العدد 51 - أردني
 

هنري سيغمان*

في أثناء حملته الانتخابية، وعد باراك أوباما أنه وبخلاف بوش وكلينتون، سيأخذ دوره في عملية السلام في الشرق الأوسط «من أول يوم».

من الواضح أن هذا التعهد الرئاسي الجاد لعملية السلام، شرط أساسي للنجاح في التوصل إلى اتفاق، إلا أن «التعهد» على هذا النحو ليس ضرباً من السياسة. فقد تحدى الصراع الإسرائيلي الفلسطيني كل مبادرات السلام السابقة ليس لأنها افتقرت إلى تعهد رئاسي، وإنما لأنها افتقرت إلى سياسة قادرة على كسر الجمود.

لهذا فإن السؤال الحرج، ليس ما إذا كان الرئيس أوباما سيضطلع بهذا الدور من أول يوم، ولكن ماذا ستكون سياسته لترجمة هذا التعهد. الجواب عن السؤال ليس واضحاً بالمرة، وذلك بسبب الانقسام الحاد على هذا الأمر بين أهم مستشاريه لعملية السلام في الشرق الأوسط.

ثمة تيار بين مستشاريه يحضه على القيام بإغراء الإسرائيليين والفلسطينيين بأفكار أميركا الخاصة للوصول إلى حل دائم. بل يذهبون إلى أبعد ويعتقدون أن على الولايات المتحدة ألا تضغط على الأطراف المعنية للانخراط المبكر في محادثات الحل الدائم. إذ يرون أنه لا تتوافر بعد الثقة الكافية بين الأطراف بما يمكنهم من النجاح في مثل هذه المحادثات. فالولايات المتحدة، بحسبهم، لا تملك السعي إلى السلام أكثر من الأطراف المعنية. وعليه، فإن هدف الولايات المتحدة «التسهيلي» يجب ألا يتجاوز حدود بناء القدر الأدنى من الثقة وإدارة الصراع. انخراط الأطراف المعنية بمفاوضات الحل الدائم قبل أن تتولد بينهم الثقة الكافية والمتبادلة بما يضمن استدامة هذه العملية المعقدة يهدد بالفشل ووقوع انتكاسات كارثية.

التيار الآخر من مستشاري أوباما للسلام في الشرق الأوسط، يرفض فكرة ألا تسعى الولايات المتحدة إلى السلام أكثر من الإسرائيليين والفلسطينيين أنفسهم. إذ يرون أن السعي الأميركي لإنهاء الأزمة لا يُعد مجرد فضل من أميركا لإسرائيل والفلسطينيين وإنما خدمة للمصالح الأميركية الحيوية في المنطقة وما وراءها. عليه، بوسع الولايات المتحدة أن تطلب السلام أكثر من الأطراف المتحاربة، فقد توافرت لديها كل الأسباب لتطرح توصياتها حول الخطوط العريضة لاتفاقية سلام، وأن تسعى بجد إلى أن يقبل الطرفان بهذه الاتفاقية.

يعتقد هذا الفريق أن السلام لم يحالف الطرفين ليس فقط لافتقادهما إلى الرغبة الكافية في السلام، وإنما بسبب الفجوة الواسعة في ميزان القوى بين الطرفين، بما يسمح لأحدهما بفرض مطالب يقبلها الآخر بكليتها. عليه المطلوب هو تدخل طرف ثالث، يعيد الحد الأدنى من التوازن والعدالة إلى هذه العملية.

هكذا، يرون أن عملية سلام تركز على تحقيق تقدم بسيط، في غياب ولو اتفاقية مبادىء على الأطر العامة للدولة الفلسطينية بما يضمن ديمومتها وسيادتها واستقلالها، بحسب ما جاء في خارطة الطريق، لا يمكن أن تفضي إلى بناء ثقة متبادلة. بل على النقيض تماما، فما دامت إسرائيل في الظروف الحالية، تجد أن المجتمع الدولي يسمح لها باستخدام ذريعة تأجيل البحث في قضايا الحل الدائم حتى تتوسع وتتعمق في بناء مستوطناتها، أي استمرار في تفادي حل المسائل المتعلقة بالدولة الفلسطينية، فإن ذلك يقضي على أي ثقة قد تكون ما زالت قائمة.

في ضوء الاختلاف بين مستشاريه، فإن تقرير التقدم في عملية السلام في الشرق الأوسط، الذي أصدرته الرباعية، بحسب بيانها الصحفي عقب اجتماعها في شرم الشيخ في 9 تشرين الثاني/نوفمبر الجاري، هو بمثابة هدية للرئيس المنتخب جاءت في وقتها. فضحالة وسذاجة تقييم الرباعية للتقدم الحاصل في المفاوضات التي أطلقها اجتماع أنابوليس قبل عام، يختزل كل ما يمكن أن نعرف عن «عملية سلام» في غياب التزام واضح لقيام دولة فلسطينية. لم يكن في بيان الرباعية أي شيء على الإطلاق بما يتعلق بمحتوى المفاوضات بين الإسرائيليين والفلسطينيين، التي تحيي «تقدمها». بل إن أعضاءها الكرام أبدوا إعجابهم «بالعملية»، وأظهروا احترامهم للقاعدة التي ألزم المفاوضون أنفسهم بها وهي «لا شيء متفق عليه حتى الاتفاق على كل شيء»- احتياط غير وارد على الإطلاق بما أنهم لم يتفقوا على أي شيء.

أعضاء الرباعية تعهدوا كذلك باحترام «الطبيعة الثنائية والسرية للمفاوضات»، حتى من دون أن يغمزوا إلى احتمال شك بأن المتطلب «السري» ربما موجود ليضمن استمرار عملية ما زالت خالية من أي محتوى، بينما المقصود من متطلب «الثنائية» هو الحيلولة دون أي ضغط خارجي يطالب بتحقيق تقدم ملموس.

لم يعد يجدي الجهد الجهيد، الذي تبذله الرباعية في إخفاء حقيقة عبثية المفاوضات، التي لم تتعد كونها عملية دون محتوى. من الواضح للجميع أنه لم يتم التوصل إلى اتفاق ولا حتى على قضية واحدة من القضايا المفصلية في الحل الدائم – سواء الحدود، المستوطنات، القدس، اللاجئون، المياه أو الأمن. وزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيبي ليفني في حديث مع راديو الجيش الإسرائيلي قالت إن مسألة القدس لم تطرح قط على طاولة المفاوضات. وعندما سُئلت عن التزامها «ببحث كل المسائل الجوهرية»، ردت وبصراحة متناهية أنه «من الأهمية بمكان التمييز بين الالتزام والبحث الفعلي». (هآريتس، 9/11/2008)

العبرة التي استخلصتها إدارة أوباما الجديدة من هذا التمرين الأخير للرباعية واضح من دون شك. وهو أن لا طائل من جهود السلام التي تركز على العملية، بناء الثقة وتحقيق الحد الأدنى من التقدم في غياب أطر مقبولة تحدد المسائل المتعلقة بالوضع الدائم. إنها استراتيجية يلجأ إليها من يفتقد إلى الشجاعة السياسية، ليقول لإسرائيل إن استغلالها لعدم وجود اتفاق سلام في اتجاه توسيع ما تصادره من أراض فلسطينية ودفع الشعب الفلسطيني إلى النزوح، لم يعد مقبولاً لا للولايات المتحدة ولا للمجتمع الدولي.

السماح لها بالاستمرار، فيما يتم القضاء بشكل منظم على أي إمكانية لتطبيق حل الدولتين، لا يعكس صداقة أو تضامنا مع الدولة اليهودية.

اضطلاع للرئيس أوباما في عملية السلام بالشرق الأوسط، يحدد بما لا يترك مجالاً للشك إطاراً لاتفاقية وضع دائم، مشفوعا بتطبيق مبدأ تحقيق التقدم التدريجي وبناء الثقة، هو الأمل الوحيد لإنهاء نصف قرن من المأساة. وهو السبيل الوحيد لضمان بقاء إسرائيل كدولة يهودية ديمقراطية.

*مدير معهد مشروع الولايات المتحدة/الشرق الأوسط، نيويورك

التزام الرئيس المنتخب أوباما بأداء دوره “من أول يوم”
 
13-Nov-2008
 
العدد 51