العدد 52 - كتاب | ||||||||||||||
إنها لمفارقة واقعية لافتة للنظر تتصل بتحقيق ارتفاعات سريعة ومتسارعة في أسعار الكثير من السلع والخدمات بمجرد حدوث ارتفاع في أسعار النفط الخام المرتبطة به بطريق مباشر وغير مباشر، وكثيراً ما تكون زيادة الأسعار بأكثر من مستوى الزيادة في كلفة النفط الخام، وتستكمل المفارقة بوقائع تباطؤ انخفاض أسعار هذه السلع والخدمات في موازاة حدوث انخفاض أكبر في أسعار النفط العام، وإذا حدث هبوط هنا وهناك، فإنه يكون هامشياً، ومتأخراً في حدوثه، وفي الحالتين يكون المستفيد الأول الرأسمالي المنتج أو زميله المستورد، فيما يقع العبء الثقيل في الحالتين على كاهل المستهلك بشكل عام ومحدود الدخل المتدني بشكل خاص. الاستنتاج السابق تم تلمسه ورصده هذا العام في الحالتين، فعندما كان الخط البياني لأسعار النفط الخام متصاعداً حتى آب/أغسطس 2008، فإن ارتفاعات أسعار السلع والخدمات الأخرى زادت في الوقت نفسه بما يوازيه، وفي حالات كثيرة بأكثر منه، فيما لم تتحرك أسعار السلع والخدمات في اتجاه هبوطي يتوازى، على الأقل، مع اتجاه تنازلي متسارع وكبير في أسعار النفط الخام منذ آب/أغسطس وحتى الآن ومن 147 دولار للبرميل في تموز إلى 52 دولاراً الآن وبهبوط 95 دولاراً وبنسبة 65 بالمئة. عدم هبوط أسعار معظم السلع والخدمات في موازاة التدهور في سعر النفط الخام يشير إليه ويؤكده استمرار الارتفاع في نسبة التضخم العامة الغلاء لتصل إلى 15.5 بالمئة ، في شهر أيلول/سبتمبر، وإلى 15.6 بالمئة خلال شهر تشرين الأول/أكتوبر وعن كامل المدة منذ بداية العام، وكأن العلاقة المتبادلة بين سعر النفط الخام في انخفاضه تكون في وضع معاكس لأسعار السلع والخدمات. وفيما كان أحد أسباب تفاقم نسبة التضخم يتصل بالاتجاه التصاعدي في سعر صرف اليورو والأسترليني، مقابل الدولار، فإن المفارقة تظهر مجدداً في عدم هبوط أسعار السلع والخدمات المستوردة من أوروبا وبريطانيا مع تحقق انخفاض ملموس مؤخراً في سعر صرف اليورو من 1.60 إلى 1.25 دولار مقابله وبنسبة هبوط 22 بالمئة . انحدر سعر النفط الخام، وتدهور سعر صرف اليورو وبقي واستمر التضخم الغلاء كما كان بل وبأكثر مما كان فلماذا؟ بيانات دائرة الإحصاءات العامة أشارت إلى استمرار ارتفاع نسبة التضخم دون توقف لتصل خلال الأشهر العشرة الأولى من هذا العام إلى 15.6 بالمئة مقابل 15.5 بالمئة خلال الأشهر التسعة الأولى من 14.9 بالمئة خلال الأشهر الثمانية الأولى، فيما كانت أسعار النفط الخام وأسعار صرف اليورو تتجه إلى الهبوط المتسارع خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة، ولا تفسير لهذه المفارقات إلاّ أن منتجي السلع ومقدمي الخدمات يتحكمون في أسعارها في الحالتين ولتحقيق أعلى ربحية ممكنة في مناخات تحرير الاقتصاد وغياب الحكومة عن المشاركة فيه والتدخل في تحديد اتجاهاته ومساراته وأسعاره. ثقل وطأة نسبة التضخم العالية والمتصاعدة تظهر أكثر عند الانتقال في النظرة التحليلية من النسبة العامة إلى ملاحظة وتقييم نسب التضخم لأسعار مجموعات السلع والخدمات حيث يظهر إلى السطح نسب أعلى بكثير لمجموعات من السلع التي تصنف بالضرورية أو الأساسية، ولتصل الى 57 بالمئة لمجموعة الوقود والإنارة، و 25 بالمئة لمجموعة النقل، و 33 بالمئة لمجموعة الحبوب ومنتجاتها، و 34 بالمئة لمجموعة اللحوم والدواجن. ولأن الزيادات في الرواتب والدخول لم تتصاعد بنسب الارتفاع نفسها في نسب التضخم الأسعار بل ان بعض شرائح العاملين في القطاع الخاص تجمدت رواتبهم وأجورهم، وبعضها تراجع مع إلغاء وشطب عدد من المزايا المرتبطة بالراتب مثل: خدمة التأمين الصحي، وتأمين المواصلات، أو السكن، أو ميزة التوفير، أو توفير وجبات الطعام، فإن النتيجة الطبيعية المنتظرة كانت وستكون في تردي أوضاع العاملين المعيشية وانتقال أعداد متزايدة منهم إلى ما دون خط الفقر المطلق أو الفقر المدقع واتساع مساحات البطالة، واشتداد حدة التفاوت في الدخول والثروات، وإنطلاق التناقضات والصدامات الاجتماعية. العلاقات الاجتماعية والاقتصادية في الأردن في حالة أزمة متفاقمة، ومواجهتها من أجل الخروج منها بسرعة وبأقل الخسائر، تتطلب تغييراً واسعاً في التوجهات والسياسات ومواقع المسؤولية فيما تكون محاولات التخفيف او التطمين المفتعل مفيداً لفترة قصيرة لتعود الأزمة إلى الانفجار بأشد مما كانت عليه وعلى نطاق أوسع تصعب معالجته لاحقاً. |
|
|||||||||||||