العدد 51 - اقليمي | ||||||||||||||
معن البياري لم يفاجئ الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في 29 تشرين الأول/أكتوبر الماضي أحداً في بلاده، عندما أعلن أنه سيطلب من البرلمان الجزائري الموافقة على تعديلات في الدستور، وإن لم يوضح بالضبط أيّ المواد التي ستكون عرضة للتعديل، غير أنه أعرب عن أمله في «تمكين الشعب من ممارسة حقه في اختيار من يقود مصيره، وأن يجدد الثقة فيه بكل سيادة». ومبعث غياب المفاجأة أن النخب السياسية والإعلامية والحزبية في الجزائر، انشغلت طوال العامين الماضيين بجدل بشأن تعديل مادة في الدستور تحدّد عدد ولايات الرئيس باثنتين متتاليتين فقط، وراج طويلاً أن الرئيس يعمل على الحصول على ولاية ثالثة لرئاسته، بعد انتهاء الثانية في نيسان/أبريل المقبل. يتحمس لهذا الأمر حزب جبهة التحرير الوطني الذي يُحسب الرئيس عليه، ويناصرُه فيه حزب التجمع الوطني الديمقراطي الذي ينتسب إليه رئيس الوزراء أحمد أو يحيى، وقد لا تمانع حركة مجتمع السلم (إسلامية). لهذه التكوينات الثلاثة، والتي تشكل «التحالف الرئاسي»، الأغلبية المطلقة في مجلس النواب الجزائري، إذ تسيطر على 249 مقعداً من أصل 389، ولها حضورها الوازن في مجلس الشيوخ، الغرفة الثانية للبرلمان، المؤلف من 144 عضواً، ثلثاهم منتخبون فيما الثلث الأخير يعينهم الرئيس. وكان أويحيى واضحاً في تصريحه في 18 سبتمبر/أيلول الماضي أن الرئيس سيترشح لولاية ثالثة، وأن التعديل الدستوري سيترك عدد ولايات الرئيس مفتوحة. وأذاع قبل أيام أن مشروع التعديل سوف يُعرض على البرلمان في غضون أسبوعين، وسيتم ضبطه قبل نهاية تشرين الثاني/نوفمبر الجاري. ما يعني أن ما يمكن اعتباره تمديداً انتخابياً لبوتفليقة في الموقع الأول في بلاده هو ما سيتم في الربيع المقبل، بالنظر إلى أنّ من العصيّ على التوقع، أن لا يحظى الرئيس بالفوز على أي أحد يُقدم على منافسته، وهذا ما تمّ عند انتخابه أول مرة في 1999، عندما تم توافق المؤسسة العسكرية النافذة على شخصه، وانسحب جميع المرشحين من أمامه، وكذلك عندما أعيد انتخابه في 2004. ويسوّغ مؤيدو استمرار بوتفليقة (71 عاماً) في الحكم إلى العام 2014 (على الأقل ؟)، بوجوب استمرار نهج إعادة البناء الاقتصادي في الجزائر، وكأن هذا المسار مرتبط بشخصية وحيدة لا يبدو صاحبها بصحة جيّدة، وقد خضع لفحوصات طبية في فرنسا في نيسان/أبريل 2006، وأجرى عملية لإزالة قرحة نازفة في المعدة في كانون الأول/ديسمبر 2005. يتضمن مشروع التعديلات الدستورية المرتقب عرضها أمام البرلمان بغرفتيه للمصادقة عليها، فضلاً عن تمديد ولاية الرئيس، استبدال منصب رئيس الحكومة بمنصب وزير أول، وإعادة تنظيم السلطات الدستورية بزيادة الصلاحيات المخولة للرئيس. دأب الرئيس على إبداء عدم رضاه عن الدستور الحالي منذ توليه الحكم في 1999، ويراه «وليد الأزمة التي تعيشها الجزائر». والمقصود الأزمة الأمنية، لكن المتابع لمسيرة السنوات العشر لا يصادف نجاحاً حاسماً في حل المعضلات الأمنية والاقتصادية والمؤسساتية، دون التقليل من نجاحات جزئية على صعيد انحسار الإرهاب في مرحلة أولى ونشاطه المتقطع في مرحلة تالية، وعلى صعيد إشاعة مناخ من الاستعداد للشروع في مصالحة وطنية شاملة لم تتحقق بالكامل. إذا كان منتقدو الرئيس يؤثرون تأكيد فشله في تحقيق إصلاح سياسي واسع كان تعهد به، فإن مآزق المعارضة الجزائرية وإخفاقاتها، و مظاهر ضعفها الملحوظ في غير محطة، ينبغي أخذها في الاعتبار. خصوصاً أن هذه المعارضة لم تواصل مع مختلف التكوينات السياسية والثقافية والشخصيات الفاعلة، ما كانت حققته لنفسها من صورة شديدة الأهمية توحي بالفاعلية، في 1995، عندما أعلنت وثيقتها المهمة في اجتماع في روما، رعته جمعية سانت أجيديو، وشاركت فيه جبهة الإنقاذ المنحلة قانونا، والتي اضطرت إلى التنازل عن بعض مطالب لها، وكان التوافق على مبدأ التناوب على الحكم الأهم في تلك الوثيقة المنسية، والتي أهملتها التكوينات السياسية المختلفة لاحقاً. وليس ملحوظا في اللحظة الجزائرية الراهنة أن ثمة معارضة مهيكلة وناشطة، في وسعها الإسهام بإيجاد أرضية ديمقراطية حقيقية، تعمل من أجل الحدّ من التباعدات المتسارعة عن تداول السلطة والتناوب على الحكم، وفي وسعها تهيئة رأي عام ضاغط ضد مسار تعديل الدستور، أو «تزبيطه» على الأصح، باتجاه تركيز السلطات في موقع الرئاسة. وإذا كان حقاً القول إن المعارضة الجزائرية في الظرف القائم لم تمنح، كلّ الفرص اللازمة إعلامياً وشعبياً من أجل تفعيل حضورها وتأدية دورها، باستثناء إتاحة حرية الصحافة المكتوبة بمساحات واسعة، لم تُقابلها مساحات كافية من حرية الصحافة المرئية والمسموعة. إذا كان حقّاً هذا الأمر، وهو كذلك، فإنه لا يعفي هذه المعارضة من مسؤوليتها في التآكل الذي تُغالبه حاليا، وفي الهزال الذي لن يكون في مقدورها معه أن تجعل الأجواء المرتقبة ساخنة وذات تأثير واضح، أي الأجواء السياسية والإعلامية والاجتماعية التي تحيط بإجراء التعديل الدستوري المتوقع، الذي سيهيء التمديد والتجديد للرئيس في موقعه. وعلى الأغلب أن المشاركة الجماهيرية في الانتخابات ستكون ضعيفة، للتشكك في جدوى مواسم صناديق الاقتراع. وفي البال أن نسبة الإقبال في الانتخابات التشريعية في أيار/مايو 2007 لم تتجاوز 35 بالمئة، وهي النسبة الأدنى منذ استقلال الجزائر في 1962، وطعن رئيس حركة السلم أبو جرّة سلطاني بنزاهتها، ولديه دلائل على ذلك، وكان أبو جرة في أثنائها وزير دولة. كما مجتمعات عربية أخرى، لا يبدو المجتمع الجزائري على انشغال كثير بالسؤال الديمقراطي وبالإصلاح السياسي، وأن يبدو مهموماً بالسؤال الأمني المتصل بالقرار السياسي وصناعته ودواليبه في مؤسسات الحكم. مع الأخذ في الاعتبار أن نسبة الأمية هي نحو 42 بالمئة في بلد يبلغ عدد سكانه نحو 35 مليون نسمة، وأن 9 ملايين يعدّون تحت خط الفقر، و50 بالمئة من السكان في نحو العشرين من العمر إلى هذه المعطيات الكاشفة، فإن تحدّي البطالة التي يصل معدلها إلى 30 بالمئة من مجمل القوة العاملة في البلاد، يشكل ثقلاً ضاغطاً على الإدارة الحكومية التي تنشط في جلب الاستثمارات الخارجية، وفي الإفادة من إيرادات النفط والغاز من أجل خفض الدين الخارجي، وهو ما يتمّ بتقدم ملحوظ، وفي تطبيق برنامج إصلاح اقتصادي يوصف بأنه قاس بالتعاون مع صندوق النقد الدولي. وتعمل مؤسسة الحكم والإدارة والأجهزة التنفيذية بهمّة واضحة، في تعزيز قوى الأمن لمناهضة آفة الإرهاب، خصوصاً بعد الاستفتاء الناجح في 2005 على ميثاق السلم والمصالحة الوطنية. وسط هذه التأزمات الاقتصادية والمعيشية والاجتماعية، يحضر ترهل قوى المعارضة الجزائرية التائهة، واتساع الفساد الذي أقر ت السلطات غير مرة بوجوده الفادح، واتساع مساحات نفوذ المؤسسة العسكرية والأمنية، وضعف فاعلية مؤسسات التمثيل الشعبي، وانشغال التشكيلات الحزبية والنقابية الوفيرة بسجالات من دون بوصلة في اتجاه مشروع وطني جامع. في مثل هذه الأوضاع وأخرى غيرها، لا يكون في ذهاب الجزائر إلى تعديلات في الدستور، بغرض تمديد سنوات الرئاسة وإسنادها بسلطات مضاعفة، الحل المنشود والمأمول للقائم من توتّرات ظاهرة وأخرى مستترة. |
|
|||||||||||||