العدد 8 - ثقافي | ||||||||||||||
تميز مهرجان دبي السينمائي الرابع الذي انعقد تحت شعار ملتقى الثقافات والشعوب باختياره مجموعة أفلام متنوعة وزعت على أقسام متقاربة الموضوع لكنها جميعها تطرح قصصا تقارب موضوع العلاقات بين الشعوب والطوائف وتحاول أن تجد ما هو مشترك بينها. هذا يعني أن المهرجان كان وفيا للهدف الذي أعلنه. والمهرجان لم يكتف بذلك بل أقام ندوات موازية تعالج هذه القضية من مختلف جوانبها. واحدة من هذه الندوات حملت اسم «الجسر الثقافي»، وشارك فيها بشكل رئيسي الكاتب الذي صار نجما في عالم الكتابة الروائية باولو كويلو والذي ألقى مداخلةمختصرة شرح من خلالها دلالات مفهوم «الجسر الثقافي»، حيث اعتبر أن الطريقة الوحيدة التي تقود نحو الترابط الإنساني تأتي عبر الغوص عميقاً في التجربة المشتركة للإنسانية جمعاء. نالت قضية العلاقة بين العرب والغرب الحصة الأكبر من اختيارات المهرجان من أفلام عرض القسم الأساس منها ضمن برنامج «ليالي عربية»، وهي أفلام وصفها مسعود أمرالله مدير البرنامج العربي في المهرجان، من ضمن أوصاف أخرى، أنها إما ذات طابع إشكالي وجدلي، أو حيادي مسالم، ولكنها أفلام تهمنا جميعا. أكثر هذه الأفلام دعاية كان من إخراج المخرج المغربي نبيل عيوش، الذي برز اسمه قبل أعوام عندما أطلق فيلمه «على زاوا». الفيلم هو «ما تريده لولا». والعنوان مأخوذ من مثل شائع يقول «ما تريده لولا تحصل عليه»، وهو ما تردده لولا بطلة الفيلم الأميركية من خلال أغنية أميركية نسمعها في أحد ملاهي القاهرة في نهاية الفيلم، تؤديها فيما هي ترقص رقصة شرقية مطعمة بإضافة غربية، مما أبهر رواد الملهى المصريين. بطلة الفيلم، لولا، أمريكية شابة، تحلم بأن تكون راقصة محترفة، لكنها تفشل في جميع الاختبارات التي تتقدم لها للعمل في فرق الرقص المحترفة. لولا هذه، صديقة حميمة لمصري مخنث، يحكي لها ذات يوم عن راقصة مصرية شرقية مبدعة اسمها أسمهان اعتزلت الرقص ويعرض عليها شريط فيديو قديم ترقص فيه اسمهان ، مما يجعلها تنبهر. هكذا تبدأ علاقة لولا بالشرق. تتطور هذه العلاقة عندما تصبح لولا عشيقة لطالب مصري يدرس في أميركا، يعيش معها بعض الوقت قبل أن يهجرها بسبب اختلاف موقفيهما من إنشاء أسرة. حين ينهي الطالب المصري دراسته وبعود إلى مصر، تقرر لولا اللحاق به، أولا لأنها أحبته، وثانيا لأنها قررت أن تتعلم الرقص الشرقي على يد أسمهان التي اعتزلت الرقص واعتكفت في بيتها. وفي النهاية تفشل لولا في الاحتفاظ بحبيبها المصري لكنها تنجح في أن تكون راقصة شرقية مبدعة ومجددة، بعدما نجحت في إخراج أسمهان من عزلتها وجعلتها تقبل على تعليمها فن الرقص الشرقي. وهكذا يتضح من الفيلم أن الرقص الشرقي هو أساس من أساسات مد الجسور بين الثقافتين الشرقية والغربية، فيما تشكل الأغنية الأمريكية المؤداة على وقع إيقاع الرقص الشرقي قمة هذا الجسر الذي يرمز إلى التعايش بين ثقافتين، واحدة شرقية عربية إسلامية، والثانية غربية أمريكية. يشكل الطعام الشرقي مادة أخرى، تضاف إلى الرقص الشرقي، لتشكيل جسر ثقافي بين الديانتين الإسلامية واليهودية. الفيلم هو «أمريكي شرقي» وهو من إخراج المصري هشام عيساوي وتأليف الممثل المصري سيد بدرية، ومن بطولة سيد بدرية و طوني شلهوب، وهم جميعا من العرب المقيمين في أميركا، إضافة إلى الممثل قيس ناشف، وهو أحد بطلي فيلم «الجنة الآن». والفيلم من إنتاج مجموعة ممولين عرب أميركيين. اعتبر طوني شلهوب، وهو أحد الممثلين القلائل من أصل عربي ممن حققوا نجاحا كبيرا في عالم المسلسلات التلفزيونية الأميركية، والذي جسد في الفيلم شخصية يهودي مسالم صديق لبطل الفيلم المصري أن الفيلم نجح في تغيير الصورة النمطية للعربي في السينما، وفي تعزيز العلاقة الإيجابية بين البشر من كل مكان، من خلال هذا الفيلم الذي شارك فيه مسلمون ومسيحيون ويهود، عملوا جنباً إلي جنب ليؤكدوا علي أهمية القيمة الإنسانية بغض النظر عن الأديان والأعراق. تجري أحداث الفيلم بعد حادثة 11 أيلول، ونرى في الفيلم كيف يتعرض المصري المسلم صاحب المطعم الشرقي الصغير للاضطهاد من قبل الشرطة الأميركية لسبب تافه ولا ينقذه من الاعتقال في أحد المرات إلا تدخل صديقه اليهودي، ومع ذلك فهو لا يتخلى عن إيمانه بالحق في العيش بسلام في أميركا ويصر على المضي قدما في تحقيق مشروعه الكبير، ألا وهو افتتاح مطعم ضخم للأكل الشرقي، وهو مشروع لا يمكن أن يتحقق، كما نرى في الفيلم، إلا بدعم وتمويل من شريك رئيسي هو الصديق اليهودي. في الفيلم طبعا ثمة زبائن عرب لا يفعلون شيئا سوى الجلوس في المطعم، ورجال متدينون ملتحون يرتدون دشاديش بيضاء يدخلون المطعم فقط كي يصلوا خفية في غرفة ملحقة به. و هؤلاء العرب يعترضون على علاقة صاحب المطعم المصري مع اليهودي كما يعترضون على مشروع الشراكة في المطعم الجديد. بالمقابل يعترض أقارب اليهودي على علاقته بالعربي المسلم، كما يعترضون على المطعم المقترح. في نهاية الفيلم السعيدة يجري افتتاح المطعم في احتفال مهيب يضم جميع الأطراف ويدخله معا اليهود والعرب، بما فيهم المتدينون المتعصبون من كلا الطرفين. وهذه النهاية مبررة تماما بالعلاقة مع منطق الفيلم والأهم من ذلك، بالعلاقة من واقع الحال، حيث لا يمكن أن يتخلف اثنان، مهما اختلفت ديانتهما ومهما كان الصراع السياسي بينهما، على أن الأكل الشرقي طيب المذاق، وبالتالي يمكن أن يكون جسرا صالحا للتواصل بين الشعوب. «ما تريده لولا» و «أميركي شرقي» فيلمان مصنوعان بأيد عربية تستفيد من التمويل الأجنبي. وهناك فيلم ثالث شاركت فيه ممثلة عربية في دور البطولة، لكنه فيلم مشترك الإنتاج بين لوكسمبرج وفرنسا والجزائر. والفيلم أيضا يدور في فلك البحث عن جسر ثقافي بين الشعوب. الفيلم بعنوان «ليالي عربية» وهو من إخراج بول كيفر. يقترح الفيلم جسرا آخر يصل بين الشرق والغرب. بطل الفيلم شاب مسالم طيب القلب يرعى والده المعاق، يعمل مفتشا على التذاكر في القطار، يلتقي ذات يوم بفتاة عربية هاربة من أشخاص من أقاربها الذين يطاردونها لأسباب تتعلق بالشرف فيقوم بمساعدتها وحمايتها ومن ثم يقع في غرامها. وحين تختفي هذه الفتاة ذات يوم يكتشف أنها رحلت إلى الجزائر وعادت إلى موطن طفولتها الأصلي لتقيم فيه نهائيا. وهكذا يقرر هذا العاشق الأوروبي التخلي عن كل شيء و ترك بلده والذهاب في رحلة إلى الجزائر بحثا عن حبيبته التي ما عاد يستطيع العيش بدونها. وفي النهاية وبعد مغامرات ومخاطر يعثر عليها ويتحقق اللقاء. وفي الحقيقة فإن بطل الفيلم لم يعشق فقط الفتاة العربية بل هو عشق إلى حد الحلم صورة دعائية نرى فيها خيمة عربية وسط الصحراء معلقة في واجهة مكتب سياحي في مدينته. ومن غرائب الصدف أن المكان الذي عادت إليه حبيبته لتستقر في العيش فيه مدى الحياة هو صحراء فيها خيمة شبيهة، أو أنها هي ذاتها، بالخيمة الموجودة في الملصق الدعائي، وهي الخيمة التي سيعيش فيها الاثنان قصة حبهما الخالدة. هكذا تصبح حياة الصحراء جسرا ثالثا مشتركا بين الشرق والغرب. هذه إذن، ثلاثة نماذج سينمائية حديثة تسعى لمد الجسور بين الثقافات والشعوب، وهي وظيفة سامية بلا شك، وظيفة طالما اعتبر السينمائيون في مختلف أرجاء العالم أنها من صلب جوهر السينما وجوهر رسالتها الإنسانية، لكن مشكلة هذه الأفلام، وهي أفلام إشكالية بطبيعة الحال، تكمن في أنها، وعلى الرغم من النوايا الطيبة لصانعيها، تنتمي إلى السينما الاستهلاكية وليس السينما ذات المستوى الراقي إبداعيا والعميق فكريا، فلم تجسد جسورا إلا مثل هذه الجسور الهشة الدعائم. |
|
|||||||||||||