العدد 8 - ثقافي
 

في كتاب “كوندوليزا رايس: حياة أميركية”، نرى ألاباما حيث عاشت كوندوليزا تحت سيطرة بول كونور المرعبة في مدينة “بومبنغهام”، وهو الاسم الذي أعطي لبيرمنغهام حين كانت ساحة المعركة المركزية لحركة الحقوق المدنية؛ وتتلمذها في السياسة الخارجية على جوزيف كوربل، المثقف التشيكي الكاريزمي، وهو والد مادلين أولبرايت، أول سيدة تتولى وزارة الخارجية الأميركية؛ ومواجهات رايسى مع الأقليات والنساء حين كانت رئيسة جامعة ستانفورد في التسعينات. وبدراستها للإدارة الراهنة، تنفذ بروميل إلى عمق العلاقة الوثيقة بين رايس وجورج بوش الإبن، ومعاركها مع نائب الرئيس ديك تشيني ودورها غير المباشر، ولكن الحاسم، في إقصاء وزير الدفاع دونالد رامسفيلد. وتكشف بروميل لنا أدلة رايس الناقصة على هجمات 11 أيلول، وشن الحرب على صدام حسين، وحسابها لعائدات الانتخاب مع كارل روف في العام 2004.

إضافة إلى ذلك، فإننا نرى محاولات رايس الأخيرة لإنقاذ حطام السياسة العراقية التي ساهمت في خلقها، وفي محاولة تجنب الحرب مع إيران.ومن خلال مقابلات مكثفة مع رايس ونحو 150 شخصا آخر، بمن فيهم زملاء وأقارب ومسؤولون حكوميون، ونقاد، يقدم لنا هذا الكتاب معلومات جديدة مثيرة عن الأحداث والشخصيات في إدارة بوش، وتستقصي بوميلر، ببصيرة نفاذة، دور رايس بوصفها مستشارة للأمن القومي ووزيرة للخارجية، ومحاولاتها لإحياء الدبلوماسية الأميركية، وطموحها السياسي القديم ومستقبلها على المسرح العالمي. ويقول الناقد آدام شاتز في تعليق على الكتاب في “ لندن ريفيو أوف بوكس” London Review of Books في مطلع هذا العام 2008:

“إن كوندوليزا رايس، شأنها شأن كثيرين، محبطة ويائسة من الحرب على العراق”، كما تقول إليزابيث بوميلر، مراسلة نيويورك تايمز في كتابها الجديد عن حياتها. مشاويرها الصباحية المبكرة للياقة، والتبضع من المحلات المكلفة وومتابعة البرنامج التلفزيوني “المعبود الأميركي” توفر بعض المتنفس، ولكن رايس وجدت “هروبها الأكبر من هموم يومها” – وهي هموم فعلت الكثير من أجل تهدئتها – بالعزف على البيانو مع فرقة موسيقى الحجرة الخاصة بها، والتي جذبت التمرينات عليها في العاصمة “جمهورا متناقضا”. وتشرح كوندي ذلك قائلة “إنه الوقت الذي أكون فيه أبعد ما أكون عن نفسي، وهو ما أحاول اكتنازه.” ونود لو أنها فعلت الكثير منه. حلمت يوما بحرفة لها علاقة بالموسيقى الكلاسيكية، ورغم أنها تركتا لدراسة السياسات السوفييتية، ففي إمكانك القول أنها لم تتوقف يوما عن أن تكون عازفة. هنا، تبدو في فستان أحمر من تصميم أوسكار دولارنتان، تنزل درجات قصر السفير البريطاني في شارع ماساشوستس، وهناك تبدو أمام قوات أميركية ترتدي معطفا أسود طويلا على الطراز العسكري، وقد انفرج عن تنورة فوق الركبة تماما وجزمة سوداء عالية الكعب ومثيرة.

كانت كوندي تتمتع بسمعة سيئة بوصفها إحدى “الشخصيات النارية” التي تربعت على عرش خسائر السياسة الخارجية المختلفة في عهد بوش، ولكنها لم تكن أبدا من المحافظين الجدد. وهي كتبت أوراقا “يسارية” للتخرج من المدرسة وصوتت لجيمي كارتر قبل أن تنضم إلى الحزب الجمهوري. وطوال التسعينيات، كانت أراؤها حول السياسة الخارجية تعرف بأنها واقعية حذرة، فقد كان تحمل البصمات القوية لمعلمها برنت سكوكروفت، مستشار الأمن القومي في عهد بوش الأب. وفي مقالة كتبتها في مجلة فورين أفيرز ولقيت صدى واسعا في حينه بوصفها ورقة خاصة برئاسة الابن، وبخت إدارة كلينتون لنبضها “الويلسوني”، قائلة إنه لم يكن هناك من سبب للخشية من العراق وكوريا الشمالية لأن حكومتيهما “كانتا تعيشا في الوقت الضائع”. ولكن ذلك كان قبل 11/9، حين تغير كل شيء، بما في ذلك إيمان رايس بسياسة خارجية تمزج بين القوة والتواضع. إن كان هناك نسق ل”جحيم حياتها المنضبط”، فهو عادتها في ربط نفسها برجال أقوياء مثل سكوكروفت وجورج بوش والمزاوجة بجرأة بين آرائهم – ما كان يفاجئ في العادة الأصدقاء القدماء الذين عرفوها في مرحلة سابقة. وربما كان أكثر الأمور كشفا مما لم تكتبه، هو رسالة الماجستير حول بروكوفييف وشوستاكوفيتش خلال الحقبة الستالينية. “لقد فعلا ما يكفي للحديث عن الجانب الصحيح من السلطات، وحاولا أن يوجدا مساحة لكتابة ما كانا يريدان كتابته،” كما قالت لبوميلر. لقد كانت على الدوام قاضيا متحمسا فيما يتعلق بمزاج الغرفة، ولم يتهمها أحد أبدا بأنها في حاجة إلى مهارات للنجاة والتي كان بعض زملائها السابقين يحتاجونها.

وحين عين كولين باول للقيام بالمهمة الصعبة لعرض وجهة نظر الإدارة في الأمم المتحدة، لم تتخذ موقفا قتاليا بشأن “التأكيدات المحددة” في خطابه بل حول “الجانب المسرحي من العرض”. “ألا يمكنك أن تجعله أكثر سخونة؟” سألت باول في ضاحية لانغلي قبل ثلاثة أيام من عرضه الساقط في مجلس الأمن. وبينما كان الصقور الليبراليون يريدون حربا “إنسانية”، كانت رايس تريد شيئا على هذه الدرجة من الخيالية، بكلماتها “عملية منظمة”. وقد هزها وحيرها نهب بغداد، فهي كانت تفهم “كم كان ذلك قاتلا بالنسبة لصورة الولايات المتحدة.” ومن الغريب أنها لم تر في ذلك تهديدا لصورتها هي شخصيا حين ذهبت في إجازة إلى نيويورك بعد يومين من إعصار كاترينا. لم تسر الأمور على ما يرام. فقد هتف ضدها الجمهور في سبامالوت، ووبخها أحد المتسوقين في محلات فيراغامو في الشارع الخامس في نيويورك. “لم أستوعب الأمر بصراحة” قالت رايس لكاتبة سيرتها. وبتعبير سكان واشنطن، تشرح بوميلر الأمر قائلة: “كانت رايس تسير في الجانب المخصص لها من اتجاه السير. ولكنها سرعان ما أدركت أن وضعها كشخصية مشهورة جديدة، وسيرة حياتها المكتوبة تتطلب منها أن تعتني بجميع القضايا المحيطة بها.” وبعد أن أدركت أن عليها أن تكون حذرة، هرعت النجمة عائدة إلى واشنطن بأخبارها السيئة عن كاترينا: “سيادة الرئيس، إن لديك مشكلة عرقية”.

من جهة أخرى فإن شيئا لا يثير رايس مثل التلميح بأنها هي نفسها قضية عرقية – “كنت سوداء طوال حياتي. لا أحتاج لمن يساعدني في كيف أكون سوداء.” وسواء كان ذلك زائفا أم لا، فإنها عقدت كثيرا من الصداقة مع دنيس ماكناير، وهي إحدى فتيات أربع قتلن في حادث تفجير كنيسة في بيرمنغهام عام 1963. وفي خطاب لها في جامعة ألاباما في توسكالوسا، قارنت بين نقاد الدمقرطة الأميركية المصدرة في الشرق الأوسط بالعنصريين الجنوبيين الذين برروا الفصل على أساس أن “السود لم يكونوا مستعدين للديمقراطية، وأنهم أصغر أو غير مستعدين أو غير قادرين على حكم أنفسهم بأنفسهم.” ولا تشك بوميلر في صدق هذه الكلمات التي قيلت على الطريق من بيرمنغهام إلى بغداد: “لقد تحدثت رايس باستفاضة وحماسة بحيث أنها لو كانت تستثمر التاريخ وحياتها لشرح قضية سياسية مشكوك فيها، فقد كان من الواضح أنها كانت تعتقد فيما كانت تقول”.

لم تطرح المؤلفة أسئلة من نوع: كيف توائم رايس بين التزامها بالديمقراطية وبين جهودها لعزل حماس بعد فوزها في الانتخابات الفلسطينية، أو بين رحلتها إلى بغداد لإبلاغ رئيس الوزراء العراقي إبراهيم الجعفري بأن الوقت قد حان لكي يتنحى؟ ومن الواضح بما فيه الكفاية أن كوندي تؤمن بما تقوله. وهل سمعت حقا “نبضات ولادة شرق أوسط جديد” في صيف العام 2006، حين غزت إسرائيل جنــوب لبـنان؟ لا تقول بوميلر شيئا عن ذلك، رغم أنها تخبرنا بأن ملاحظات رايس “قد أظهرتها، على نطاق واسع، بأنها جاهلة وساذجة”. ورغم ذلك، فإنها لم تفقد الأمل: إن كانت كوريا مستعدة للتخلي عن سلاحها النووي، وإذا عقد اتفاق بين أولمرت وعباس، فإن كوندي ستعتقد أنها قد “حققت نجاحا ساحقا.”.

وتصر بوميلر في مقدمتها على أن “هذه ليست سيرة “مصرحا بها”، ولكنها عمل صحفي مستقل. وسوف تراه رايس لأول مرة حين ينشر.” وسترى أن وزيرة أخرى للخارجية كانت ستفعل ما هو أسوأ من ذلك بكثير”.

كوندوليزا رايس: حياة أميركية – السجل خاص
 
03-Jan-2008
 
العدد 8