العدد 52 - حريات | ||||||||||||||
سراب الخفاجي يعاني ذوو الأطفال المصابين بمرض «التوحد» من التكلفة المالية المرتفعة لمعالجة أبنائهم في المراكز المتخصصة بهذا المرض، في ظل عدم اعتراف وزارة الصحة به مرضا حتى الآن. التوحد تعريفا، هو «اضطراب نمائي يصيب الطفل خلال السنوات الثلاث الأولى من حياته، أول ما يتأثر فيه، هو اللغة، ما يجعله منسحب اجتماعيا، ويفقد اللغة التي اكتسبها وتظهر لديه خصائص في السلوك، متنوعة وشاذة». وهو مرضٌ غير وراثي، واحتمالات الإصابة به تزداد عند الأسر التي لديها إصابة أخرى بهذا المرض. المستشفيات الحكومية تستقبل «الحالات المرضية التي تستدعي دخول المستشفى؛ الأطفال الذين يعانون من التهاب رئوي، أمراض الكلى، هبوط في القلب، تسمم والتهاب دم. وحالة التوحد لا تنطبق على ما ذكرناه سابقا، فالمصاب به لا يعاني من نزيف دم أو من أوجاع»، كما يقول رئيس قسم الأطفال في مستشفى البشير، سمير الفاعوري. لكن المستشفيات تستقبل الأطفال المصابين بمرض التوحد في إطار مراجعة للعيادات الخاصة لمرة واحدة يتم خلالها الكشف عنه، «فهو يحتاج إلى متابعة سريرية وتشخيص لتحديد حالته». ولا توجد إحصاءات لدى وزارة الصحة عن مرض «التوحد»، كما لا توجد حالات مشخصة أو بيانات عن حجم انتشار المرض، وفق مدير قسم الأمراض غير السارية في وزارة الصحة، محمد الطراونة، الذي يرى أن على مؤسسات المجتمع المدني المختصة بالتوحد أن تبادر وتتحرك. أمينة 40 عاما والدة الطفل سيف، دخلت فصولا من المعاناة مع ابنها الذي يبلغ من العمر 6 سنوات، حيث تعرفت على حالته عندما تخطى عامه الثاني حين لاحظت أنه بدأ بفقد تركيزه وتحديد نظره على الناس. وكان منعزلا عن الوسط المحيط به. «أصبح بعد ذلك، نشيطا بشكل غير طبيعي. راجعنا أطباء كثيرين إلى أن عرفنا فيما بعد بأنه متوحد». أسامة 34 عاما، لم يدرك ما أصاب أبنه صهيب، 9 سنوات، في السنوات الأولى من عمره، فالأعراض بدأت تظهر عليه تدريجيا، ما دفع عائلته إلى السؤال المستمر «لماذا صهيب منطو على نفسه؟ فهو لا يتدخل بأحد ويتأخر في الحديث، ويحرك يديه لا إردايا». فقرر أسامة وزوجته أخذه إلى مديرية كشف الإعاقات المبكرة لعله يخبيء ما كان في حسبانهم يوما. «لم نعرف ما المرض، لكن بعد أن قالت إحدى الطبيبات العاملات في المركز بالصدفة إنه يشتبه في إصابته بالتوحد، دخلنا فصولا من المعاناة لمساعدته». الطفل عمر، 12 عاما، أصيب بالتوحد في السنة الثانية من عمره، حيث قامت والدته أروى بجولات بين الأطباء والمستشفيات، باحثة عمن يساعدها: «عمر ليس كباقي أقرانه من الأطفال، فهو بدأ يفقد قدرته على النطق، ما اضطرني لأخذه إلى عدة أطباء لم ينجحوا في تشخيص حالته». يبلغ عمر حاليا التاسعة، وهو يعاني من صعوبة في التأقلم مع الوسط المجاور له. وتسُجل حالات التوحد ارتفاعا لدى الذكور عنها بين الإناث بنسبة 1\4، وتعزو سهام الخفش، رئيسة جمعية مساندة ودعم الأفراد «التوحديين» وأسرهم الخيرية، ذلك إلى «علاقة الكروموسمات في صورة مباشرة، ما يجعل الذكور أكثر تعرضا للإصابة به من الإناث». فيما تشير بعض الدراسات إلى احتمال ارتباط مرض التوحد مع مجموعة من الجينات، حيث إن لها تأثيرا مشتركا. الخفش، تعتقد أن خطورة المرض تكمن في صعوبة تشخيصه «وهذا ينعكس على الطفل، فالأهالي يجهلون التوحد، ما يجعل حالة الطفل تتطور من مرحلة بسيطة إلى مرحلة متقدمة». «لا بد من وجود دور للجمعيات التطوعية لتنشر الوعي بين الناس»، هذا ما يراه الفاعوري الذي يقول: مثل مرض التلاسيميا، حيث قامت المؤسسات بالتوعية منه، وبعد ذلك قامت الوزارة بتأمين الخدمة ثم أصبحت هناك قاعدة بيانات لهذا المرض، علما بأنه ليس من أولوياتنا. ويتفق الطراونة مع الفاعوري، ويقول: وجود جمعيات أو مراكز خاصة بالتوحد كافية، وإذا كان هناك من برامج فستكون ضمن الدوائر الخاصة بالأطفال داخل المستشفيات الحكومية. لكن أولويات قبول الحالات بالنسبة لمستشفيات الحكومة متفاوتة والتوحد ليس الأولوية، ويتساءل الفاعوري «عندما يكون لدينا طفلان؛ الأول لديه هبوط في القلب وآخر مصاب بالتوحد، من نستقبل؟ أما الخفش فترى أن الجمعيات «لا تستطيع العمل وحدها، فهي لابد أن تقوم، مع الحكومة للنهوض معا، كما أن وزارة الصحة لها دور كبير في تشخيص المرض ولم تقم حتى الآن بتشخيصه». سهام الخفش، تشتكي من الكُلف المرتفعة التي تطلبها مراكز علاج التوحد، وهي مطلعة على معاناة الأهالي، «لا نملك نحن، بوصفنا جمعية تطوعية، سوى مساعدة الأهالي على كيفية التعامل مع أبنائهم فقط. غير ذلك لا نستطيع أن نقدم العون». وتنشط أربعة مراكز متخصصة في مجال معالجة التوحد، غير أنها باهظة التكاليف، ما يجعل الطفل المتوحد ضحية مرتين: ضحية الأوضاع الاقتصادية، وضحية إهمال حكومي لا يعترف حتى اليوم بهذا المرض. وتبلغ قيمة التسجيل لدى الطفل الواحد في فترة لا تزيد على ثلاثة شهور، نحو ألف دينار، وهو مبلغ لا يشمل الطعام، فيما تتباين القيمة من مركز إلى آخر، وسط غياب دور لوزارة الصحة، لكن الوزارة نفت ذلك، على لسان الطراونة، الذي قال إن هنالك «تنسيقا بين الوزارة ووزارة التنمية الاجتماعية وتلك المؤسسات». الطفل صهيب، استفاد من الجمعيات الخيرية «نسبيا»، وانعكس ذلك إيجابا من خلال الاختلاط، لكن ذلك لم يستمر طويلا، «لأن الجمعيات غير مؤهلة، لكون الوسط المجاور لطفلي، من ذوي الاحتياجات الخاصة، ما ينعكس سلبا عليه، عدا عن أن الجمعيات المتخصصة بالتوحد مكلفة جدا، لذا، فكرنا في أن نرعاه في البيت.» تقول والدته. أما سميرة 38 عاما، والدة الطفل عمر، فجالت بين العديد من المراكز، تقول: «المراكز المتخصصة بعلاج التوحد مكلفة جدا، ونحن لا نملك مالا مضاعفا لوضعه فيها». وحاولت والدة سيف الاطلاع على المراكز التي ترعى أطفال التوحد، لكنها اصطدمت بمستوى الأسعار: «الأول يأخذ في السنة 6 آلاف دينار والثاني 5 آلاف دينار». حاليا، يتلقى سيف العناية الحثيثة على يدي أمه داخل جدران المنزل. وتطالب والدة سيف بإيجاد مراكز متخصصة تضم أطفال التوحد «على أن لا تكون مرتفعة الثمن». تتمنى والدة عمر أن تبادر وزارة التربية والتعليم «وتساعدنا، نحن أسر الأطفال المتوحدين. الأطفال ضحايا التوحد، والأهالي لا يعرفون، والأطباء لا يدركون»، تقول والدة عمر، معتبرة ان ابنها ذهب ضحية الجهل وعدم المعرفة الأولية لحالته لدى إصابته بمرض التوحد. حاولنا الحديث مع مسؤولين عدة في وزارة التربية والتعليم ومناقشتهم حول دمج الأطفال المتوحدين في المدارس، لكن معظمهم اعتبر أن المدارس «مؤهلة لاستقبالهم»، ولكنهم يحتاجون إلى مدرسين مختصين بالتعامل معهم، والوزارة لا تملك المقدرات المالية لدفع رواتب مدرسين مختصين لعدد ليس كبيرا من المصابين بهذا المرض. تتمنى رئيسة جمعية مساندة ودعم الأفراد التوحديين وأسرهم الخيرية أن تبدأ مبادرات من قبل وزارة التربية والتعليم «نريد من المدارس ان تتهيأ لاستقبال الطلاب المتوحدين». كما أن على وزارة التنمية الاجتماعية «تأمين صفوف من خلال المراكز المنتشرة لها وتهيئتها، أو أن تدعمنا لفتح مركز وطني متخصص». تسعى الجمعية لتأسيس قاعدة بيانات حول حجم التوحد في الأردن ومعرفة التوزيع الجغرافي وفئاتهم العمرية، لكنها لا تستطيع في الوقت الحالي لسبب تعزوه الخفش إلى عدم وجود دعم من وزارة الصحة التي لم تتحرك بعد لمتابعة الحالات ودراستها. |
|
|||||||||||||