آلهة الحكمة اليونانية حين أنجبت ولداً، أهدته مفتاحاً كتب عليه «العذاب من أجل الفهم». فكيف حين لا تمتلك القدرة على تغيير الحقيقة. |
|
|||||||||||||