العدد 51 - اعلامي
 

«إنها كصحف أسبوعية صفراء» هكذا وصف صحفي رفض الكشف عن اسمه بعض المواقع الإلكترونية، مشدداً في الوقت عينه على أهمية التفريق بين الغث والسمين بينهما، هذا الرأي، يتوافق مع رأي رئيس تحرير «الغد» الزميل موسى برهومة الذي يرى أن بعض المواقع الإلكترونية شمل دنسها الثوب الأبيض بكامله.

المواقع الإلكترونية الإخبارية المحلية باتت «أمراً واقعاً» في المشهد الإعلامي المحلي، بيد ان تقييمها يختلف من موقع إلى آخر، فهناك من يعتقد بأهمية سن تشريعات ناظمة لعملها، وآخرون يدفعون بضرورة وضع ميثاق شرف لها، فيما يجادل طرف ثالث بأن الحديث عن مبادئ ناظمة أو قوانين نافذة لا طائل منه، في ظل تدفق المعلومات وتعذر التحكم بها.

وباتت مواقع الإلكترونية تنافس وكالات أنباء وصحف يومية في نشر الخبر، مستفيدة من سرعة بثه، فضلاً عن تمتعها بقدر من الحرية في نشر أخبار، تفتقد لها بعض اليوميات والإعلام الرسمي، وبذلك استطاعت بعض المواقع «كسب» زوار لها، وإن اختلفت تقييمات المختصين، فمنهم من يرى أن أرقام الزائرين حقيقية، ومن يقول إن طريقة احتساب أعدادهم (الزائرون) تفتقد للمنهجية العلمية والتدقيق. غير أن المهنية والموضوعية تبقى من أبرز المثالب التي يمكن أن تسجل على الكثير منها.

ولا تعتمد مواقع عدة على المبدأ الصحفي المعروف الرأي والرأي الآخر، وإنما تنشر في أغلب الأوقات خبراً من طرف واحد قد لا يكون صحيحاً.

يبلغ عدد المواقع الإخبارية الإلكترونية التي بدأت بالانتشار منذ زهاء عامين، 25 موقعا، إضافة إلى مواقع أخرى يجري تأسيسها.

رئيس تحرير «الغد» موسى برهومة تطرق إلى مهنية المواقع، في مقالة نشرها في الصحيفة يوم 13 تشرين الأول الماضي قال فيه: «كلما خطر في البال الدعاء الشهير: (اللهم نقه من الذنوب كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس) تذكرت السِّجالات التي تدور رحاها في بعض المواقع الإلكترونية المحلية، التي شمل دنسها الثوب بأكمله وراحت تستبيح الثوابت الوطنية والمهنية والأخلاقية، ما يجعل تعليق الجرس أمراً محتوماً».

مقالة برهومة ظهرت بعد تصاعد الحديث، عن أهمية وضع ضوابط مهنية لعمل المواقع الإلكترونية، وبخاصة للتعليقات التي كثيراً ما تخرج عن اللباقة والموضوعية، ويتم فيها اغتيال الشخصية، وفق الكاتب نفسه الذي يقول: «علاوة على افتقار غالبية هذه المواقع للحدود الدنيا من السوية المهنية واللغوية، فإنها تتحرك في فضاء افتراضي منفلت من عقاله، ولا يتورع بعض القائمين عليها عن اغتيال الشخصيات العامة».

السِّجال ما كان ليتصاعد حول المسألة، لولا دخول مواقع إلكترونية إلى خانة السِّجال السياسي، الذي كان يدور رحاه في الأوساط السياسية، وانحياز المواقع إلى هذه الجهة أو تلك، وورود تعليقات خارجة في بعضها عن أصول العمل الصحفي، دون أن يتم وضع ضوابط المهنة في الحسبان.

نقابة الصحفيين تنبهت لهذا السِّجال وحاولت إشهار عصا «القانون والنظام» في وجه من عدّتهم «أصواتا نشازاً» في الجسم الصحفي، فأصدرت بياناً قالت فيه إنها: «ستباشر بجدية ومسؤولية في إعادة تصويب بعض الاختلالات والتجاوزات وعلى أي صعيد كانت، وستتخذ الإجراءات والقرارات الضرورية التي باتت عاجلة لإلزام كل منتسبيها التمسك بمبادئ المهنية والموضوعية، ليس فقط للحفاظ على التوازن الضروري بين الحريات الصحفية والحقوق الشخصية، وإنما أيضاً في تكريس خطاب إعلامي عصري ومنفتح، يلحظ، على الدوام، أهمية الارتقاء في سُبل البحث والتحليل، وعدم السقوط أو الانزلاق إلى مربعات التضليل".

هذا المنحى لدى صحفيين ونقابتهم، دفع للتفكير بإصدار تشريعات أو التوافق على "مدونة سلوك" ذات صلة بالمواقع الإلكترونية، التي تقع خارج سياق سلطة النقابة القانونية، بحيث يتم ضبط الاختلالات التي تحدث في بعض المواقع، والارتقاء بكفاءة العاملين بها، حتى لا تكون نموذجاً مكروراً لصحف اسبوعية ابتعدت عن المهنية والموضوعية، لدرجة أساءت معها لسمعة الأسبوعيات مجتمعة.

يرفض ناشرو مواقع إلكترونية إصدار تشريعات ناظمة أو حتى "مدونة سلوك". ناشر موقع "عمون" الإخباري سمير الحياري يرفض فكرة سن تشريع قانوني يضبط عمل المواقع الإلكترونية، مفضلا ترك الخيار للقارئ. يستغرب الحياري القول بسن قوانين ضابطة، مع توافر قوانين حالية رادعة مثل قانون العقوبات الذي يجرّم الذم والقدح والتحقير، مشيراً إلى "أن وجود تشريع يضبط عمل المواقع الإلكترونية سيؤثر سلباً في الحرية المتاحة لها ويكبل حريتها".

بموجب نصوص قانون العقوبات، فإن جرائم الذم والقدح التي تطبق على المواقع الإلكترونية فقد يقع الذم والقدح من الجاني على المجني عليه مباشرة، أو من خلال نشر بيانات أو معلومات تتضمن إساءة لشخص ما.

عرّف القانون الوسائل العلنية، بأنها الأعمال والحركات التي "تحدث في محل عام أو مكان مباح للجمهور أو معرض للأنظار أو حصلت في مكان ليس من المحال المذكورة، غير أنها جرت على صورة يستطيع أن يشاهدها أي شخص موجود في المحال المذكورة، والكلام أو الصراخ سواء جهر بهما أو نقلا بالوسائل الآلية بحيث يسمعها في كلتا الحالتين من لا دخل له في الفعل، والكتابة والرسوم والصور اليدوية والشمسية والأفلام والشارات والتصاوير على اختلافها إذا عرضت في محل عام أو مكان مباح للجمهور، أو معرض للأنظار أو بيعت أو عرضت للبيع أو وزعت على أكثر من شخص".

بيد أن الحياري يتفق مع القول بغياب المهنية في بعض المواقع ويقول: "المشكلة ليست في المواقع الإلكترونية، وإنما في مهنية القائمين على بعضها".

هذا الرأي يسوقه الصحفي محمد عمر في مدونته حول الإعلام الإلكتروني فيقول: "على أن الواقع بالنسبة للعاملين في المواقع الإلكترونية، يشير إلى أن الغالبية الساحقة منهم ليست لديها خبرة سابقة في هذا المجال، وفقاً لما يؤكده مسؤولو هذه المواقع (...) والعاملون هم في معظمهم صحفيون عملوا إما في صحف يومية أو اسبوعية، وقاموا بنقل أسلوب عملهم التقليدي السابق إلى هذه المواقع. وتتفاوت خبرات هؤلاء في مجال الإعلام المكتوب، حيث إن لبعضهم خبرة طويلة، في حين أن النسبة الكبرى لا تمتلك خبرة طويلة أو أنها لا تمتلك خبرة أصلا. ويضاف إلى ذلك أن أعداد الصحفيين العاملين في المواقع قليلة، قياساً بالحاجات اللازمة لهذا العمل، إذ إن بعض المواقع يعمل فيها صحفيان فقط، في حين أن العدد الأكبر للعاملين في أي من هذه المواقع لا يتجاوز الخمسة صحفيين".

يلامس رئيس تحرير "الغد" هذا الواقع عندما يقول: "فضلاً عن الركاكة الأسلوبية الفاحشة التي تَسم كتابات هذه المواقع، فإن التعليقات التي يسمح بنشرها على المقالات والأخبار خادشة للحياء ومشوهة للعقل، ومنتهكة بغيضة للغة بما هي محمول مقدس ومأمون".

يجادل ناشر موقع "سرايا" هاشم الخالدي بأن كل ناشر موقع يجب أن يتحلى بـ"المهنية والأخلاقية"، وأن يكون "صحفياً وليس تاجراً".

غير أن رئيس مركز حماية وحرية الصحفيين نضال منصور، يرى أهمية لوجود "مدونات سلوك"، وليس "لقوانين عقوبات"، على أن يكون لها سياسات معلنة.

أظهرت دراسة قام بها مركز "إبسوس ستات" للدراسات أواخر العام 2007، أن 2.3 بالمئة من بين 2000 شخصية ممن استطلعت آراؤهم عبر الهاتف، يتصفحون المواقع الإلكترونية الإخبارية.

فيما بينت دراسة أعدها مركز "استراتيجية" لصالح برنامج تدعيم وسائل الإعلام الأردنية التابع للوكالة الأميركية للإنماء، ونشرت في 10 آذار/مارس 2008 ان نسبة قراء الصحف المحلية على الإنترنت (لقراء الصحيفة ذاتها) هي20 بالمئة من قراء صحيفة "جوردان تايمز"، تلتها "العرب اليوم" بنسبة 14.5 بالمئة، ثم صحيفة "الغد" بنسبة 12.2 بالمئة، ثم الرأي بنسبة 7.5 بالمئة و"الدستور" بنسبة 4.8 بالمئة.

صحفيون ينظرون لتجربة المواقع الإخبارية باهتمام، يأخذون على بعضها جنوحها للتشهير والقتل المعنوي المجاني، بدل أن تشكل رافعة حقيقية للدفاع عن الحريات الصحفية والعامة، وإرساء حالة وعي معرفي لدى المجتمع والأفراد.

شكوى من ضعف مهْنية بعضها: 25 موقعاً إخبارياً تواكب المستجدات وتنافس اليوميات
 
13-Nov-2008
 
العدد 51