العدد 51 - اقتصادي | ||||||||||||||
زيان زوانه استعرض وزير المالية حمد الكساسبة في خطاب الموازنة أمام البرلمان ما حققه الاقتصاد الأردني خلال العام 2008من إنجازات هامة،حيث يتوقع أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 6 بالمئة وسجلت صادرات المملكة من السلع ارتفاعاً يتوقع أن يصل الى 30 بالمئة، وساهمت المساعدات الخارجية وارتفاع دخل السياحة وحوالات الأردنيين العاملين في الخارج في تخفيض عجز ميزان المدفوعات، الذي يتوقع أن يصل الى 15 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي. بناء على ذلك قدرت الحكومة في موازنة العام 2009 أن ينمو الاقتصاد الأردني بنسبة 5 - 6 بالمئة،والإيرادات المحلية بمبلغ 4783 مليون دينار بزيادة 11.8 بالمئة عن العام 2008 والمساعدات الخارجية بما يقارب مبلغها لعام 2008 (684 مليون دينار) لتبلغ الإيرادات المحلية 5467 مليون دينار، وقدرت النفقات الجارية بمبلغ4790 مليون دينار بزيادة 3.3 بالمئةعن مثيلتها لعام 2008، كما أسهب الخطاب في الحديث عن الثقة العالية باستقرار سعر صرف الدينار المدعوم بحجم غير مسبوق من احتياطي المملكة من العملات الأجنبية التي قاربت 8 مليارات دولار. داهمت الأزمة المالية العالمية اقتصادات العالم، وما زالت آثارها تتفاعل محلياً وإقليمياً وعالمياً حيث من المتوقع أن تزيد حدة آثارها خلال الأشهر المقبلة. لذلك، فإن تقديرات الحكومة المرتفعة للنفقات العامة (زادت في العام 2008 بنسبة مرتفعة اضطرت الحكومة لإصدار ملحقين للميزانية) اضطرتها لتقدير الإيرادات المحلية لعام 2009 (ارتفعت في 2008 بنسبة 27 بالمئة) بصورة متفائلة لا تتناسب مع التحليل الاقتصادي الواقعي، فمن المؤكد أن يتباطأ النمو الاقتصادي ليخفض معظم عناصر الإيرادات المحلية، مثل: ضريبة المبيعات، والرسوم الجمركية، وأرباح الشركات، وبخاصة مع توقعات الحكومة بتراجع معدل التضخم والذي كان له بعض الفضل في زيادة حصيلتها من الإيرادات كضريبة المبيعات، مما يلحق الضرر بالنفقات العامة رغم أن هيكلها الأساسي يذهب للرواتب. أما المساعدات الخارجية وتقديراتها، فهي مشكوك بها، نظراً لما تمر به معظم الدول المانحة عربية أو أجنبية من ظروف معقدة، ولنا في التجارب الماضية دليل على ذلك، فأميركا قبل الأزمة الحالية وفي العام 2007 خفضت مساعداتها الخارجية بنسبة 3.5 بالمئة، وخفضت النرويج مساعداتها الخارجية عندما تعرضت لأزمة العام 1991 بنسبة 10 بالمئة، والسويد بنسبة 17 بالمئة، أما فنلندا، فقد خفضتها بنسبة 60 بالمئة. أما تبعات الأزمة المالية العالمية على الإقليم، فيتوقع أن تظهر آثارها سريعاً على اقتصادات دول الخليج تحديداً، بانخفاض الطلب على البترول وانخفاض أسعاره، مصحوباً بما أصابها حتى الآن من جراء الانهيارات المالية في الدول المتقدمة وضغوط الدول الغربية عليها للمساهمة في إنقاذ الاقتصاد العالمي المريض، مما يؤثر على تشغيلها للعمالة الأردنية وطلبها عليها، وبالتالي على حوالات المغتربين للمملكة التي شهدت خلال الأعوام الثلاثة الماضية ارتفاعات ملحوظة، بفعل ارتفاع أسعار البترول لتساهم برفد الاقتصاد بحوالي (20 بالمئة) من الناتج المحلي في العام 2007ما يعادل (3) بليون دولار حتى بلغت ذروتها كما هي في نهاية تموز 2008 إلى (1.5) بليون دينار، مما سيؤثر في النفقات الرأسمالية. ويندردج في هذا السياق التحليلي بند الاستثمارات العربية المباشرة الذي ارتفع في 2008بنسبة 49 بالمئة ليمثل الاستثمار الأكبر في الأردن، والذي يتوقع أن يتأثر بشدة خلال العام 2009 على الأقل، وستتدخل هذه العوامل بمجملها ليصبح قرارها الاستثماري انتقائياً وشديد الحذر، هذا إن لم تتعرض بعض استثماراتها المخططة للتوقف، بينما يعرض عليها الاستثمار في اقتصادات الدول المأزومة تحت ضغط الفرص وضغوط أخرى.كذلك فقد سبق وظهرت آثار الأزمة المالية العالمية على قطاع السياحة، فقد تعرضت مدخرات السائح الإقليمي أو العالمي المتوقع قدومه إلى الأردن للذوبان، ويكافح للمحافظة على وظيفته ودفع نفقات حياته اليومية، مما سينعكس على صناعة السياحة العالمية وتوابعها في القطاعات الأخرى من طيران وفندقة ومطاعم ونقل داخلي، حيث أفلست حتى الآن (35) شركة طيران، ويتوقع ان تتضاعف حتى نهاية العام الجاري، علماً بأن صناعة السياحة في الأردن أصبحت أحد الروافد الأساسية للاقتصاد الأردني والاحتياطيات الأجنبية بوصول عوائدها الى بليون دينار حتى نهاية تموز 2008. ويدخل في السياق نفسه نشاط الصادرات الأردنية التي ستتأثر حتماً بظروف الاقتصاد العالمي المأزوم. يتبع هذا التحليل تراجع نسب النمو الاقتصادي، وانخفاض الناتج المحلي الإجمالي وضغوطات على عجز الموازنة وارتفاع معدل البطالة، الذي ستغذيه احتمالات استغناءات عن مواطنينا في دول الخليج، بفعل آثار انخفاض سعر صرف الدولار الأميركي، كما هو متوقع مما يشكل ضغوطات على سعر صرف الدينار، وبالتالي على احتياطيات البنك المركزي من العملات الأجنبية ومزيد من التعرض للانكشاف الخارجي بكل مخاطره، في وقت يعيش الجميع في دوامة الأزمة حيث لا مغيث بعد الله، إلاّ حسن تدبير وتخطيط صانع القرار الاقتصادي. يمثل مشروع قانون الموازنة العامة لعام 2009 نهج الحكومة للسنة المقبلة، وهي سنة صعبة على الجميع. أما وقد اجتهدت الحكومة وقدمت مشروعها، فالمطلوب من السادة النواب ولجنتهم المالية والاقتصادية إعادة النظر في المشروع ومناقشته مع ذوي الاختصاص، وعلى الحكومة أن تعيد حساباتها في ضوء المتغيرات التي عصفت باقتصادات كانت خارج نطاق الشك، فأزمة الاقتصاد الأميركي شملت سلطاته التشريعية والتنفيذية وعمالقته الذين توجه لهم أصابع اللوم بالتأخر في اتخاذ القرار، والتقصير، والجهل، والعجرفة، والتفاؤل غير المبرر والأهلية المشروخة، مما وضع العالم في حرب عالمية مع نفسه تهدد مؤسساته وثرواته. لنرسم مشروع موزانتنا لعام 2009 على أسس أكثر تحفظاً وأشد واقعية، وبشكل آمن يحفظ إنجازاتنا وأمننا الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، ويأخذ بالاعتبار السيناريو الرمادي. لنقرأ بعمق الإشارات التي تتوارد من عواصم الإقليم والعالم ولنعزز جهودنا لجذب الاستثمارات الأردنية والعربية والأجنبية، فالأردن بيئة استثمارية آمنة مربحة عندما عز الآمان وعزت الربحية، ولنستعمل الأدوات المالية والنقدية الممكنة لتحفيز الاقتصاد ولنعمق فعالية شبكة الأمان الاجتماعي، ولنبتعد عن الاستدانة الداخلية أو الخارجية كمصدر لتمويل الخزينة، ولنا في تجربتنا في العام 1989 خير درس اقتصادي وأمني، عندما انكشف الاقتصاد الأردني أمام الخارج وطلبنا المساعدة ولم نجد إلا القليل، ولن نخسر إذا اختلف السيناريو، وأصبح العالم وردياً زاهياً، ولنتذكر مثلنا الشعبي القديم "دبساتنا مرقات". |
|
|||||||||||||