العدد 1 - ثقافي
 

لعل الجلطة الدماغية التي باغتت الفنان هشام يانس هي المشهد الدرامي الذي لم يلعبه هذا الفنان الكوميدي الذي عُرف بالسخرية من كل شيء.. «دور» المريض في «مسرحية الحياة» أخرج المخضرم يانس من دائرة مسرحيات رمضان الفائت، وأثار علامات استفهام حيال مصير الفنان وغياب شبكات الأمان الاجتماعي والصحي.

يانس يرقد الآن على سرير الشفاء في منزله بعد مغادرته المدينة الطبية مؤخراً، وحالته لم تزل صعبة، رغم أن الأطباء يتحدثون عن تحسن ما، يمثل الفرق بين طريقة تقبل مريض وآخر لمثل هذا العارض الصحي، يعد الأمل بالنجاة منه ضعيفاً، ،كذا مدى الاستجابة للعلاج.

السيدة هبة أحمد، زوجة يانس، اعتبرت أن حالة زوجها أفضل، مشيرة إلى أنه يبدي تحسناً، ويحاول أن يتكلم ويمشي.

وربما لتكتمل السخرية التي امتاز بها يانس، تلفت السيدة هبة في حديثها لـ«السّجل» إلى أن الأطباء يقولون: «إن حالته خاصة» مقارنة مع السجل المرضي للجلطات الدماغية التي لا ينجو منها الا قلة وتترك ضرراً يصعب تجاوزه، وتفسر ذلك بأنه يتقدم صوب الشفاء بشكل جيد.

وتلخص الفنانة أمل الدباس، رفيقة درب هشام المسرحي وشقّه الكوميدي الثاني، طريقة تلقيها للخبر بالقول: «لا اعتراض على حكم الله.. لكن الخبر كان صعباً جداً وأشبه بالصاعقة بالنسبة لي».

وغاب الثنائي يانس و الدباس عن الجمهور في رمضان هذا العام، وهما اللذان كانا يملأن الأجواء الرمضانية ضحكاً وحضوراً. وكان مثيراً سكوت وسائل الإعلام المحلية عن هذا الغياب وكأن شيئاً لم يكن. عدا قلة من المقالات ومنها مقالة لأحد كتاب الرأي أشار فيها الى غزو الفنانين اللبنانيين لمسارح فنادقنا في ظل غياب يانس والدباس وغيرهما.

وعلى الرغم من أن غيابه في رمضان عن شاشة التلفزيون ومسارح الفنادق ترك فراغاً كبيراً الا أن قلة من الشعب الأردني يعرف ما أصابه، ما يعكس ضعف التغطية الإعلامية لمرضه وقلة الاهتمام حتى بمن زرع الابتسامة على وجوه الناس.. وهم المتهمون بعدم الابتسام.

تقول الدباس: كنا نحضر لأعمال رمضانية عندما داهمت هشام الجلطة، وأنا الآن «مش عارفة شو أعمل وحاسة بالضياع.. الله يشفيه».

وتتفق مع زوجة يانس بأن الشفاء من الجلطات الدماغية ليس سهلاً ويستغرق وقتاً طويلاً.. لكنها تشير إلى أن «الأطباء متفاجئون من سرعة تخطيه لها» وتتابع قائلة: أنا أزوره كثيراً، وهو يتحسن، ونتحدث معه ويحاول أن يتكلم، ونغني معاً والبسمة لا تغيب عن وجهه.

وامتاز الممثل والمخرج المسرحي هشام يانس بأداء أدوار الشخصيات السياسية والمحلية والعربية والدولية، ومن أبرزها شخصية الملك الراحل الحسين بن طلال، والرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، والرئيس الليبي معمر القذافي، والرئيس العراقي الراحل صدام حسين.. وغيرهم وشكل مع أمل الدباس ثنائياً فنياً ساخراً ولاذعاً في أحايين كثيرة.

ولم يحل الخلاف القديم والكبير بينهما، من أن يتجاوزه الفنان نبيل صوالحة ويقوم بزيارة رفيق دربه السابق و«توأم سخريته» في ماضي الأيام، على سرير الشفاء.

صوالحة قال لـ«السّجل»: بمجرد أن عرفت بحالته، أصبح الخلاف ثانوياً، فذهبت وزرته، وكان في بدايات المرض، ثم زرته مرة ثانية، وكان في وضع أفضل، لم يكن يتكلم لكن معنوياته كانت مرتفعة، وبدأ يضحك وضحكنا معاً. في المرة الثالثة، قلقت عليه.. فلم يكن كما رأيته في السابق ولم يكن يتفوه الا بجملة واحدة هي «يا سلام سلم». أتمنى له الشفاء من كل قلبي، وأعرف أن علاجه سيكون طويلاً وآمل ان يرجع يتكلم ويتحرك.

وكان يانس أسس مسرح هشام السياسي، الذي أغلقته أمانة عمان الكبرى في كانون الثاني/ديسمبر 2006 لتخلفه عن دفع الرسوم، ربما لكي تكتمل صورة أن الأردنيين شعب ليس فقط لا يبتسم وانما.. لا يحب الابتسام؟!.

يومها غضب يانس، وأعلن أنه سيعتزل العمل المسرحي، وقال: «اذا كان هناك إحساس، أن المسرح معلم حضاري، فيجب أن يدعم سواء من الحكومة او من القطاع الخاص، لكني لا أرى أياً من هذه البوادر، ولو أردنا حضارة وسط هذه الديمقراطية فيجب أن يجد المسرح من يدعمه».

وتعلق أمل الدباس قائلة: لا شك أن القانون فوق الجميع، ولكن هناك استثناءات دائماً للمواقع الحضارية والثقافية. وكنا ننتظر أن تكون هناك تسوية مع الأمانة بشأن الرسوم، خصوصاً ان المبلغ ليس كبيراً، وهذا مسرح يرتاده المئات من المشاهدين، وهناك «بيوت مفتوحة من ورائه». كنا نتطلع أن يطبق القانون بروحه وليس بحذافيره، وهذا ما لم يحدث للأسف.

لكن الموقف الرسمي من جلطة يانس كان مختلفا، فقد تكفلت الحكومة بنفقات علاجه سواء في المستشفى الخاص الذي نقل اليه فور حدوثها.. او في المدينة الطبيةالتي نقل اليها لاحقاً.

ويقول صوالحة: الحق أنهم لم يقصروا، فقد تكفل الديوان الملكي والحكومة بعلاجه، لكنه يشير إلى ان دعم الفن في الأردن ما زال متواضعاً وشبه معدوم مقارنة مع دول اخرى كمصر وسورية، لا توجد سياسة لدعم الفن لدينا.. تاركين الفن وأهل الفن «بعل»!!

وضرب مثلاً بأنه إذا أراد أن يقدم عملاً للتلفزيون الأردني، فيتعين عليه ان يُحضر راعياً للعمل للانفاق عليه اولاً ومن ثم يقدم الفن ثانياً " وأنا فنان ولست رجل علاقات عامة مثلاً".

وحول «سيناريو» إصابة يانس بالجلطة، تقول السيدة هبة : لقد تعرض في الواقع لجلطتين، داهمته الأولى، وكانت خفيفة يوم 23 حزيران/يونيو عندما كان موجوداً في أحد البنوك لانجاز معاملة، ونقل على اثرها إلى أحد المستشفيات ووضع في الـ(I C U)، حيث داهمته الجلطة الثانية القوية بعد ساعتين من وقوع الأولى. و«الآن تقول السيدة هبة بواقعية - أعرف ان زوجي لن يعود كما كان.. ومن الصعب أن يعود بنسبة 100٪ والأطباء يقولون إنه قد يعود بنسبة 90٪ وأنا أقبل بأن يعود حتى 80٪ بس يعود».

وعن الجانب الخفي عن جمهور يانس تقول:«هشام إنسان بيتوتي أولاده هم كل حياته، صبور وطويل بال ومحبوب وذو حضور طاغٍ». وتضيف :«أنها اكتشفت منذ أشهر فقط أنه كان ينفق على عدد من الطلاب في الجامعات، ومن هؤلاء من زاره في المستشفى وعندما رأوه على تلك الحالة أجهشوا في البكاء وألسنتهم تلهج بالدعاء».

وتصف أمل الدباس هشام يانس بأنه «إنسان بمعنى الكلمة، محب للناس، متعاون، مرح، وعلاقتي به تتعدى الزمالة، إلى العلاقة العائلية. وهو أولاً وقبل كل شيء إنسان مسؤول عن كل من يعمل معه».

وكتب هشام يانس 82 مسلسلاً تلفزيونياً و15 مسرحية سياسية، منها: نظام عالمي جديد، ومؤتمر قمة عربي، والسلام يا سلام، والتطبيع، وأهلاً حكومة، والحصار اللي صار، والصدمة وصدام. ومعظم هذه الأعمال شاركه في كتابتها نبيل صوالحة، ويعد نسب هذه الأعمال لأحدهما واحداً من نقاط الخلاف بينهما.

المرض يبعد هشام يانس عن جمهوره الرمضاني – خالد أبو الخير
 
08-Nov-2007
 
العدد 1