العدد 8 - حريات | ||||||||||||||
منذ انشغل العرب بقضية النهضة والإصلاح قبل نحو مائة وخمسين سنة، مروراً بجميع تجاربهم الفكرية والأيديولوجية والسياسية والعسكرية، اختلف المفكرون، وتالياً الحركات والتنظيمات السياسية، على ماهية نقطة البداية التي يبدأ منها مشروع الإصلاح وإنجاز النهضة العربية: أهو إصلاح المجتمعات العربية، ما يفرض إصلاح النظام السياسي والدولة، أم إصلاح أنظمة الحكم فترعى هذه بدورها بناء مجتمعات صالحة ودول ناهضة؟ وكانت تلك كحكاية البيضة والدجاجة. الحقيقة أن العالم العربي جرّب الخيارين معاً، ففشلا فشلاً ذريعاً. جرّب إصلاح المجتمعات بالعمل المثابر والدعوة الفكرية، فكان الفساد يسرع دوماً لتخريب ما ينجزه الإصلاحيون. وجرّب قفز أصحاب الأفكار الإصلاحية والنهضوية إلى السلطة عبر الانقلابات العسكرية، فكانت السلطة مفسدة لهم، إذ تخلوا عن أفكارهم تلك وسعوا بدلاًَ منها لتحقيق مصالحهم الذاتية والعائلية. وفي محصلة التاريخ العربي المعاصر، ظل العرب في تخلفهم الحضاري رغم كل ما تيسر لهم من أسباب النهوض، وبخاصة تلك المالية. هل من سبيل إذن؟ أم أن أمة العرب استسلمت لتخلفها وبات خطاب الإصلاح صوتاً في البرية؟ ربما. لكن ذلك لا ينفي حاجتنا لمحاولة أخيرة، في مجال أخير، سمّاه بعضهم “العقل العربي”، وسمّاه آخرون احتجوا على ما ينطوي ذلك المصطلح عليه من عنصرية، “ثقافة المجتمعات العربية”، مؤكدين الحاجة للثقافة الديمقراطية قبل الحديث عن الديمقراطية كممارسة، وللمفاهيم العقلانية قبل صياغة أي برنامج إصلاح عملي. وهكذا، فإننا لا نطالب بالديمقراطية، بل نسعى لإشاعة الثقافة الديمقراطية في المجتمع، القائمة على احترام التعددية والحق في الاختلاف وحرية الرأي والموقف، من دون وصاية من أي نوع، وبالذات تلك التي تدعي الأخلاقية، فالوصاية أياً كانت حجتها، هي ضد الثقافة الديمقراطية، وبالتالي ضد الإصلاح. ثم إننا لا ندافع عن منظمات المجتمع المدني، إلا إذا كان سلوكها يتطابق والثقافة المدنية، المناهضة للأبوية والرجعية والقبلية والطائفية، فـ “المؤسسة” لا تكون من المجتمع المدني إذا انسجمت مع أي من تلك الثقافات غير المدنية، أو إذا لم تهتم بالمسألة المدنية وانحصر همها بالمصالح الضيقة والتكسب المالي. وأخيراً فإننا لا نطالب بحقوق الإنسان، قبل أن يدرك الإنسان إنسانيته. فنحن نتحاشى التضليل، ولا نشهد على زور! المحرر |
|
|||||||||||||