العدد 51 - كتاب | ||||||||||||||
يُرجع غالبية المؤرخين اتقاد شعلة حركة حقوق الإنسان في الولايات المتحدة إلى الأول من كانون الأول/ديسمبر 1955، يوم رفضت امرأة سوداء التخلي عن مقعدها في حافلة إلى راكب أبيض، في تمرد على الأنظمة العرقية السائدة في ذلك الوقت. روزا باركس، تلك السيدة الشجاعة، تعرضت للاعتقال. لكن تحدّيها الفردي أطلق حركة واسعة لإنهاء التفرقة على أساس اللون في الولايات المتحدة، كما ألهمت محبّي الحرية والمساواة في بلادها وسائر الكون. باركس ولدت في 4 شباط/ فبراير 1913، في روزا لوويز مكولي (ولاية ألاباما الجنوبية)، مهْد التفرقة العنصرية في ذلك الوقت، لأبٍ نجّار وأم تعمل في حقل التعليم. في الثانية من عمرها، انتقلت للعيش في مزرعة جدّيها في باين ليفيل (ألاباما) إلى جانب أمها وشقيقها سيلفستر. وحين بلغت الحادية عشرة، التحقت في مدرسة مونتغمري الصناعية للبنات، وهي مدرسة خاصة أنشأتها مجموعة نساء ليبراليات من شمال الولايات المتحدة. اتكأت الفلسفة الذاتية للمدرسة إلى نصيحة ليونا مكولي؛ «انتهز أي فرصة مهما كانت نادرة». الفرص كانت بالفعل نادرة في ذلك الوقت، حسبما تستذكر باركس في مقابلة صحفية. «لم نكن نتمتع بأي حقوق مدنية. كان الأمر يتعلق بصراع البقاء من يوم ليوم». محطمةُ الأغلال قالت إنها كانت تُمضي بعض الليالي في الإنصات لجولات عصابة «كو كلوكس كلان» وأصوات مشانق، وكان يغشاها الخوف من أن يعمدوا إلى حرق منزلها. في تلك المقابلة، كشفت باركس أن حالة الخوف الدائمة التي لازمتها، كانت السبب وراء جسارتها النسبية في حادثة الحافلة. تقول: «لم يكن لدي أي خوف شخصي، كان هناك شعور بالارتياح أن تعرف أنك لست وحدك». بعد التحاقها بكلية المعلمين لولاية ألاباما، استقرت الشابة باركس في مونتغمري مع زوجها رايموند باركس. الزوجان انضما هناك إلى المجموعة المحلية في اللجنة الوطنية للأفارقة الأميركيين ،حيث عملت على تحسين أوضاع الأميركيين الملوّنين في الجنوب العنصري. « عملت في حالات عدّة مع اللجنة الوطنية (NAACP)»، تقول باركس، وتضيف: «لكن تلك الجهود لم تنل الدعاية الكافية. كانت تُسجَّل حالات من الجلد والقتل والاغتصاب. الأمر كان أقرب إلى تحدي القوى القائمة، وإبلاغهم بأننا لا نرغب بمتابعة العيش كمواطنين من الدرجة الثانية». حادثة الحافلة الشهيرة أفضت إلى تشكيل منظمة مونتغمري للتطوير، بقيادة كاهن شاب في كنيسة ديكستر المعمدانية يدعى مارتن لوثر كينغ (جي آر). دعت المنظمة إلى مقاطعة شركة الحافلات التي كانت ملكا للمدينة. ودامت المقاطعة 382 يوما، وسلّطت الأضواء على باركس وكينغ معاً، كما كشفت قضية الاضطهاد أمام العالم. في غمرة الحملة الإنسانية، نقضت المحكمة العليا حكماً بفرض غرامة على باركس، وألغت تشريع الفصل العنصري على متن الحافلات العمومية. في العام 1957، انتقلت باركس وزوجها إلى ديترويت (ميتشغان)، حيث خدمت ضمن موظفي رجل التشريع الأمييكي جون كونيرز. واستحدث مجلس قيادات الجنوب المسيحية جائزة سنوية باسم السيدة باركس للحريات العامة. بعد وفاة زوجها في العام 1977، أنشأت أرملته معهد روزا ورايموند باركس للتنمية الذاتية. يرعى المعهد برنامجا صيف كل عام للشباب تحت شعار «الطرقات صوب الحرية» (Pathways to Freedom)، يتضمن جولات بالحافلات عبر الولايات الأميركية، يعاين الشبان خلالها تجربة بلادهم وحركة التحرر والحقوق المدنية. الرئيس الديمقراطي بيل كلينتون (1992-2000) منح باركس وسام الحرية الرئاسي في العام 1996. وبعد ثلاث سنوات، حازت ميدالية ذهبية من الكونغرس. حين سُئلت في ما إذا كانت سعيدة بحياة التقاعد، أجابت روزا باركس: «أعمل جهدي لأنظر إلى الحياة بتفاؤل وأمل، وأتطلع دائما إلى أن يكون اليوم التالي أفضل من سابقه. لكنني لا أعتقد بوجود سعادة كاملة. يؤلمني بقاء بعض أنشطة (كلان) العنصرية. أعتقد أنه حين تقول إنك سعيد، فإنك تمتلك كل شيء، ولا يعوزك شيء. أنا لم أصل إلى تلك المرحلة بعد». أمضت باركس سنواتها الأخيرة بهدوء في ديترويت، التي توفيت فيها العام 2005 عن 92 عاما. عقب وفاتها، وضع نعشها ليومين في روتوندا الكابيتول (حيث مقر المجلس التشريعي)، لكي تلقي الأمّة نظرة الوداع الأخيرة على جسد امرأة شجاعة غيرت وجه الولايات المتحدة. وكانت أول امرأة في تاريخ أميركا يسجّى جثمانها في قاعة الكابيتول، شرف يناله عادة رؤساء الولايات المتحدة. |
|
|||||||||||||