العدد 1 - ثقافي | ||||||||||||||
سيظل إريك برينس رئيس ومؤسس شركة الخدمات الأمنية الخاصة، "بلاكووتر"، يصر على أنه يملك الدليل على أن الحراس التابعين لشركته تم إطلاق النار عليهم في الحادث الذي وقع في بغداد وأدى إلى مقتل 17 عراقيا في أواسط أيلول الماضي، وأن "رجال الشركة لم يكونوا يطلقون النار على بعضهم البعض، ولا على مدنيين عراقيين دون سبب"، وأنه سعيد لأن "ال أف بي آي" ستحقق في الحادث، لأنهم سيكونون "طرفاً محايداً"! وستظل الحكومة العراقية، لبعض الوقت، تطلب من الحكومة الأميركية إنهاء تعاقداتها مع شركة بلاكووتر في العراق خلال ستة شهور وتسليم الحراس الذين تورطوا في الحادث، مع أن بغداد تعلم حق العلم أنه لا سلطة قانونية لها على قوات الاحتلال الأميركية، ولا على عشرات الآلاف ممن تستخدمهم في العراق لأداء خدمات أمنية أو أية مهمات أخرى لا تؤديها تلك القوات. وربما ستظل الحكومة العراقية تطالب بلاكووتر، التي يوجد مقرها في ولاية نورث كارولينا، بأن تدفع ثمانية ملايين دولار كتعويض لكل أسرة فقدت ضحية في الحادث الذي أسفر كذلك عن إصابة 27 عراقياً آخرين.
في تلك الأثناء يصدر الباحث والصحفي الأميركي جيرمي سكاهيل الكتاب الذي بدأ بإعداده منذ عام 1998 بلاكووتر: نهوض أقوى جيش للمرتزقة في العالم". واستقبل الكتاب فور صدوره قبل نحو شهرين باهتمام بالغ في أوساط المراقبين والمحللين والصحفيين، لأنه يكشف النقاب، ربما للمرة الأولى، عن خفايا إمبراطورية بلاكووتر الصغيرة، وارتباطها العضوي الوثيق مع المؤسسة العسكرية الصناعية الأميركية في جميع أنحاء العالم. ومن جملة العشرات من التحليلات التي نشرت عن الكتاب، نختار المراجعة التي نشرها جيمس ميك في مجلة "لندن ريفيو أوف بوكس" الصادرة في أوائل آب الماضي.
إيريك برينس مؤسس ومالك بلاكووتر – 38 سنة والوريث لثروة صنعها والده (رجل الأعمال من ميتشغان الذي اخترع حافة زجاج السيارة الأمامي) )ليس بوغد في الحقيقة. ولا يمكن أن يحكم عليه بأنه وغد بسبب أنه لم يذهـــب لمدرسة عامة بل تلقى دروساً خصوصـــية وبأنه ملتزم بالمذهب الكاثوليكي وعضو سابق في القوات الخاصة في البحرية الأميركية وأب لستة أطفال. كذلك لا يجعله وغداً أنه صرح: "هدفنا الرئيسي هو توفير أدوات لمساعدة الأمن الوطني مثلما فعل فيدكس لخدمات البريد العام".
وقد كان متدرباً في إدارة الرئيس الأسبق بوش إلا أنه انحاز إلى بات ديوكانان اليميني المتطرف.
ولا يجعل منه وغدا أنه وهب ربع مليون دولار لحملة تبرعات للسياسيين الجمهوريين، ولا أنه تبرع بربع مليون دولار لمنظمة أسسها تشارلز كولسون المجرم المتهم لدوره في فضيحة ووترغيت، ولا يصنف برينس وغدا لأنه فور حدوث إعصار كاترينا، وعندما كان الناجون يتضورون جوعاً وعطشاً وبحاجة للمأوى والمعدات الطبية ،نقلت شركته جواً ذخائر زودت بها جماعات المرتزقة المدججين بالسلاح في منطقة نيوأورلينز المنكوبة. وقد ساهم بتمويل المعارضين لارتفاع الضرائب والإنفاق بينما حصلت بلاكووتر على ملايين الدولارات كرسوم تكبدها دافعو الضرائب منذ 2001. وعلى الرغم من ذلك فهو ليس وغدا.
إن رجلاً استأجر فريقاً من صفوة المحامين ليحصلوا على حصانة لشركته ضد المسؤولية في حالة موت واحد من رجاله، سواء كان أجنبياً أو أميركياً في أي بقعة من العالم وعلى الرغم من حادثة واحدة على الأقل لإطلاق نار وقتل أناس أبرياء في العراق، ومقتل أربعة من مرتزقة بلاكووتر في الفلوجة بسبب عدم تزويدهم بسيارات مصفحة مناسبة وأسلحة للقوات العاملة والتدريب والتعليمات أو الخرائط، كما قتل ثلاثة أميركيين في أفغانستان على يد طاقم طائرة مستهتر. حسنا ... إن المتابع للأحداث يعتقد أن برينس شخص وغد. إلا أن كل ذلك سيجعله وغداً بطريقة متحررة وإنسانية وأخلاقية. بل إن القانون الأميركي لا يرى أن برينس قد ارتكب، سيئاً بل هو على العكس من ذلك ، وطني ومسيحي ملتزم.... أي، بمعنى آخر، إنه رجل جيد.
لقد أنشأ برينس شركة بلاكووتر لغرض معلن، وهو تدريب وكالات حكومية على إطلاق النار، وكان قد استنكف عن مقابلة المؤلف سكاهيل أثناء الإعداد لهذا الكتاب عام1998.
وعندما حاول المسلحون العرب، من مركب صيد مصنوع من الفايبر غلاس في عدن إغراق المدمرة كول سنة 2000، حصلت بلاكووتر على مناقصة قيمتها 35.7 مليون دولار من البحرية الأميركية لتدريب البحارة لحماية سفنهم بأسلحة فعالة. وجاء هجوم القاعدة في 11/9/2001 وما تبعه من تدخل في أفغانستان ومن بعده غزو العراق فانهمرت على بلاكووتر الملايين التي يتكبدها دافعو الضرائب الأميركيون. كما أتاحت الفرصة لبلاكووتر للتحول من شركة وظيفتها تدريب موظفي الحكومة على إطلاق النار إلى شركة تزود وتوزع مقاتليها لتقديم الخدمات.في أي مكان في العالم.
وفي نسيان/ ابريل، 2002 عندما لم تتقدم أي شركة أخرى بأي سعر، حازت بلاكووتر على عقد قيمته 5.4 مليون دولار لتزويد مركز وكالة الاستخبارات الأميركية في كابول بعشرين حارسا بمعدل 270،000 دولار لكل حارس ولمدة ستة أشهر. وذلك ليس بالثمن البخس. ومنذ ذلك الحين يقوم أسلوب التعامل مع هؤلاء المرتزقة على التفاوض المباشر لا تقديم العطاءات، مما أسفر عن إبرام عقود تقدر قيمتها بأكثر من نصف بليون دولار. ومنذ غزو العراق، حققت ما يزيد على 100 مليون دولار لحماية رجل أميركا في بغداد بول بريمر والجماعات والأجهزة التابعة. وقبل مغادرته للعراق، أصدر بريمر قانوناً يمنح الحصانة من القوانين العراقية للمقاولين الخاصين يحميهم من عواقب أي فعل يتخذونه في سياق متابعة أعمالهم.
وعندما أقيل دونالد رمسفيلد من منصبـــه كوزير الدفاع كان عدد المقاولين الخصوصيين العاملين لصالح الحكومة الأميــركية في العراق يربو على 100،000، وهو أعلى عشر مرات من عددهم في حرب الخليج عام 1991. وقد قدرت عدة مؤسسات حكومية أن تــــكاليف الخدمات الأمنية ومحاولات تصحيح آثار الحصار والحرب والسرقات والعمليات المسلحة أثناء وبعد الغزو تبلغ بين 15 إلى ٪25 من تكاليف العقود.
أما تقديرات المؤلف المحافظة لكلفة الأمن الخاص أثناء إعادة إعمار العراق فهي 5.6 بليون دولار. وتعطي هذه الأرقام مؤشرات مرعبة على "الخصخصة" المتوقعة للجيش الأميركي. فهل يعني ذلك أن بلاكووتر تستحق الوصف الذي أطلقه عليها سكاهيل بأنها "أقوى جيش للمرتزقة في العالم؟ "ولا نعتقـــد أن ثمة مـــبالغة في هذا الوصف. ففي أقل من عقد من الزمن، ارتفعت بلاكووتر من العدم في شمال كارولاينا لتصبح أشبه بقوات وطنية لإدارة بوش في "الحرب العالمية على الإرهاب". وعندما أعيد انتخاب جورج دبليو بوش، أرسل المدير التنفيذي لشركة بلاكووتر غاري جاكسون إلى جميع العاملين معه رسالة بريدية إلكترونية تقول: " بوش كسب لأربع سنوات" مرحى مرحى!!!
ونحن نعلم أن شركات عديدة من المرتزقة تعمل في مختلف بقاع العالم، ومنها الشركة البريطانية "آرمور غروب" التي تعمل في العراق بقوة تقدر بـ 1200 جندي بما فيها 240 عربة مسلحة. وهي تخوض حالياً قتالاً متواصلاً أثناء أدائها مهماتها في مرافقة قوافل الإمدادات وحمايتها. وقد تعرضت للهجوم 293 مرة في الأشهر الأربعة الأولى من عام 2007 حسب تقديرات الواشنطن بوست.
ومع تركيز سكاهيل على التعامل مع مؤسسة حماية أميركية واحدة، فقد فاته أن يقدم تحليلا شاملا يناقش نظرية الجيوش الخاصة عموما. وقد أخفق في توضيح الفرق بين مقاولي الجيوش الخاصة على غرار بلاكووتر، العالية الكلفة المجهزة بالأسلحة المتقدمة التسليح، والتي تتكون من موظفين سابقين مهووسين بالمعدات ومجندين للقيام بمهمات مرافقة قوافل أو حماية إداريين من جهة، وغالبية مؤسسات المقاولة الخاصة غير العسكرية التي تؤدي أعمالا يتعذر على الجيش الأميركي النظامي القيام بها من جهة ثانية.
وبالنسبة للعراق وبقاع أخرى في هذا العالم المضطرب المتصارع، فإن بلاكووتر ونظراءها والأجهزة العسكرية الأميركية المناظرة لها، تظل على الجانب نفسه الذي يؤكد تغلب قوة النار على الوعي الثقافي، وقدرات التفاوض، والإدارة المدنية. |
|
|||||||||||||