العدد 51 - اقليمي
 

رأفت القدرة وتحسين يقين

رفح - طغت مؤخراً قضية الأنفاق على حدود مدينة رفح في وسائل الإعلام، حتى صار أمرها مألوفاً، ويشكل مادة للمصورين والصحفيين في وكالات الأنباء، كان أطرفها صورة لثلاثة أشخاص يرفعون عجلاً من أحد أنفاق التهريب، بمساعدة تكنولوجية بسيطة كدلالة على اطمئنان المهرب والتهريب.

ليس العجل هو المادة المهربة الوحيدة، إذ إن كل سلعة يمكن تهريبها من الإبرة حتى السيارة، ما يوحي بأن حكومة حماس تغض بصرها عن هذه العمليات، كما الحكومة المصرية، ما دام الأمر لا يتعلق بتهريب الأسلحة.

يجد الغزيون في التهريب عبر الأنفاق بديلاً ناجحاً للطرق العادية فوق الأرض، وأسلوباً اقتصادياً مربحاً للأفراد العاديين أو المتنفذين من الطرفين، إذ إن حركة حماس الحاكمة للقطاع ليست بعيدة عما يدور في الأنفاق.

عاصمة الأنفاق

رفح اليوم عاصمة اقتصادية نشطة تعيش أزهى عصورها، كميناء بري حدودي حولها من مدينة مهمشة إلى مدينة عامرة، فهي مقصد التجار لعقد الصفقات التجارية وشراء السلع والحاجات، وملجأ للمتعطلين عن العمل بحثاً عن لقمة عيش، ومكاناً لجذب المتسوقين، بعدما اعتاد سكان رفح على مدار السنين التوجه إلى غزة للتسوق.

معظم سكان قطاع غزة يقصدون رفح للتسوق، خصوصاً زبائن سوق «السبت» الشعبي؛ لرخص أثمان السلع مقارنة مع أسواق المدن الأخرى، ويشكل الوقود مادة رئيسة للتجارة ، إذ يتم شراؤه بثمن زهيد من داخل مصر.

أحد مالكي الأنفاق، يشير إلى أن الشاحنات الكبيرة تنقل عبر الأنفاق بضائع متنوعة، توزع على أصحاب المحال التجارية في القطاع، وأنها رغم محدوديتها إلا أنها تلبي حاجات سكان القطاع.

وذكر آخرون أن عمليات التهريب تطورت كثيراً عن السابق، ولم تعد تقتصر على تهريب البضائع الصغيرة والسلع الخفيفة، بل صارت تشمل كل حاجات السكان الأساسية كالغذاء والثانوية كالسلع الكهربائية والسجاد.

وأدت كثرة الأنفاق لفتح منافسة بين مالكيها، مما انعكس على الأسعار التي انخفضت، ولم يعد الغزيون بحاجة ماسة لفتح الحدود مع مصر، بعدما أصبحت الأنفاق خير وسيلة للتنقل وإدخال السلع صغرت أو كبرت.

طقوس النفق

يحتوي النفق على بابين أحدهما في فلسطين والآخر في مصر، أما جسم النفق فهو تحت الأرض، وعملية حفره مشروع استثماري يتوجب أن يتفق اثنان أحدهما من رفح الفلسطينية وآخر من رفح المصرية على التنفيذ، ليبدأ العمل بشكل دقيق اعتماداً على بوصلة. ويروي البعض أن حفاري الأنفاق وصلوا إلى درجة كبيرة من التقدم؛ إذ يستخدمون تقنية الغوغل إيرثGoogle Earth لتقليل نسبة الخطأ.

أحد حفاري الأنفاق انحرف في عمله، فعاد إلى رفح الفلسطينية مرة أخرى، ليخسر قيمة استثماره، وهناك حفارون انتهوا من النفق ليجدوا أنفسهم في معسكر للجيش المصري، كما تناقل الغزيون خبر تهريب أسد بعد تخديره، لكنه استيقظ من نومه داخل النفق، فهرب المهربون ولولا حقنه بالمخدر مرة ثانية لالتهمهم.

ما هو غير رسمي!

للتهريب في غزة تاريخ طويل، استمر طوال فترات الحكم الأجنبي لفلسطين ومصر، منذ الاحتلال البريطاني لمصر العام 1882، لكنه كان أسهل، وأخذ يواجه صعوبة مع تقدم الوسائل التكنولوجية ونظم الاتصالات، وصولاً إلى تعرض رفح الفلسطينية ورفح المصرية للاحتلال الإسرائيلي العام 1967. وما أن انسحبت إسرائيل من سيناء وفق معاهدة كامب ديفيد حتى عاد التهريب إلى سابق عهده، فالأبناء ورثوا مهنة الآباء والأجداد، بعضهم في مجال تهريب المسموح به كالغذاء والكساء والتبغ، وبعضهم الآخر في مجال تهريب الممنوع مثل المخدرات التي كانت تغرق أسواق غزة، ومنها أحياناً إلى الأسواق الإسرائيلية، والتي كانت تستخدم مياه البحر بعد فصل رفح الفلسطينية عن توأمها المصرية بسياج حدودي مراقب ليلاً ونهاراً، لكن الغزيين يجدون دوماً حلولاً ذكية كلما تم عزلهم وحصارهم.

رفح فلسطينية وأخرى مصرية

قامت القوات البريطانية فور احتلالها مصر العام 1882 بترسيم الحدود مع الدولة العثمانية، فكان أن أصبحت هناك رفح فلسطينية ورفح مصرية، ولمّا احتل البريطانيون فلسطين بعد الحرب العالمية الأولى فتحت الحدود، لكن بقيت الحدود دولية بين فلسطين ومصر، وكان تنقل الفلسطينيين إلى مصر سهلاً، بل كانت الصحف المصرية تصل إلى يافا قبل وصولها إلى محافظات مصرية بعيدة عن القاهرة.

وظل الجيش البريطاني بعد استقلال مصر يسيطر على الحدود الفلسطينية المصرية، في سياق الوجود العسكري البريطاني في مصر بشكل عام ومنطقة السويس بشكل خاص، وبعد النكبة العام 1948 أدارت مصر قطاع غزة، وتم إزالة الحدود مؤقتا لكن ظلت أرض فلسطين هي أرض فلسطين في المفهوم المصري، وظل الفلسطينيون فلسطينيين، والمصريون مصريين.

ورغم إدارة مصر للقطاع لم تمنح سكان القطاع الجنسية المصرية ومنهم أهل رفح، بل فقط وثيقة السفر المصرية، فكان هناك من رفح مواطنون يحملون هذه الوثيقة، وهم أهل رفح الفلسطينيون، بينما احتفظ أهل رفح المصريون بجنسيتهم المصرية، ولم يشملهم الانتداب البريطاني على فلسطين.

وفي العام 1967 احتلت إسرائيل غزة وسيناء، فوقعت رفح الفلسطينية ورفح المصرية تحت احتلال واحد هو الاحتلال الإسرائيلي، وكما توحدت الشطران حين أدارت مصر قطاع غزة، فقد استمر التوحد لكن تحت احتلال إسرائيلي، فخلق وضعاً جديداً ومع الأيام والسنين تماهت المنطقة الحدودية لدرجة أن أهل رفح (المصريين والفلسطينيين) قاموا ببناء مساكنهم فيها دون أن يتوقعوا أنه سيأتي يوم ترسم فيه الحدود الفلسطينية (المحتلة) مع مصر!.

عادت رفح لتنقسم من جديد وتعود الى سابق عهدها، لكن بوجود رفح الفلسطينية بالطبع تحت الاحتلال الإسرائيلي، والمصرية تحت السيادة المصرية من جديد بعد الجلاء الإسرائيلي الكامل عن مصر في بداية الثمانينيات إثر اتفاقية كامب ديفيد.

دفعت رفح ثمناً غالياً، إذ تم هدم البيوت التي قامت على خط الحدود.وحين نشأت السلطة الوطنية الفلسطينية، ظلت إسرائيل مسيطرة على الحدود الفلسطينية المصرية في هذا المقطع، كون اتفاقية أوسلو جعلت المعابر بيد إسرائيل، لكن جلاء الإسرائيليين عن غزة العام 2005، خلق أمرا جديدا فتم التعامل بشكل جديد في مسألة معبر رفح، فكان الوجود الأوروبي للتنسيق مع الإسرائيليين.

بانتظار تشغيل المعبر:رفح عاصمة الأنفاق والصمود
 
13-Nov-2008
 
العدد 51