العدد 52 - ثقافي | ||||||||||||||
تحسين يقين وعبد الحكيم أبو جاموس رام الله – أثار قرار أصدره «مجمع اللغة العربية في إسرائيل»، يقضي بتقديم منح مالية باسم الشاعر الراحل محمود درويش، جدلاً في أوساط المثقفين في فلسطين المحتلة العام 1948، وانقسموا بين طرفٍ معارضٍ للفكرة، وآخر مؤيد لها. المعارضون أكدوا «وقوفهم في وجه السلطات الإسرائيلية»، ورأوا أنها تريد سلب ثقافة المقاومة ومصادرة رمزها الأعلى محمود درويش. أما المؤيدون، ولهم أسبابهم، فقد عدّوا ما يحدث ضجةً مفتعلة، ومزاودةً على وطنيتهم، وقالوا إن تقديم المنح هدفه ترسيخ مكانة الشاعر الراحل في ذهنيّة المواطنين العرب، واستغربوا ما يطرحه المعارضون، في ظل عدم ممناعة اليهود أنفسهم، الذين وقف متطرفون منهم في سنوات سابقة ضد أشعار درويش. بين «الأسرلة» والنهب الشاعر والمحامي خالد محاميد، تصدى لهذه القضية منذ بدايتها. يقول: «هذا المَجْمَع يتبع لوزارة العلوم والثقافة الإسرائيلية التي يتولى حقيبتها الوزير العربي غالب مجادلة، ويتلقى التمويل منها»، ويضيف أن المجمع أقام يوماً دراسياً في الناصرة لذكرى درويش، شارك فيه كل من سليمان جبران ونعيم عرايدي وفاروق مواسي وحسين حمزة ومحمود غنايم وسالم جبران ونبيه القاسم ومصطفى كبها. وجرى خلال تلك الفعالية توزيع منح دراسية باسم درويش ممولة من ميزانية دولة إسرائيل. محاميد يؤكد اعتزامه رفع قضية حقوقية لوقف ما سمّاه «نهب رمز ثقافة المقاومة الفلسطينية»، ومقاضاة المسؤولين عن هذا الموضوع. «لا نستطيع أن نمر مرور الكرام على هذه المعركة، التي تطال طهارة ذكرى درويش ورمزيتها الكثيفة، والتي يحاول الإسرائيليون سلبها كما سلبوا بلادنا»، يقول محاميد قبل أن يتابع: «مكانة درويش في رمزيته كابن القرية المهجرة والبيت المهدم وتمثيله لقضية اللجوء والتشريد والمنفى والمقاومة، هي ملحمة الشعب الفلسطيني أمام الخصم الإسرائيلي، ودرويش هو الذي اصطفى واستدرج المعاني لمعارك شعبه ضد المحتلين، وكانت كلماته وما زالت سلاحنا لنتحدى بواسطتها الثقافة الإسرائيلية». الأديب سلمان ناطور يرى أن «أسرلة درويش» قضية يجب رفضها، ومنْع تسمية أي نشاط لمؤسسة إسرائيلية باسمه، ومنع استغلال موته لأسرلة شخصيته وآثاره وذكراه. يقول الناطور: «عائلة درويش رفضت ذلك، وجمهور كبير من أدباء الداخل رفض، وهناك حالة امتعاض كبيرة من قيام مؤسسة إسرائيلية بتقديم جوائز باسم درويش. هذا ممنوع وليس لهم أي حقّ فيه». ويوضح أن مكمن التحفّظ «أن تقوم مؤسسة إسرائيلية بذلك». أين كانوا في حياته؟ الكاتبة هيام قبلان، التي تقيم في الكرمل، تقول: «حضرت الحفل، إلا أنني غادرته مستاءة، وفوجئت بتوزيع الجوائز في نهايته». وتعبّر عن معارضتها استخدام اسم درويش واحتكاره لمؤسسات حكومية إسرائيلية، كانت رفضته ورفضت أشعاره طوال الوقت. وتتساءل: «على أي أساس يتخذ المجمع قراراً كهذا؟ لو كان صدر هذا القرار عن مؤسسة توفيق زياد أو بيت الثقافة في الناصرة لما عارضه أحد». تضيف قبلان: «كل مؤسسة أصبحت تحتكر درويش بعد موته، فأين كانوا في حياته، لماذا لم يحدث هذا التكريم وهو بين ظهرانينا؟! أعتقد أن الوزير مجادلة أقدم على هذه الخطوة لتعزيز مكانته الشخصية فقط». المؤيدون: مزايدات مضى عليها الزمن! رئيس مجمع اللغة العربية في حيفا، محمود غنايم، يؤكد أن الهيئة الإدارية للمجمع هي التي أقرّت توزيع المنح، ونفى وجود أي علاقة للوزير باتخاذ القرارات في المجمع، لا في قضية المنح ولا في أية قضية علمية أو ثقافية تخص المجمع. ويرى أي «تشكيك في النيّة»، ليس سوى جزء من «المزايدات التي مضى عليها الزمن»، لأن الهدف كان يصب باتجاه «وضع الشاعر الراحل على أجندة الوعي الجماهيري، ليس فقط للأقلية العربية، بل للمجتمع الإسرائيلي برمّته». يتساءل غنايم: «هل هو ذنب اقترفناه؟»، ويؤكد أنه «لا يوجد أي إسرائيلي يعارض ذلك، بل إن بعض اليهود حضروا اليوم الدراسي وحبّذوا الفكرة. بل إن شقيقيّ الراحل (أحمد وزكي) باركا الفكرة ووافقا عليها». المنح التي تم تقديمها بلغت 25 منحة للدراسات العليا، بقيمة 91 ألف شيكل، ولم ينفِ غنايم أنها تُدفع من ميزانية الدولة ومن وزارة العلوم والثقافة، إلا أنه أكد أنها حقّ شرعي للعرب، لأنهم يدفعون الضرائب لهذه الدولة، ومن حقهم أن يستفيدوا من هذه الأموال في مجالات الخدمات والثقافة وغيرها، بل إن الجماهير العربية تطالب دوماً في المساواة. ضجّة صبيان مفتعلة الناطق الرسمي باسم مجمع اللغة العربية في حيفا، نبيه القاسم، يرى في موقف المعارضين «مزاودة فاضية وضجّة مفتعلة من جانب مَن كان درويش نفسه سمّاهم: الصبيان الذين يصطادون في المياه العكرة». ويؤكد أن المجمع مؤسسة مستقلة لا علاقة لوزارة العلوم والثقافة ووزيرها بالقرارات المتخذة فيه. القاسم يلفت إلى أن معظم المعارضين يعملون في مؤسسات شبيهة بالمجمع، ويتلقّون رواتب منها. ولم ينكر أن الوزير مجادلة حاول تخصيص جائزة للإبداع باسم درويش، إلاّ أن المجمع لا علاقة له بذلك، كما أن عائلة درويش لم توافق على ذلك. ويتابع: «لا مجال للتشكيك بنا، فكلّنا أصدقاء حميمون للشاعر الراحل». يوضح القاسم أن المجمع كان جمعية خاصّة عملت لسنوات عدة حتى أُقرّت قانونياً في الكنيست. وهي مؤسسة مستقلة معترف بها قانونياً، ولها ميزانيتها السنوية، ولا يحق لأيّ مسؤول التدخل في أعمالها. ويؤكد أن الهيئة الإدارية للمجمع هي التي أقرّت إقامة يوم دراسي عن درويش، وتخصيص جائزة توزع باسمه في هذا اليوم. يختم القاسم بالقول: «أعضاء المجمع الذين كرّموا درويش هم أصدقاؤه وأصدقاء أشقائه وعائلته، ولا يحتاجون لإذن من الصارخين عالياً الذين لا ناقة لهم ولا جمل في عالم الأدب والشعر». |
|
|||||||||||||