العدد 51 - اقتصادي
 

محمد خريسات

بعد "عدوى" الأزمة المالية التي طاولت أميركا ومعظم الدول الأوروبية، جراء ما بات يعرف "بأزمة الرهن العقاري"، بات الحديث عن كساد كبير كالذي حدث في ثلاثينيات القرن الماضي أمراً عادياً.

وعلى الرغم من الجوانب السلبية الكبيرة للكساد - إن حصل - فإن مصلحتنا فيه من زوايا محددة تبدو بانخفاض أسعار المحروقات، وما يرافقها من انخفاض بأسعار السلع والخدمات التي ارتفعت بذريعة ارتفاع أسعار المحروقات.

وطالب الخبير الاقتصادي، منير الحمارنة، بعودة دور الدولة في ظل تراجع الرأسمالية عن اقتصاد السوق، مقترحاً عودة وزارة التموين، أو جهة شبيهة بها لضبط السوق، "إذ إن التجار لا يقومون بتخفيض الأسعار من أنفسهم".

وبيّن الحمارنة ضرورة أن تتضمن هذه الإجراءات تخفيض الأسعار محلياً، لاسيما مع انخفاضها عالمياً، بسبب انخفاض أسعار النفط كسلعة ارتكازية، ما ينعكس على أسعار النقل والإنتاج، وأسعار المواد الغذائية الأساسية مثل القمح، إضافة إلى انخفاض أسعار مواد أولية أساسية كالحديد، بسبب الركود الاقتصادي والخوف من الكساد.

وقال الخبير الاقتصادي عبد خرابشة، إن كثيراً من المنتجين والتجار يحاولون التلكؤ بتخفيض الأسعار بحجة الصفقات التي تم شراؤها بعقود قديمة، مشيراً إلى ضرورة عكس الانخفاض محلياً على المدى المتوسط على الأقل.

وأضاف أن انخفاض المحروقات، يجب أن ينعكس على تكاليف إنتاج السلع والخدمات كالنقل البحري أو البري او الجوي، الأمر الذي يؤدي الى انخفاض الأسعار.

وكان سعر برميل النفط انخفض الى ما دون 63 دولاراً للمرة الاولى منذ عام تقريباً، في حين لامس حاجز 149 دولاراً في تموز/ يوليو الماضي، ما ضاعف أسعار السلع والخدمات المرتبطة بالأسعار العالمية لبرميل النفط.

مواطنون أكدوا عدم انخفاض أسعار السلع والخدمات أيضاً رغم انخفاضها عالمياً، ورغم تأكيدات وزارة الصناعة والتجارة، فقد أشار أبو علي، الذي يعمل نجاراً أن بعض التجار حاولوا رفع أسعار بضائعهم مباشرة منذ بداية الأزمة العالمية، بهدف التقليل من نسبة انخفاضها والمحافظة على الحد الأدنى من أرباحهم.

وكان وزير الصناعة والتجارة عامر الحديدي، أكد في تصريحات سابقة انخفاض أسعار 28 سلعة بالفعل، واستقرار أسعار 7 سلع، في حين ارتفعت أسعار 16 سلعة غالبيتها من اللحوم المستوردة، ما يعني انعكاس الانخفاض العالمي محلياً.

وضرب الحديدي مثلاً بأن الوزارة اشترت قمحاً في المرة الأخيرة بنحو 180 دولاراً للطن، فيما كان سعر الطن الواحد خلال شهر أيلول/ سبتمبر الماضي 259 دولاراً، رغم وصوله في شهر أيار/ مايو الماضي الى 574 دولاراً للطن.

ولكن صاحب سوبر ماركت يرد على الحديدي، بأن "90 بالمئة من المحلات لم تخفض أسعارها، لأن تجار الجملة يتحججون بشراء البضائع بالسعر القديم (العالي)، فيما نسبة قليلة "جداً" منهم يخفضون الأسعار فور نزولها.

ولفت إلى أن أصحاب المحلات" يضطرون الى بيع السلع بأسعار مرتفعة تبعاً لأسعار الجملة. وقال: "سمعنا أن المؤسسات المدنية والعسكرية خفضت أسعارها ولكن لم نعرف نسبة التخفيض الى الآن".

وكانت نسبة التخفيض التراكمية على أسعار الكاز والديزل بلغت منذ آب/أغسطس الماضي نحو 36.5 بالمئة وحوالي 35.4 بالمئة على بنزين أوكتان 90 وحوالي 34.5 بالمئة على بنزين أوكتان 95 وحوالي 27 بالمئة على زيت الوقود المستخدم في الصناعات.

وعزا الخبير الاقتصادي يوسف منصور، عدم انخفاض الأسعار محلياً الى "الممارسات الاحتكارية لبعض التجار"، التي تشوه صورة الاقتصاد الأردني، ما يسبب "لُزوجة الأسعار"، بمعنى "أن ارتفاع الأسعار بسرعة كبيرة بسبب الارتفاع العالمي لا يقابله هبوط بالسرعة نفسها".

وذكر منصور أن الحل يكمن من خلال مديرية المنافسة في وزارة الصناعة والتجارة، بالإضافة إلى تفعيل قانون حماية المستهلك، فالأمر لم يعد يحتمل التأخير منذ حوالي 9 سنوات، ليتمكن المستهلك من متابعة المستغلين مباشرة.

وبعد تصريحات بإعادة النظر في أدوات ضبط الأسواق، من خلال تعديل بعض التشريعات كقوانين حماية المستهلك والمنافسة ومنع الاحتكار، توقع الحديدي انخفاضات ملحوظة بالأسعار خلال الفترة المقبلة، مع إقبال التجار على التخلص من المخزون والاستيراد في ظل الأسعار المنخفضة في أغلب الاسواق.

وقالت الموظفة، أم خليل، إنها لم تلمس انخفاضاً في أسعار البضائع والسلع بعد هبوط أسعار المحروقات، فبقيت الأسعار في مختلف القطاعات مثل المواصلات والطعام والشراب والملابس.

وكانت أسعار المواد الإنشائية الأساسية كالإسمنت والحديد، شهدت انخفاضاً بالتزامن مع انخفاض أسعار المحروقات، في الوقت الذي أعلنت فيه المؤسسة الاستهلاكية المدنية نيتها استيراد الحديد خلال الفترة المقبلة.

وفيما ذكر الخرابشة أن الحكومة خرجت من العمليات الاقتصادية منذ فترة وابتعدت عن الإنتاج والتوزيع، بشكل كبير متبنية فلسفة الرقابة، نبّه الحمارنة إلى أنه "إذا لم تتدخل الحكومة بتخفيض الأسعار في ظل حالة القلق التي تسود العالم من الأزمة المالية، فسيؤثر ذلك على قيمة الدينار الأردني، من خلال تحويل المواطنين عملتهم النقدية الى ملاذ آمن مثل الذهب، الأمر الذي يفرض على الحكومة اتخاذ موقف لتنظيم دخول وخروج الأموال من المملكة".

ويطالب بعض الخبراء بمرصد تأشيري لأسعار السلع، لمتابعة مستويات الأسعار العالمية ومقارنتها بالأسعار المحلية، بحيث يكون أداة قياس بهدف معرفة هوامش الربح للتجار مع حساب كلف الجمارك والنقل.

من جانبه لفت نقيب تجار المواد الغذائية خليل الحاج توفيق الى التزام القطاع التجاري بتخفيض الأسعار على السوق المحلي مع انخفاض الأسعار العالمية، إذ إن نسبة الانخفاض حتى الآن راوحت بين 5 بالمئة الى 30 بالمئة، وستواصل انخفاضها خلال الفترة المقبلة.

**

الانخفاض العالمي والأسعار محلياً

محمد عاكف

طالب خبراء بالربط بين انخفاض أسعار النفط والمواد الأولية عالمياً و انخفاضها محلياً. وركز الخبراء على أهمية الدور الحكومي بفرض خفض الأسعار على التجار، ومنع الممارسات الاحتكارية التي تشوه صورة الاقتصاد المحلي.

وأوضح الخبير الاقتصادي عبد خرابشة أن انخفاض أسعار المحروقات، يجب أن ينعكس على انخفاض تكاليف إنتاج السلع والخدمات كالنقل البحري أو البري أو الجوي، الأمر الذي يؤدي الى انخفاض الأسعار.

واتفق الخبير الاقتصادي إبراهيم سيف، مع مسألة تخفيض الأسعار، في ظل وجود آليات لضمان استقرار السوق من خلال العقود الآجلة، وتحوطات التجار والمنتجين.

واقترح سيف تأسيس مرصد تأشيري ليكون أداة قياس، تساعد على التعامل مع التخفيض أو الارتفاع بشكل واقعي، مع حساب قيمة الجمارك والشحن والنقل، الأمر الذي يحتاج الى جهد مؤسسي تقوم به وزارة الصناعة والتجارة.

وتوجد في وزارة الصناعة والتجارة مديرية تعنى بمراقبة السوق تسمى "مراقبة الأسواق" يعمل فيها موظفون يقومون بجولات ميدانية على الأسواق لمراقبتها وضبط عمليات التجاوز فيها.

ارتفاع الأسعار: إذا زال السبب انتهت الأوقات الصعبة
 
13-Nov-2008
 
العدد 51