العدد 51 - أردني | ||||||||||||||
نهاد الجريري عندما يتوجه الناخب الأميركي إلى صناديق الاقتراع في الانتخابات الرئاسية، فإنه في واقع الأمر لا يصوت لمرشحه المفضل لمنصب الرئيس أو نائب الرئيس، وإنما إلى شخص ثالث ينضم إلى ما يُعرف بالمجمع الانتخابي Electoral College الذي ينوب عن «الشعب» في تحديد من سيشغل هذين المنصبين. الفكرة وراء هذا النظام من الاقتراع غير المباشر، هي أن واضعي الدستور الأميركي في 1787، كانوا أمام خيارين بما يتعلق بانتخاب السلطة التنفيذية. الأول: أن ينتخب الشعب الرئيس ونائب الرئيس في اقتراع مباشر. والثاني أن يقوم الكونغرس المنتخب بالاقتراع المباشر، بانتخاب الرئيس ونائبه. لكن «الآباء المؤسسين» خشوا من الخيار الأول على أساس أن الأحزاب السياسية لم تكن منظمة بعد، ولم تكن ثمة قواعد تحدد عدد المرشحين، ناهيك عن صعوبة التنقل والاتصال. فمرشح جدير بالثقة قد يحظى بشعبية في منطقة معينة، لكنه يظل مغموراً لدى مناطق أخرى. ما يعني أن الناس ستنقسم حول مرشح واحد. أما بالنسبة للخيار الثاني، فتكمن الخطورة في أن المنصب التنفيذي قد يكون خاضعاً لسيطرة فئة من رجال الكونغرس، ممن قد لا يعكسون رغبات ناخبيهم بقدر ما يعكسون مصالحهم الشخصية. عليه، تم التوصل إلى حل وسط بابتكار "مجمع انتخابي"؛ فتقوم الأغلبية الفائزة في ولاية ما بانتداب شخصيات عامة، لا تشغل منصباً حكومياً، لتمثيلها في هذا المجمع لانتخاب الرئيس ونائبه. يتم اختيار المندوبين قبل بدء الانتخابات الرئاسية كل 4 سنوات. فيقوم كل حزب بإجراء انتخابات داخلية لاختيار قائمة، تضم عدداً معيناً من هذه الشخصيات. هذا العدد يساوي عدد ممثلي الولاية في الكونغرس بغرفتيه الشيوخ والنواب. فلكل ولاية عضوان في مجلس الشيوخ، فيما يرتبط عدد النواب بعدد سكان تلك الولاية. ولاية كاليفورنيا، اليوم، لها 55 صوتا في المجمع، مقابل 3 أصوات لولاية مونتانا. بهذا يصبح المجموع الكلي للولايات 535 صوتا. تُضاف إليها 3 أصوات منحها الدستور لواشنطن العاصمة، وهي ليست ولاية وإنما مقاطعة، ما يجعل المجموع النهائي 538، هو عدد المندوبين في المجمع الانتخابي. للفوز بمنصب الرئيس ونائبه، يجب الحصول على 270 صوتا على الأقل. في يوم الانتخابات، يتم احتساب قائمة الحزب التي ستذهب إلى المجمع الانتخابي والتي ستصوت بالتالي لمرشح ذلك الحزب من خلال نظامين. الأول يعتمد نظام أن "الفائز يأخذ كل شيء The winner takes it all"، ويُطبق في 48 ولاية من الولايات الخمسين، بالإضافة إلى مقاطعة العاصمة واشنطن. فبمجرد أن تعلن ولاية عن أن مرشح حاز فيها على الأغلبية مهما كانت ضئيلة، يكون الحزب قد نال جميع الأصوات الانتخابية المخصصة لتلك الولاية. فمثلا، الأغلبية للحزب الديمقراطي، ولو بصوت واحد في ولاية نيويورك، تعني أن أصوات الولاية ألـ31 الممثلة في المجمع ستكون من الديمقراطيين. لكن في ولايتين هما مين (4 أصوات) ونبراسكا (5 أصوات)، يتم تحديد الهوية الحزبية لمندوبي هاتين الولايتين في المجمع من خلال نظام أكثر تعقيداً. إذ يتم اختيار ممثل واحد بالتصويت الشعبي على مستوى المقاطعات الانتخابية، فيما يتم اختيار ممثلين اثنين من خلال التصويت على مستوى الولاية. ما يعني أن هاتين الولايتين قد ترسلان إلى المجمع أصواتا منقسمة بين مرشح جمهوري وآخر ديمقراطي. يلتقي المجمع الانتخابي في 15 كانون الأول/ديسمبر للاقتراع النهائي، ويقوم الكونغرس بعدّ النتائج في كانون الثاني/يناير. اللافت في نظام الاقتراع غير المباشر ، أن ليس في الدستور الأميركي ما يفرض على ممثل الحزب في المجمع الانتخابي، التصويت بما يقضيه الحزب أو التصويت الشعبي. لهذا شهد التاريخ الأميركي 4 انتخابات، خسّر فيها المجمع الانتخابي مرشحين كانوا فازوا بالاقتراع الشعبي. أولها في 1824 عندما فاز جون كوينسي آدمز على آندرو جاكسون، رغم أن الأخير حاز على أغلبية التصويت الشعبي؛ لكنه لم ينل الأغلبية المطلوبة في المجمع الانتخابي؛ ما اضطر مجلس النواب لانتخاب الرئيس (بحسب الدستور). جاكسون اتهم آدمز و هنري كلاي (الذي كان رئيس المجلس) بالفساد والتآمر ضده. آدمز عيّن كلاي وزيرا لخارجيته. في العام 1876، حاز الديمقراطي صاموئيل ج. تيلدين على أغلبية التصويت الشعبي في مواجهة الجمهوري رذفورد ب. هيز. وكان متقدماً عليه في المجمع بأغلبية 184 صوتاً مقابل 165 صوتاً لـ هيز. لكن الأصوات الـ19 المتبقية أثارت جدلاً محتدماً. في نهاية الأمر فاز هيز بالرئاسة. ويُعتقد أن صفقة عُقدت بين الطرفين، مقابل فوز هيز، كان على الجمهوريين أن يعلنوا انسحاب قواتهم الفدرالية من الجنوب، ما أنهى فترة "إعادة الهيكلة" التي تلت الحرب الأهلية. في 1888، فاز الجمهوري بنجامين هاريسون بالرئاسة وحاز على 233 صوتاً في المجمع الانتخابي مقابل 168 لمنافسه الديمقراطي غروفر كليفلاند، الذي كان تفوق على هاريسون في الاقتراع الشعبي بفارق 90596 صوتاً. ما حدث أن كليفلاند كسب أصوات الولايات الجنوبية بهامش كبير، لكنه خسر الولايات الشمالية بهامش بسيط. وبما أن تمثيل الولايات في المجمع الانتخابي يعتمد مبدأ "الرابح يكسب كل شيء"، فإن الفوز بولاية بألف صوت يعادل الفوز بها ولو بأغلبية صوت واحد. في العام 2000، فاز جورج بوش الابن بالرئاسة على الديمقراطي آل غور رغم أن غور كان متقدماً في الاقتراع الشعبي المباشر (50،999،897 صوتاً لـ غور مقابل 50،456،002 لـ بوش). في المجمع الانتخابي فاز بوش بـ721 صوتاً مقابل 266 لـ غور. التصويت في المجمع سجل حالة واحدة امتنع فيها مندوب عن التصويت. سبق ذلك جدل واسع حول إعادة فرز الأصوات في ولاية فلوريدا (ولها 25 صوتاً في المجمع). حُوّلت المسألة إلى القضاء الذي منح الأصوات الخمسة والعشرين إلى بوش، لا للقناعة بعدالة القضية وإنما لأن الوقت لم يسمح ببديل. |
|
|||||||||||||