العدد 52 - اعلامي
 

عدي الريماوي

في مسعى لوقف نزف الخسائر المتراكمة، هجرت صحيفة «كريستيان سيانس مونيتر» الأميركية الطبعة الورقية لتطل على قرائها حصراً عبر موقعها الإلكتروني بعد مائة عام على تأسيسها.

إدارة الصحيفة، الأعرق على الساحة الأميركية، تصف قرارها، الذي يدخل حيز التطبيق في نيسان/أبريل المقبل، بأنه «القرار الصائب».

في المقابل ستصدر «كريستيان سيانس مونيتر» نسخة إلكترونية يومية، يتم إرسالها إلى المشتركين عبر البريد الإلكتروني، وأخرى أسبوعية ورقية في 24 صفحة.

هذا الخبر احتل مساحات واسعة في معظم صحف العالم، التي تنظر إلى «كريستيان سيانس مونيتر» بوصفها من أعرق الصحف العالمية، التي واكبت الكثير من الأحداث والحروب. وعلّق كثيرون بأن الإعلام المكتوب سيفقد مصدراً مهماً للأخبار بتوقف هذه الجريدة عن الصدور الورقي اليومي، بعد أربعة قرون من ميلاد الصحف اليومية.

وبرر مسؤولو الصحيفة هذا القرار، بأنه جاء لسد «العجز المتزايد في ميزانيتها، الذي يصل إلى 19 مليون دولار». ورغم أن كنيسة «كريستيان سيانس» تغطي جزءاً من هذا العجز، فإن هذا القرار «سيتيح تقليص النفقات»، بحسب تصريحات لديفيد كوك، رئيس مكتب الصحيفة في واشنطن، الذي قال إن موقع الصحيفة الإلكتروني «يستقبل مليون زائر شهرياً، في حين يتم بيع 200 ألف نسخة فقط في الشهر». ولهذا «كان لا بد من إعادة النظر بالنسخة الورقية».

وتمكنت هذه الصحيفة من خلال متابعاتها المتوازنة لقضايا الشرق الأوسط والعالم، من وضع قدم لها بين كبريات الصحف الأميركية، والتي تعمل تحت شعار «لا تجرح أحداً، ولكن بارك جميع البشر»، الذي أطلقته السيدة أيدي مؤسِسة الصحيفة قبل قرن.

نالت «كريستيان سيانس مونيتر» «جائزة بولتزر» الصحفية الشهيرة سبع مرات، وفاز الكثير من كتابها ورساميها، بجوائز أميركية وعالمية يصل عددها إلى 400 جائزة بحسب موقع الصحيفة.

واقترن اسم هذه الصحيفة بالعالم العربي، بعد اختطاف مراسلتها جيل كارول، لمدة 83 يوماً لدى مسلحين في العراق. ونشرت كارول بعد إطلاق سراحها مذكراتها في هذه الصحيفة، مما جلب عدداً كبيراً من القراء لـ«كريستيان سيانس مونيتر»، التي توفد بانتظام مراسلين لها إلى القارة الإفريقية للوقوف على المشاكل التي تعصف بتلك المنطقة.

وصرحت بقية كبريات الصحف الأميركية، بأنها لا تفكر بأن تحذو حذو «المونيتر»، «الواشنطن بوست» قالت بأن ليس لديها خطط لإلغاء النسخة الورقية، وأن الاهتمام ينصب في تطوير الموقع الإلكتروني للصحيفة. في حين صرح مسؤولون في «النيويورك تايمز» بأنهم «لا يهتمون» الآن بهذا الموضوع.

وقد حققت الصحافة الإلكترونية نجاحات كبيرة في السنوات الأخيرة، واحتلت مركزاً هاماً بين المصادر الإعلامية في العالم، ونجحت من خلال التحديث المستمر لأخبارها والتعليقات التي تصدر من القراء، بمنافسة الصحف النمطية، لتحل محلها بجانب فنجان القهوة في الصباح. وعقد قبل أيام «مؤتمر الإعلام الإلكتروني» في أبو ظبي، ليدلل على أهمية هذا النوع من الصحافة في العالم العربي، وكانت عقدت مؤتمرات مماثلة، في برلين في آذار مارس، وفي طرابلس العام الماضي. ويتم طرح المسائل المتعلقة بالرقابة وحقوق النشر في هذا الفضاء، ويجري الحديث دائماً عن أن الصحافة الورقية، باتت تسعى للحاق بـ«الركب الإلكتروني» حتى لا تخسر مزيداً من قرائها، الذين تحولوا إلى متابعة الصحف الإلكترونية.

قرار مبكر

جورج حواتمة، رئيس التحرير المخضرم والخبير في الإعلام الغربي، يرى إن هذا القرار جاء «مبكرا بعض الشيء، إذ إن التوقعات لتحول الصحافة النمطية إلى إلكترونية، كانت تشير إلى عشر سنوات». ويؤكد حواتمة أن «العالم يتجه نحو اختفاء النسخ الورقية، وذلك لكلفة الطباعة والتوزيع واعتماد الناس المتزايد على الإنترنت، هذه العوامل ساعدت في اتخاذ قرار كهذا».

وحول احتمالات اتخاذ مثل هذا القرار على الصعيدين المحلي والعربي، يجيب حواتمة: «لا نستبعد كثيراً مثل هذا القرار، بسبب الكلفة المتزايدة للورق والمطابع والعمال، واحتمال انخفاض نسبة الإعلانات، من الممكن أن تلجأ بعض الصحف التي تتعرض للخسائر، لقرار كهذا». ويضيف حواتمة بأن الأوضاع الاقتصادية في العالم في الفترة المقبلة، ستحدد بشكل كبير مستقبل الكثير من هذه الصحف.

“كريستيان سيانس مونيتر” تهجر الورق لمصلحة الموقع الإلكتروني
 
20-Nov-2008
 
العدد 52